أوّل الكلام آخره:
- في 16 أيار (مايو)، وصلت أسعار القمح إلى أرقام قياسية في ظل حظر الهند تصدير القمح وسط موجة حر كارثية.
- وقد أعربت الهند، ثاني أكبر منتج للقمح في العالم، عن مخاوف متزايدة بشأن إمداداتها الغذائية وسط الارتفاع الهائل في الأسعار ونقص المحاصيل.
- تعد الحرب العدوانية الروسية على أوكرانيا عاملًا رئيسيًا في نقص القمح، فضلا عن العديد من العوامل الأخرى المتعلقة بتغير المناخ.
- لنقص القمح تداعيات كارثية على سكان العالم، ومن المرجح أن تتفاقم أزمة الأمن الغذائي الناجمة عن النزاعات والمناخ.
تزايدت المخاوف بشأن نقص القمح والارتفاع الصاروخي في أسعار المواد الغذائية منذ أن غزت روسيا أوكرانيا في شباط (فبراير) 2022. وقد كانت أوكرانيا، التي تُعرف أحيانًا بـ «سلة خبز العالم»، مصدرًا لأكثر من 12 % من صادرات القمح العالمية، ولكن الإمدادات الأوكرانية من القمح أعاقها غزو موسكو، وسيستمر هذا الاضطراب في الإمدادات ما دامت الحرب قائمة، وقد يستمر إلى ما بعد ذلك إذا احتسبنا الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية. وعلاوة على ذلك، فإن سيطرة روسيا على ماريوبول ستزيد من تعقيد تصدير الحبوب من الساحل الجنوبي لأوكرانيا. وتعد روسيا ثالث أكبر منتج للقمح في العالم ولكنها أكبر مصدر، أما أوكرانيا فهي ثامن أكبر منتج للقمح وخامس أكبر مصدر. وقد رأى ديفيد إم بيسلي، المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي، أن «الفشل في فتح الموانئ سيكون بمثابة إعلان حرب على الأمن الغذائي العالمي، مما قد يؤدي إلى المجاعات وزعزعة استقرار الدول وإلى موجات من الهجرة الجماعية». وأشار تقرير أعدته مؤسسة بحثية تابعة لمجلس الأمن إلى أن الصراع كان المحرك الرئيسي لأزمات الجوع بالنسبة لـ 139 مليون شخص في 24 دولة وإقليم. وقد ركزت الولايات المتحدة، التي ترأست مجلس الأمن في أيار (مايو)، على انعدام الأمن الغذائي الناجم عن النزاعات، وهي بذلك تعرضت لقضية رئيسية للعديد من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. كما أنها استضافت مناقشة رئيسية للمجلس حول الأمن الغذائي في 19 أيار (مايو) برئاسة وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكين.
على أن أكبر تهديد حالي لإمدادات القمح هو التهديد الذي لن يتواصل فحسب، بل لعله يتفاقم، وهو التغير المناخي المتسارع. وقد أعلنت الهند، ثاني أكبر منتج للقمح، في 16 أيار (مايو) أنها أوقفت جميع صادراتها من القمح. وتعاني الهند، إلى جانب دول أخرى في المنطقة، من موجة ارتفاع في الحرارة تاريخية. وتؤدي درجات الحرارة التي بلغت 50 درجة مئوية إلى تهديدات للحياة وموارد المعيشة وسبل العيش لـ 1.4 مليار شخص في الهند. وصرحت نيودلهي بأنها أوقفت جميع صادرات القمح، لأنها كانت قلقة بشأن إطعام شعبها، نظرًا لانخفاض الغلة بسبب الجفاف والحرارة، فضلًا عن مشاكل إمدادات الأسمدة التي سببتها الحرب الروسية في أوكرانيا. وقد انتقدت الدول الأوروبية هذا الإعلان بسبب تأثير مثل هذه الخطوة على أسعار القمح المرتفعة أصلا. وبعد الإعلان، سجل سعر القمح أعلى مستوى له على الإطلاق، فقد بلغ 453 دولارًا للطن. كما اتخذت دول أخرى تدابير مشابهة: فقد أوقفت إندونيسيا صادراتها من زيت النخيل، بينما اعتمدت صربيا وكازاخستان نظاما لحصص الحبوب. وحذر جيم أوزدمير، وزير الأغذية والزراعة الألماني، من أنه «إذا بدأ الجميع في فرض قيود على الصادرات أو أغلقوا الأسواق، فإن ذلك من شأنه أن يفاقم الأزمة».
على أن قائمة البلدان المنتجة لمعظم القمح في العالم لا تتطابق وتلك التي تشمل الدول المصدرة لمعظم القمح. فمثلا، تعد الصين أكبر منتج للقمح بهامش كبير، ولكنها ليست من بين أكبر 15 دولة مصدرة للقمح. وتعد روسيا والولايات المتحدة وأستراليا أكبر ثلاث دول مصدرة، وتواجه كل دولة من هذه الدول تحديات خطيرة. إذ يعاني الغرب الأوسط للولايات المتحدة، أكبر منطقة منتجة للقمح في البلاد، مرة أخرى من موجة من الجفاف المتواصل، فنصف ولاية كانساس مثلا، وهي أكبر ولاية منتجة للقمح، غارق في جفاف شديد، بينما تواجه تكساس وأوكلاهوما ظروفًا أسوأ. ولم تُمطر هذه المناطق على النحو المعهود منذ الخريف الماضي عندما زرع القمح الشتوي، ويخشى المزارعون من عجزهم عن الوفاء بالعقود، مهما كانت الأسعار مرتفعة. وتعاني أستراليا أيضًا من جفاف خطير، وتشير جميع التوقعات إلى جفاف أشد تتخلله فيضانات مفاجئة مدمرة. وتواجه الصين، أكبر منتج للقمح، محصولًا أقل بشكل كبير بعد هطول أمطار غزيرة بشكل غير عادي. ولا يمكن عكس المؤشرات بسرعة من خلال «إضافة المزيد من العرض» كما في حالة إنتاج النفط، على سبيل المثال.
ويشكل الأمن الغذائي تحديا للأمن القومي لكل بلدان العالم. ويعتمد الشرق الأوسط بشكل كامل تقريبًا على واردات القمح، وسيؤدي ارتفاع الأسعار إلى إجهاد اقتصاديات العديد من البلدان التي تعاني أصلا من الإجهاد. ويؤدي الجفاف في الشرق الأوسط وأجزاء كبيرة من إفريقيا إلى نقص مياه الشرب فضلا عن المياه التي تحتاجها المحاصيل الزراعية. ولن يتحسن الوضع في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية إذ ستواجه الطلبات المتزايدة نقصًا في إمدادات القمح والمياه، مما يؤدي إلى معاناة واسعة النطاق واحتمال نشوب صراعات جديدة. وستكون عواقب النقص العالمي في القمح فورية وطويلة الأمد وستؤثر حتمًا على الفئات السكانية الأكثر ضعفًا. وقد حذرت اليونيسف من أزمة غذاء عالمية متصاعدة، حيث أشارت المديرة التنفيذية كاثرين راسل إلى أن «العالم يتحول بسرعة إلى صندوق افتراضي لأطفال يموتون ويمكن منع وفاتهم وأطفال يعانون من الهزال». وخلال جلسة مجلس الأمن يوم الخميس، أصدرت الولايات المتحدة خارطة طريق لدعوة عالمية للعمل على تحقيق الأمن الغذائي العالمي من خلال جملة إجراءات من بينها زيادة التبرعات المالية أو العينية للمنظمات الإنسانية الرئيسية؛ وحث الدول على إبقاء أسواق الغذاء والزراعة مفتوحة؛ وزيادة إنتاج الأسمدة مؤقتًا وزيادة كفاءتها؛ ودعم التحول المستدام والبنية التحتية للمزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة؛ وزيادة الاستثمارات في الابتكارات الزراعية القائمة على العلم والمتكيفة مع الظروف المناخية؛ ومراقبة الأسواق التي تؤثر على النظم الغذائية عن كثب. وقد أيدت خريطة الطريق هذه 36 دولة حتى الآن.