- قضى عشرات المتظاهرين العراقيّين خلال الاحتجاجات المناوئة للحكومة الّتي اجتاحت البلاد طوال الأسبوع الماضي.
- وأظهر المتظاهرون العراقيّون تضامنًا وطنيًّا حيث نزل الكبار إلى جانب الشباب للالتحاق بالمظاهرات فضلًا عن تجاوز الحدود الطائفيّة والانتماءات السياسيّة المبنيّة على الهويّة في الوقوف معًا من أجل مصلحة البلاد.
- ويدفع انتشار المحسوبيّات ونظام الزبائنيّة السياسيّة إلى تفاقم أزمة الفساد وترسيخ المبدأ القائل بأنّ ذوي الصلات الواسعة وحدهم هم من يستطيعون الحصول على الفرص الاقتصاديّة.
- ولا شكّ أنّ انشغال الحكومة وقوّات الأمن بإنهاء العصيان المحلّيّ سيحدّ من قدرتها على توفير الموارد والجهود الكافية لمحاربة داعش.
.
قضى عشرات المتظاهرين العراقيّين خلال الاحتجاجات المناوئة للحكومة الّتي اجتاحت البلاد طوال الأسبوع الماضي. وأفادت المفوّضيّة العراقيّة لحقوق الإنسان بأنّ 60 شخصًا على الأقل قد قتلوا في مختلف المدن العراقيّة خلال الأيّام الأخيرة. ووقعت اشتباكاتٌ بين المتظاهرين وقوّات الأمن خلال الاحتجاجات المُندّدة بالفساد المستشري وتدنّي مستوى الخدمات العامّة وارتفاع معدّلات البطالة وغياب الشفافيّة عن أعمال الحكومة بشكلٍ عام. كما أُغلقت المحال وفي بعض الأحيان غٌطِّيَت الواجهات بالألواح الخشبيّة، في خطوةٍ لتصعيد عمليّات العنف في بغداد وبقيّة المدن العراقيّة. وأُعلن عن منع التجوّل في كلٍّ من البصرة وواسط. وكانت الاحتجاجات قد اندلعت في بداية شهر أكتوبر/ تشرين الأوّل، إلّا أنّ وتيرتها هدأت بعد عمليّات القمع الصارمة الّتي قامت بها قوّات الأمن العراقيّة والّتي أدّت إلى مقتل 150 شخصًا من المدنيّين. ووعدت الحكومة بمحاكمة العسكريّين وعناصر الشرطة المسؤولين عن عمليّات القتل إلّا أنّ أغلبيّة العراقيّين لا يثقون كثيرًا بنزاهة الإجراءات القضائيّة.
وخلال موجة العنف الأخيرة، واجهت قوّات الأمن العراقيّة المتظاهرين في ساحة التحرير بخراطيم المياه والغاز المسيّل للدموع والرصاص المطّاطيّ والقنابل الصاعقة. وقضى بعض المتظاهرين بسبب ضربهم المباشر بالقنابل المسيّلة للدموع. وهوجمت عشرات المباني الحكوميّة وأُحرق بعضها. وأدّت المواجهات المتصاعدة مع الشرطة خلال الأيّام القليلة الماضية إلى جرح الآلاف من المتظاهرين. وفي محاولةٍ لتهدئة المتظاهرين، أطلّ رئيس الوزراء العراقيّ عادل عبد المهديّ بخطابٍ تليفزيونيٍّ نهار الجمعة، وعد خلاله بتطبيق رزمة إصلاحاتٍ قريبًا جدًّا، من ضمنها إنشاء محكمةٍ خاصّةٍ للتحقيق في قضايا الفساد، ووضع برامج لخلق فرص عملٍ، وإتاحة المزيد من الخيارات والفرص في حقل الإسكان. ودعت الحكومة العراقيّة البرلمان لعقد جلسةٍ طارئةٍ في سبيل التوصّل إلى حلٍّ للأزمة الراهنة. كلّ ذلك فيما كان العراقيّون في الشوارع ينشدون شعاراتٍ عدّةً خلال احتجاجاتهم من ضمنها «بالروح بالدم نفديك يا عراق». وأظهر المتظاهرون العراقيّون تضامنًا وطنيًّا حيث نزل الكبار إلى جانب الشباب للالتحاق بالمظاهرات فضلًا عن تجاوز الحدود الطائفيّة والانتماءات السياسيّة المبنيّة على الهويّة في الوقوف معًا من أجل مصلحة البلاد.
ويدعم مقتدى الصدر، وهو رجل دينٍ شيعيٌّ ذو نفوذٍ وقاعدةٍ شعبيّةٍ كبيرةٍ في العراق، هذه الاحتجاجات. إلّا أنّ سماسرة الطائفيّة والعرقيّة يشكّلون جزءًا من الخلل السياسيّ الّذي تعاني منه البلاد. وعلى صعيد المشهد السياسيّ العراقيّ، يختار الناخبون ممثّليهم في الغالب بحسب انتمائهم الطائفيّ أو العرقيّ، ويطمحون لقاء ذلك بالحصول على وظيفةٍ في القطاع العام. ويدفع انتشار المحسوبيّات ونظام الزبائنيّة السياسيّة إلى تفاقم أزمة الفساد وترسيخ المبدأ القائل بأنّ ذوي الصلات الواسعة وحدهم هم من يستطيعون الحصول على الفرص الاقتصاديّة. غير أنّ تصحيح النظام الحاليّ الّذي بات يمتلك جذورًا راسخةً في السياسة العراقيّة لا يبدو أمرًا يمكن لحكومة عبد المهديّ أن تنجزه، نظراً لكونه تحدّيًا بعيد المدى.
وردّد بعض المتظاهرين شعاراتٍ معاديةً لإيران، ساخرين من اللواء الإيرانيّ قاسم سليماني وهو بمثابة مهندس النفوذ الإيرانيّ في العراق وفي المنطقة ككلٍّ. وتستمرّ الميليشيات الشيعيّة المدعومة من إيران في المناورة من أجل السلطة والنفوذ في البلاد. وتأتي موجة الاحتجاجات في وقتٍ عصيبٍ جدًّا بالنسبة للعراق، حيث يسعى تنظيم داعش إلى إعادة بناء شبكاته في أرجاء البلاد وعلى الحدود مع سوريا. ولا شكّ أنّ انشغال الحكومة وقوّات الأمن بإنهاء العصيان المحلّيّ سيحدّ من قدرتها على توفير الموارد والجهود الكافية لمحاربة داعش. وما يشهده العراق اليوم يُعدّ مساحةً واحدةً من مساحاتٍ عديدةٍ يظهر فيها الارتباط المباشر بين ضعف الإدارة والتحدّيات المزمنة الّتي يفرضها الإرهابيّون والميليشيات وسائر التنظيمات العنفيّة غير الحكوميّة.
.