أوّل الكلام آخره:
- ستبدأ المرافعات الختامية في محاكمة الشرطي السابق المتهم بقتل جورج فلويد.
- على أن عملية قتل أخرى طالت داوتني رايت، وهو رجل أسود غير مسلح، أشعلت الاحتجاجات والغضب مجددا، وكذا قتل آدم توليدو البالغ من العمر 13 عاما.
- تمس مسألة إصلاح أنظمة الشرطة والقضاء في أمريكا العديد من الحقائق غير المريحة فضلا عن أوجه التفاوت وعدم المساواة قديما وحديثا.
- تقع عملية الإصلاح أساسا على عاتق الشرطة لخدمة الجوار بشكل أفضل، وليس العكس، مما يحتم تغييرا جذريا في التدريب.
خلال الصيف الماضي، اندلعت احتجاجات واسعة النطاق في أعقاب قتل الشرطة في مينيابوليس بولاية مينيسوتا لجورج فلويد، وأطلقت الدعوات لإجراء تغيير منهجي وشامل في نظام الشرطة الأمريكية، على الرغم من وجود فئة مقاومة للتغيير. ولم يكن التقدم كبيرا أو سريعا بما فيه الكفاية، ففي الشهر الماضي، قتلت الشرطة داونتي رايت، وهو رجل أسود، وآدم توليدو، وهو صبي مكسيكي أمريكي يبلغ من العمر 13 عاما، مما أدى إلى مزيد من الاحتجاجات والتأكيد على الحاجة إلى إجراء تغيير جذري. وترتبط قضية الشرطة في أمريكا ارتباطا وثيقا بقضايا متعددة قديمة وحديثة منها قضايا العنصرية والطبقية وأولويات إنفاذ القانون والعسكرة والانقسام العميق بين المجتمعات وإدارات الشرطة الخاصة بها. والتغيير لا يجب أن يحصل في المجتمعات إنما في إدارات الشرطة. ولأن هذه قضايا مؤلمة تتطلب نقاشات عميقة وغير مريحة داخل المجتمعات، وحتى الأسر، فإنه من الصعب إدارة النقاش حولها. وفي كثير من الأحيان تحتدم النقاشات ولكن سرعان ما تتناسى، على الأقل إلى أن يقع الحادث المماثل التالي. وفي الولايات المتحدة، الحادث المماثل التالي سيقع حتما. وفي الوقت نفسه، تتفاقم الانقسامات المجتمعية، وتظل القضايا ذاتها التي تحتاج إلى معالجة دون حل يذكر، مما يتيح استمرار الخطر على المجتمعات المتعددة الأعراق في الولايات المتحدة.
وفي مينيابوليس، ستبدأ المرافعات الختامية في محاكمة الشرطي السابق ديريك شوفين المتهم بقتل جورج فلويد. وقد جادل محاموه بأن الشرطي لم يتجاوز سياسة الشرطة والقانون بوضعه ركبته على عنق جورج فلويد وظهره لأكثر من تسع دقائق، مما أدى إلى قتله. واتهم الشرطي السابق بالقتل من الدرجة الثانية، والقتل من الدرجة الثالثة، والقتل غير العمد من الدرجة الثانية أثناء اعتقال جورج فلويد بسبب الشكوك التي دارت حول استخدام فلويد لعملة ورقية مزيفة بقيمة 20 دولارا. وبالتوازي مع المحاكمة الأسبوع الماضي، قتلت شرطية داونت رايت عند إشارة مرور، على بعد أميال فقط من المحكمة، ويبدو أن الشرطية كانت قد استخدمت مسدسها عن طريق الخطأ، فيما كانت تنوي سحب الصاعق الكهربائي. ولكن مثل هذه الأخطاء ما ينبغي لها أن ترتكب.
إن مساءلة الشرطة أفرادا وإدارات عن أخطائها وجرائمها مسألة مثيرة للجدل للغاية بالنسبة للشرطة. وكثيرا ما تدافع المؤسسات الأمنية عن نفسها في حال النقد، حتى البناء منه والداعم. ومن المفهوم أن أسر عناصر الشرطة الذين وضعوا حياتهم على المحك لخدمة المجتمعات المحلية قد تكون مترددة في إحداث تغيير يرون أنه قد يعرض الأجهزة الأمنية لخطر كبير. ومع ذلك، فإنه من مصلحة أمن هؤلاء العناصر أيضا تحسين العلاقة مع المجتمعات التي يخدمونها. إن المستويات المتباينة من التشدد في تعامل الشرطة مع الحوادث، كما يظهر من مقارنة الاحتجاز السلمي لمطلق النار في أطلانطا الذي قتل ثمانية أشخاص في آذار / مارس بالحوادث المشار إليها هنا، تثبت قدرة الشرطة على التهدئة أثناء أداء واجباتهم دون تعريض أنفسهم للخطر. ويتطلب الإصلاح الفعال تغييرا جذريا في التدريب وفي إعادة صياغة مهمة الأجهزة الأمنية نحو تعزيز الأمن بمعنى أكثر شمولية.
وبلا شك، سيواجه الإصلاح تحديات كثيرة. وتجادل بعض الإدارات ونقابات الشرطة بأن المدنيين عاجزون عن التفكير في أسس عمل الشرطة. وهذا يدل على الفرق الجوهري بين كيفية نظر الشرطة لمهنتهم وبين نظرة مجتمعاتهم للنتائج ولتجاربها مع الشرطة. وقوبلت مجالس الرقابة المجتمعية بالعداء في بعض المناطق. وغالبا ما توصف محاولات تغيير مسار التمويل للتقليل من الاتصالات الهاتفية على رقم الطوارئ 911، وتحديدا تحسين فرص الحصول على مجموعة من الخدمات الاجتماعية والعقلية والصحية، بأنها «مناهضة للشرطة». ويحدث هذا حتى عندما يصرح عناصر الشرطة أن معظم المكالمات لا تتعلق بجرائم، بل بقضايا أخرى يمكن معالجتها من خلال رصد المزيد من الموارد للخدمات المذكورة أعلاه. إن الدفاع الجماعي يعمّق سردية «نحن وهم»، بين الشرطة و«المدنيين». وتعد هذه العقلية سامة للشرطة المجتمعية على جميع المستويات. إن عقلية «الخط الأزرق الرفيع» هذه هي التي تخلق ديناميكية تغيّب الحوار لأن عمل الشرطة ينظر اليه على انه حرب على الجريمة، حرب لا هوادة فيها ولا نقاش.
وتبرز خطوات منطقية وسهلة التنفيذ يمكن أن تساعد في تقليل التوترات وزيادة السلامة لجميع المعنيين. تتطلب الجريمة العنيفة إجراءات من الشرطة، سواء في الاستجابة الفورية أو في التحقيقات الشفافة لاحقا لمحاسبة الجناة. ومع ذلك، فإن الكثير من المجالات التي هي اليوم موكلة بالشرطة يمكن معالجتها بشكل مختلف. فعلى سبيل المثال، رغم أهمية قوانين السير، فإن بالإمكان التعامل مع بعض القضايا الثانوية مثل شارات التسجيل بطرق أخرى غير إيقاف السيارات، والذي كثيرا ما يأخذ اتجاها تصعيديا. كما أن الصرامة الشديدة في إنفاذ القانون عند وقوع انتهاكات تستوجب فرض غرامات تعقّد المشكلة. فقد تتحول عقوبة الغرامة إلى إيقاف المركبة الذي يؤدي بدوره إلى إصدار مذكرة توقيف، مما يضغط على المجتمعات المحلية التي لا تستطيع التعامل مع هذه الأعباء. وهذا يهدد بنشوء دورة سلبية من التفاعلات مع الأجهزة الأمنية من غير مكاسب محققة. ومما لا شك فيه، أن على الشرطة الأمريكية أن تركز على تمكين الجوار ومساندته لبناء حياة ومجتمعات أفضل فضلا عن توفير مساحة آمنة له للقيام بذلك. ويتطلب ذلك اتخاذ تدابير مدروسة للحد من الجريمة ومنعها، على أن يكون للمجتمع المحلي فيها دور وصوت. وفي حين أن ذلك قد يكون غير مريح للإدارات غير المعتادة على هذا المستوى من التدقيق والشراكة، إلا أنه جزء حاسم من التغيير والإصلاح المطلوبين لحفظ النظام الأمريكي اليوم.