أوّل الكلام آخره:
- في ظل الشكوك التي تراود الإمارات العربية المتحدة بشأن التزام الولايات المتحدة بأمن الخليج العربي، تتطلع الإمارات إلى فرنسا وغيرها للمساعدة في تلبية متطلباتها الأمنية.
- من المحتمل أن تكون الإمارات ودول الخليج الأخرى ترى في التقارب من فرنسا وسيلة ضغط لتأمين دعم أمريكي إضافي، لا بديلًا عن المظلة الأمنية الأمريكية.
- تتوافق فرنسا والإمارات العربية المتحدة بشأن بعض القضايا الإقليمية الرئيسية، بما في ذلك قضية إيران، والصراع الليبي، والنفوذ السياسي المتزايد لحزب الله اللبناني.
- من خلال وضع اللمسات الأخيرة على صفقة هامة لشراء طائرات مقاتلة فرنسية الصنع، ساعدت الإمارات فرنسا في التعبير عن استيائها العميق من الولايات المتحدة بسبب إلغاء بيع غواصات فرنسية الصنع إلى أستراليا.
تعمل فرنسا والإمارات العربية المتحدة بهدوء ولكن باطراد على توسيع علاقاتهما الأمنية، بناءً على المصالح الإقليمية المشتركة وتشكّك القيادة الإماراتية في استدامة التزام الولايات المتحدة بأمن الخليج. ومع ذلك، فما من قوة خارجية غير الولايات المتحدة لها تاريخ طويل في توفير مظلة أمنية لدول الخليج. ولعل قيام الإمارات ودول الخليج الأخرى ببناء علاقات أمنية مع فرنسا، وكذلك مع روسيا والصين، لا يعدو أن يكون ضغطا على الولايات المتحدة لإعادة تأكيد التزاماتها الأمنية الخليجية، إذ ما من زعيم لأي دولة خليجية يرى بديلًا للولايات المتحدة في الخليج.
لقد توسعت العلاقات الأمنية بين فرنسا والإمارات العربية المتحدة عبر العقود المنصرمة، ولكن هذا التوسع أخذ بالتسارع مع سعي البلدين – وكذلك حليفهما المشترك، الولايات المتحدة – لمواجهة التهديد المتزايد الذي تمثله إيران، وكذلك القادم من المنظمات الإرهابية العالمية العاملة في المنطقة. وكانت فرنسا والإمارات العربية المتحدة قد وقعتا اتفاق دفاع عام 1995 يلتقي بموجبه قادة القوات المسلحة بشكل منتظم، ويجرون أكثر من عشرين من عمليات التدريب المشتركة كل عام. وفي الثمانينيات، زودت فرنسا البلاد بطائرات ميراج 2000 التي اعتمدت عليها الإمارات قبل شراء طائرات إف -16 الأمريكية الصنع في عام 1998. ومنذ عام 2008، عمل عناصر القوات الجوية الفرنسية في جزء من قاعدة الظفرة الجوية المترامية الأطراف، التي تعد أكبر منشأة انطلاق في الإمارات تستخدمها الولايات المتحدة وقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة في شن عملياتها في المنطقة بما في ذلك ضرباتها الموجهة لداعش. وقد استخدما فرنسا منشأة الظفرة في إجلاء بعض الأفغان ورعايا الدول الثالثة بعد استيلاء طالبان على أفغانستان في آب (أغسطس) 2021. وفي عام 2009، أضافت فرنسا عنصرًا بحريًا إلى وجودها الإماراتي، ثم افتتح الرئيس نيكولا ساركوزي القوات الجوية والبحرية الموحدة في جيب عسكري فرنسي في البلاد باسم كامب دي لا بيك (معسكر السلام). وقد أصبحت هذه المنشأة أول قاعدة خارجية جديدة لفرنسا منذ نهاية الحقبة الاستعمارية وتستضيف حوالي 500 جندي فرنسي.
وقد جاءت أحدث علامة على تعميق العلاقات خلال زيارة قام بها الرئيس إيمانويل ماكرون في أوائل كانون الأول (ديسمبر) إلى الإمارات وقطر والمملكة العربية السعودية، حيث أبرمت الإمارات العربية المتحدة اللمسات الأخيرة على صفقة كانت قيد المناقشة لأكثر من عقد لشراء 80 طائرة مقاتلة فرنسية الصنع من طراز رافال. وقالت وزارة الدفاع الفرنسية إن الصفقة تبلغ قيمتها 19 مليار دولار وتمثل أكبر عقد تصدير أسلحة فرنسي على الإطلاق. كما أُعلن عن صفقة لبيع 12 طائرة هليكوبتر مقاتلة من صنع إيرباص. وقد عززت الصفقات صناعة الدفاع الفرنسية وملف فرنسا الأمني الخليجي، وكذلك، فقد عوضت إلى حد ما عن انهيار صفقة بقيمة 66 مليار دولار مع أستراليا لشراء 12 غواصة فرنسية، وهي الصفقة التي ذهبت في النهاية إلى الولايات المتحدة. وقد تسبب انهيار هذه الصفقة في حدوث خلاف بين الولايات المتحدة وفرنسا، أدى إلى استدعاء غير مسبوق لسفير فرنسا في واشنطن لعدة أسابيع. كما أن صفقة رافال أثارت التساؤلات حول صفقة أمريكية أخرى لبيع الإمارات طائرات مقاتلة متطورة من طراز F-35، في ظل الشكاوى الإماراتية من القيود التي وضعتها الولايات المتحدة على العلاقات الإماراتية مع الصين، وجعلتها شرطا في إتمام الصفقة.
ولا شك أن فرنسا شريك أمني طبيعي للإمارات. فعلى عكس روسيا والصين، تعد فرنسا حليفًا وثيقًا للولايات المتحدة، وحضورها في الإمارات يدعم سياسة الولايات المتحدة في المنطقة ولا يشكل تحديا لها. ولا تخاطر العلاقات الأمنية الإماراتية الفرنسية بانتهاك قوانين العقوبات الأمريكية. كما أن الولايات المتحدة وفرنسا والإمارات العربية المتحدة جميعًا تسعى إلى ضمان ألا تتمكن إيران من تطوير سلاح نووي، على الرغم من أن الإمارات العربية المتحدة تتذمر أحيانا من أن الولايات المتحدة وشركاءها لا يفعلون ما هو كاف لمواجهة نفوذ طهران الإقليمي. كما أن فرنسا والولايات المتحدة تتعاونان على نطاق واسع ضد المنظمات الجهادية العالمية في غرب إفريقيا، حيث تمتلك فرنسا شبكة واسعة من الأصول الاستخبارية والعسكرية والحلفاء. وقد وقفت الإمارات وفرنسا بشكل عام، وعلى الرغم من بعض الانتقادات الدولية، على نفس الضفة في ليبيا من خلال دعم رجل شرق ليبيا القوي خليفة حفتر. وقد تكون تكتيكات حفتر معادية للقيم الديمقراطية لفرنسا، لكن دعمه كان متسقًا إلى حد كبير مع تحالفات فرنسا مع القادة الاستبداديين في أجزاء أخرى من إفريقيا لتأمين منطقة الساحل. ومع ذلك، فقد عملت فرنسا أيضًا على التوفيق بين حفتر والحكومة المدعومة من الأمم المتحدة ومقرها طرابلس، وتأمل باريس أن تساعد الانتخابات الرئاسية الليبية في نهاية المطاف، على الرغم من تأجيلها من تاريخ 24 كانون الأول (ديسمبر) الأصلي، على استقرار البلاد.
كما أن فرنسا والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، الشريك الرئيسي للإمارات العربية المتحدة، متحالفة أيضًا في معارضة النفوذ السياسي الموسع لحليف إيران الرئيسي، حزب الله اللبناني، في لبنان – المحمية الفرنسية السابقة. وفي 11 كانون الثاني (يناير)، أعلن وزير الخارجية الفرنسي إيف لودريان أن الإمارات ستنضم إلى صندوق سعودي فرنسي يهدف إلى تقديم الدعم للشعب اللبناني ويفترض أن يضعف قبضة حزب الله على السياسة والاقتصاد في لبنان. وأدان لودريان الجهود التي يقودها حزب الله المدعوم من إيران لتعطيل اجتماعات مجلس الوزراء ودعا لإزالة العوائق السياسية المحيطة بالتحقيق في انفجار ميناء بيروت عام 2020، بينما حث في الوقت نفسه الرياض وأبو ظبي ودول الخليج الأخرى على عدم عزل لبنان تمامًا. وفي حين ستستمر العلاقات الأمنية بين فرنسا والإمارات العربية المتحدة المبنية على المصالح الإقليمية المشتركة في التوسع، فإن قادة الإمارات العربية المتحدة يدركون بلا شك حدود القدرات العسكرية الفرنسية، بما في ذلك في تأمين جسر جوي وجسر بحري وفي تكنولوجيا الدفاع الصاروخي وفي مجال الطائرات المسلحة بدون طيار وفي تكنولوجيا جمع المعلومات الاستخباراتية الإلكترونية وفي الخبرة القتالية. وما من خبير أو زعيم إماراتي يرى أن فرنسا (أو أي قوة دولية أخرى) قادرة على أن تحل بشكل دائم محل المظلة الأمنية الأمريكية للخليج.