أوّل الكلام آخره:
- ازدادت ظاهرة قطع الغابات في منطقة الأمازون البرازيلية في ظل وباء كورونا زيادة ملحوظة مقارنة بالسنوات السابقة.
- في حين أن اهتمام الجمهور يتركز على الأزمة الصحية في البرازيل، إلا أن حكومة جايير بولسونارو كثفت سياسات «الاستخدام الاقتصادي» التي تسمح بالأنشطة الاستخراجية في منطقة الأمازون.
- إن ضعف جهود حماية الأمازون له تداعيات عالمية، بما في ذلك تهديد اتفاق التجارة الدولية بين الاتحاد الأوروبي وبلدان السوق المشتركة لبلدان المخروط الجنوبي الذي تبلغ قيمته 19 تريليون دولار.
- من وجهة نظر أمنية، سيؤدي فشل الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي والسوق المشتركة لبلدان المخروط الجنوبي إلى تفاقم عمليات إزالة الغابات وقد يؤدي على نحو غير مباشر إلى زيادة الاتجار بالمخدرات والبشر في البرازيل والمنطقة بأكملها.
تكشف الإنذارات الخاصة بعمليات إزالة الغابات، الصادرة عن نظام متابعة إزالة الغابات على المدى القصير التابع للمعهد الوطني البرازيلي لأبحاث الفضاء، أن المناطق المصنفة «هشة» في الأمازون البرازيلي قد زادت بنسبة 59 % مقارنة بالعام الماضي، مع تفاقم تداعيات وباء كورونا. وقد تلاقت سياسة الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو المتمثلة في «الاستخدام الاقتصادي» والتي تشجع الاستخدامات التجارية لمنطقة الأمازون، مع نقص الرقابة على الأعمال غير القانونية لإزالة الغابات بسبب المخاوف من وباء كورونا، مما أحدث أضرارا بالغة بمنطقة الأمازون. وتعد هذه السياسة سياسة تهدد الأمازون تحت غطاء المشاريع الزراعية والتعدين والطاقة. ويبدو أن القطاع الزراعي هو المستفيد الأول من إزالة الغابات، فـ 95 % من المناطق التي أزيلت منها الغابات تستخدم اليوم في الزراعة. ومن المرجح أن يبلغ الأمازون، الذي تبلغ خسارة الغطاء الحرجي فيه حاليا 18 %، نقطة اللاعودة إذا بلغت الخسارة معدلا يتراوح بين 20 و23 %، إذ ستعجز الغابات عندها عن المحافظة ذاتيا على ديمومتها، وهذا ما سيجعلها تتشابه مع غابات السافانا، ممّا سيخلف تداعيات من الدرجة الأولى على جميع أنحاء أمريكا اللاتينية من تغير درجات الحرارة ومعدلات هطول الأمطار، وتداعيات من الدرجة الثانية والثالثة على البلدان العاجزة عن التعامل مع الأزمات المناخية.
وفي حين أن الوفيات بوباء كورونا بلغت أكثر من 103،000 وفاة في البرازيل، وبذلك فهي تعد ثاني الدول الأكثر تضررا في العالم (بعد الولايات المتحدة التي تزيد الوفيات فيها عن 165،000 وفاة)، فقد قامت وزيرة البيئة السابقة مارينا سيلفا بإصدار «عفو عام عن الاستيلاء على الأراضي» وإضفاء الشرعية على الإعلان الذاتي عن ملكية الأراضي في منطقة الأمازون. وقريبا، سوف يصوت أعضاء مجلسي النواب والشيوخ على هذا التشريع، قبل الموافقة النهائية عليه. على أن اليمين المتطرف بالبرازيل، بقيادة بولسونارو، يركز في الوقت عينه على إرضاء المجتمع الدولي الذي يطالب بحماية البيئة من جهة وعلى تخفيف التأثير المتوقع لانكماش الاقتصاد البرازيلي بنسبة 6 % على 5000 انتخابات بلدية رئيسة في تشرين الأول / أكتوبر من جهة أخرى. وقد ازداد الاستقطاب السياسي بين المؤسسة الشعبوية المتطرفة اليمينية التي تنكر الوباء والأحزاب السياسية الليبرالية الأكثر واقعية في خضم أزمة كورونا. وعلى الرغم من أن الحزب اليساري يشكل الأقلية في البرلمان، إلا أنه لم يرضخ للطرف الآخر. فرغم أن الكونغرس أقر مبالغ تحفيزية للبرازيليين من أصحاب الدخل المنخفض، إلا أنه رفض إقرار جملة من مشاريع القوانين التي يؤيدها بولسونارو، وعمدت المحاكم إلى عرقلة بعض الطلبات الإدارية الأساسية من أحزاب اليمين. وردا على ذلك، أطلقت برامج الذباب الإلكتروني المؤيدة لبولسونارو على وسائل التواصل الاجتماعي حملة ضد رودريغو مايا، رئيس مجلس النواب في الكونغرس وأبرز منتقدي الرئيس.
ولم تستوف العملية العسكرية «البرازيل الخضراء 2» التي اقتضت بنشر 800 3 جندي برازيلي لفرض حماية البيئة في منطقة الأمازون المعايير الدولية. ونتيجة لذلك، فإن الاتفاق التجاري بين الاتحاد الأوروبي ودول السوق المشتركة لبلدان المخروط الجنوبي، وهي الأرجنتين والبرازيل وباراغواي وأوروغواي، معرض للخطر إلى أن تتحسن عملية حماية الأمازون. وكان من المقرر إلغاء الصفقة، التي تبلغ قيمتها بالسوق المفتوحة 19 تريليون دولار أمريكي. وقد أبرمت هذه الصفقة لإلغاء ضرائب الواردات الأوروبية على معظم المنتجات الزراعية في أمريكا اللاتينية. وقد استهزأت البرازيل علنا باتفاقية باريس للمناخ لعام 2015 من خلال تشريعاتها العدوانية التي تمكّن من ـ«الاستخدام الاقتصادي» وتمليك الأراضي في منطقة الأمازون. وقد حاول البرلمان الهولندي ودول النمسا وبلجيكا وايرلندا ولوكسمبورغ وبرلمانيون من الاتحاد الاوروبي عرقلة الصفقة التجارية، مشيرين إلى المخاوف من أن تؤدّي إلى منافسة غير عادلة مع مزارعي الاتحاد الأوروبي. وقد أدت إزالة الغابات وأزمة كورونا إلى إضعاف الآمال التي يعلّقها الاتحاد الأوروبي والسوق المشتركة للمخروط الجنوبي على الاتفاق التجاري في أوائل عام 2021. وقد تنهار الصفقة بأكملها في ظل موسم الحرائق هذا العام في آب / أغسطس وأيلول / سبتمبر في منطقة الأمازون، والذي قد ابتدأ بالفعل رغم نفي بولسونارو. ومن شأن انهيار الصفقة أن يضيع فرصة مراقبة البرازيل في حفاظها على منطقة الأمازون.
ويحمل الانسحاب من اتفاق الاتحاد الأوروبي والسوق المشتركة للمخروط الجنوبي تداعيات أمنية عديدة. وغالبا ما تسفر الأعمال غير القانونية لإزالة الغابات، التي ترتكب الشبكات الإجرامية جزءا كبيرا منها، عن تهديدات وإصابات. وتربح هذه الجماعات الإرهابية، أو المعروفة بـ «مافيا إيب» على اسم واحدة من أكثر الأخشاب ربحا في البرازيل، مبالغ تقدر بـ 8.5 مليار دولار سنويا مقابل أعمال قطع الأشجار على نحو غير قانوني. وقد استنزف وباء كورونا موارد الدولة وزاد من تعقيدات السفر إلى المناطق النائية من الأمازون. وقد أتاحت فترة الهدوء التي عمت البلاد خلال فترة كورونا، تعاظم قوى «مافيا إيب» الاستخراجية، مما أدى إلى زيادة قدراتها كافة، بما في ذلك تهريب المخدرات والاتجار بالبشر. وتركز هذه الشبكات الإجرامية بشكل أساسي على نبات الكوكا، فضلا عن تطهير المناطق الحرجية وتهديد السكان الأصليين الذين يعيشون فيها وإجبارهم على مغادرتها. وانطلاقا من أن هذه الجرائم في منطقة الأمازون تقع على أراض اتحادية، فإن من مسؤولية المحاكم الفيدرالية تقديم أصحاب الأعمال غير القانونية إلى العدالة. ووفقا لآخر تقرير صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية، فقد حوكم عدد أقل من المتجرين عام 2019 مقارنة بالسنوات السابقة. كما تبرز مسألة تتعلق بالآثار الكيميائية لإنتاج نبات الكوكا، الذي يقدر بطنين متريين من النفايات السامة لكل هكتار من الكوكا، إذ إن التخلص من هذه النفايات يحصل على ضفاف الأنهار وفي حقول المحاصيل، مما يدمّر التربة والهيدرولوجيا والتنوع البيولوجي. وبالتالي، فإن انتشار الاتجار بالمخدرات قد يزيد من الجوع، كما له تداعيات غير مباشرة على البلدان المجاورة، ومنها بيرو وكولومبيا، مما يعرض إنتاج الأغذية المنخفض أصلا في المنطقة للخطر. وتصل تداعيات تجارة المخدرات إلى إكوادور التي تعاني من العنف نتيجة لكونها مركزا لعبور المخدرات. وبشكل عام، يفاقم وباء كورونا من إزالة الغابات ويعرّض الأمن البشري للخطر في البلدان المحيطة. إن التصديق على الاتفاق التجاري بين الاتحاد الأوروبي والسوق المشتركة لبلدان المخروط الجنوبي يخفف الكثير من هذه الخسائر من خلال إجبار البرازيل المنقسمة سياسيا على أن تكون أكثر صرامة بشأن الحماية البيئية للأمازون.