أوّل الكلام آخره:
- لم يعط الإعلام الدوليّ الاحتجاجات في كولومبيا، أقدم الديمقراطيات في أمريكا الجنوبيّة، حقّها من التغطية.
- إنّ الرغبة في تحقيق العدالة الاقتصاديّة والاجتماعيّة لشرائح المجتمع الكولومبيّ المتجاهلة لفترة طويلة هي ما يدفع المحتجّين للتظاهر.
- تبرز بعض الشواهد على أنّ الاتحاد الروسيّ قد يحاول إذكاء حركة الاحتجاج من خلال الانخراط في حملة تضليل.
- قد يؤدي التماطل في تنفيذ اتّفاق السلام الذي أبرمته الحكومة الكولومبيّة مع القوّات المسلّحة الثوريّة الكولومبيّة إلى تفاقم التوترات.
مع استمرار الاحتجاجات في جميع أنحاء العالم، لم يأخذ احتجاج واحد على وجه الخصوص حقّه بالتغطية الإعلاميّة الكافية. إذ لم تحظ الاحتجاجات الكولومبية التي بدأت في تشرين الثاني / نوفمبر ٢٠١٩ واستمرت حتى عام ٢٠٢٠ إلا باهتمام ضئيل مقارنة بالفوضى التي كانت تجتاح الشوارع في لبنان وهونغ كونغ وفرنسا وإيران وفنزويلا. وفي كولومبيا، بدأت الاحتجاجات في منتصف تشرين الثاني / نوفمبر ٢٠١٩ وأسفرت عن مسيرات واسعة النطاق في جميع المدن الكولومبيّة الكبرى تقريبا. وترافقت المسيرات مع شعور عام بالسخط على الرئيس الكولومبي وزعيم حزب الوسط الديمقراطي إيفان دوكي، الذي يدين بصعوده جزئيا إلى الرئيس الكولومبي السابق ألفارو أوريبي، الذي تولى منصبه بين عامي ٢٠٠٢ و٢٠١٠. وتتراوح مطالب المحتجين بين الحاجة إلى رعاية صحّيّة أفضل، وإصلاح المعاشات التقاعديّة، ووقف الفساد، وحلّ شرطة مكافحة الشغب، وتنفيذ اتّفاقات السلام التي وقّعتها الحكومة الكولومبيّة مع القوّات المسلّحة الثوريّة الكولومبيّة عام ٢٠١٦ بأمانة تامّة. ولم تستجب حكومة دوكي بسرعة لمطالب المتظاهرين. إذ كان من المقرّر أن تبدأ الاحتجاجات في تشرين الأول / أكتوبر ٢٠١٩، لكنها تأجّلت حتى منتصف تشرين الثاني / نوفمبر. ولم يوافق دوكي على عقد حوار وطني إلا في أواخر تشرين الثاني / نوفمبر، أي خلال الحركة المتصاعدة. وفي هذه المرحلة، رفض الكثيرون رد الحكومة الكولومبيّة ونظروا إليه بعين الريبة، ولا سيما أنه سعى إلى إلقاء اللائمة على الجهات الأجنبيّة في الاضطرابات.
وفي عام ٢٠٢٠، استمرّت الاحتجاجات في كولومبيا دون أن تلوح لها في الأفق نهاية بسبب المزيج الانتقائيّ من المطالب مع الافتقار إلى القيادة التي يمكن الحكومة الكولومبيّة التفاوض معها. وفي أواخر شباط / فبراير من العام نفسه، بدأ الوضع في كولومبيا بالتأثير بشكل مباشر في نظام التعليم حيث بدأ أساتذة المدارس الحكوميّة بالإضرابات لمدّة يومين في جميع أنحاء كولومبيا. وقد نفّذ أساتذة المدارس الحكوميّة الإضراب في محاولة لتسليط الضوء على استيائهم من الحكومة نتيجة تهديداتها لقادة المجتمع المدني، وقتل الشرطة لنشطاء خلال الاحتجاجات. ولم يتمكن أكثر من سبعة ملايين طالب من الذهاب إلى مدارسهم بسبب هذه الاحتجاجات. وكان إضراب الأساتذة في شباط / فبراير مقدمة للإضرابات المقررة في أواخر آذار / مارس. ومع استمرار الدعوات إلى إجراء إصلاحات في كولومبيا، أفادت تقارير بمحاولات تدخّل الحكومات الأجنبيّة. وفي كانون الثاني / يناير ٢٠٢٠، أشارت وزارة الخارجية الأميركية إلى أن روسيا ربما كانت قد شاركت في حملة تضليل في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية، بما في ذلك في كولومبيا.
ولا ينبغي لتنفيذ اتفاق السلام بين الحكومة الكولومبيّة والقوّات المسلّحة الثوريّة الكولومبيّة، وهي جماعة اعتمدت في بداياتها على المبادئ الماركسيّة اللينينية هادفة إلى تحقيق العدالة الاجتماعيّة والاقتصاديّة للطبقات العاملة، أن يضيع وسط فوضى الاحتجاجات. ومع مرور الوقت، ابتعدت القوّات المسلّحة الثوريّة الكولومبيّة عن مثلها السياسية العليا، وتحوّلت إلى منظّمة إرهابيّة للمخدرات دافعها الأرباح المادّيّة. ولعل هدفها الأساسي من الجريمة والإرهاب، هو تأمين السيطرة على كل جانب من جوانب تجارة الكوكايين المربحة للغاية. وفي عام ٢٠١٦، قررت أقدم جماعة إرهابيّة عاملة في أمريكا الجنوبيّة مقايضة الرصاص ببطاقات الاقتراع والسعي إلى استخدام أدوات الديمقراطية للتأثير في سياسات كولومبيا من خلال المشاركة المدنية. ونتيجة للاتفاق، ستشكّل القوّات المسلّحة الثوريّة الكولومبيّة في نهاية المطاف حزبا سياسيا يعرف باسم القوّة الثوريّة البديلة العامة وتسيطر على عدد صغير من المقاعد في الكونجرس الكولومبي.
وعلى الرغم من الاتفاق، كان تنفيذ اتفاق السلام بطيئا ويعاني من النكسات. ويعتقد الرئيس دوكي، مثل معلمه الرئيس السابق ألفارو أوريبي فيليز، أن الإدارة السابقة بقيادة خوان مانويل سانتوس فشلت في التفاوض على صفقة جيدة لكولومبيا. ونتيجة لعدم اهتمام الحكومة بتنفيذ اتفاق السلام، قرّر بعض أعضاء القوّات المسلّحة الثوريّة الكولومبيّة البارزين، وأبرزهم ايفان ماركيز، التخلّي عن طريق السلام والعودة إلى العمل المسلح. وتقف كولومبيا عند مفترق طرق، فمن المرجح أن تؤدي الاحتجاجات العرضية، إلى جانب حملة التضليل التي يقودها الأجانب واحتمالات تخلي القوّات المسلّحة الثوريّة الكولومبيّة عن اتفاقيات السلام، إلى المزيد من زعزعة الاستقرار. ويصبح هذا الخطر أكثر حدة إذا رجع أفراد مثل ماركيز إلى الأهداف الأصليّة للقوّات المسلّحة الثوريّة الكولومبيّة باستخدام العنف لتحقيق قدر أكبر من المساواة الاجتماعيّة والاقتصاديّة داخل المجتمع الكولومبيّ.