أوّل الكلام آخره:
- في تونس، أدت الاحتجاجات المتزايدة من أجل تحسين الحياة اليومية ومعالجة الأزمات الصحية والاقتصادية المتفاقمة إلى انقلاب النظام السياسي رأسا على عقب.
- وصف حزب النهضة التونسي تصرفات الرئيس قيس سعيد بأنها «انقلاب ضد الديمقراطية التونسية والدستور التونسي».
- تفاعل السياسيون من جميع أنحاء العالم مع ما يحصل في تونس، ولكن تصريحاتهم لم تتجاوز الإعراب عن قلقهم إزاء الأحداث الأخيرة، والدعوة إلى عودة الحياة الديمقراطية.
- أثارت التقارير التي تفيد بأن الشرطة داهمت مكاتب الجزيرة في تونس مخاوف من حملة قمع استبدادية ومحاولات للسيطرة على وسائل الإعلام.
أدت الاحتجاجات المتزايدة على مستوى البلاد من أجل تحسين الحياة اليومية نتيجة تفاقم الأزمات الصحية والاقتصادية إلى قلب النظام السياسي في تونس رأسا على عقب. ولقد كان وباء كورونا كارثيا على تونس، وكاد نظام الرعاية الصحية يتهاوى بفعل حجم انتشار الوباء. وأثار فشل حملة التطعيم غضب التونسيين وأدى ذلك إلى إقالة وزير الصحة في البلاد الأسبوع الماضي (إذ إن 7 % فقط من التونسيين قد تلقوا اللقاح، وفقا لبيانات من جامعة جونز هوبكنز). كما تسببت تداعيات الوباء في أسوأ ركود في تونس منذ حصولها على الاستقلال عام 1956، مما أدى إلى تفاقم المعاناة من ارتفاع معدلات البطالة، وانتشار الفقر، وتضخم الديون الوطنية. وردا على المظاهرات العنيفة التي وقعت خلال عطلة نهاية الأسبوع، جمد الرئيس التونسي قيس سعيد، الذي انتخب بأغلبية ساحقة عام 2019، سلطة البرلمان وأقال رئيس الوزراء، هشام المشيشي، الذي لم تكن علاقته به جيّدة على أي حال. ويدعم حزب النهضة، وهو حزب إسلامي معتدل وأكبر حزب في البرلمان، المشيشي. كما أن معارضي الرئيس سعيد يتهمونه بتنظيم «انقلاب ضد الديمقراطية التونسية والدستور التونسي». وبعد إقالة المشيشي وتعليق البرلمان، هلل العديد من المواطنين المحبطين بسبب سنوات من الخلل السياسي واحتفلوا في الشوارع. واستشهد سعيد بالمادة 80 من الدستور التونسي لدعم أفعاله، معطيا نفسه صلاحيات استثنائية لاتخاذ القرارات التنفيذية. وقد عيّن خالد يحياوي، المدير العام لوحدة الأمن الرئاسي والحليف السياسي المقرب لسعيد، للإشراف على وزارة الداخلية.
وتتفاقم حدة الأزمة السياسية في تونس منذ أشهر، كما أن الشك بشأن ما سيحدث بعد ذلك يثير قلق الكثيرين بشأن مستقبل البلاد. ولقد مرت تونس بتعثرات عديدة منذ انتقالها إلى الحكم الديمقراطي قبل أكثر من عقد تقريبا، ولا سيما في جهودها من أجل تحريك الاقتصاد وإصلاح مؤسسات الدولة، بما في ذلك الأجهزة الأمنية. وكانت النقابات العمالية القوية صريحة في معارضتها لإجراءات التقشف المطلوبة للحصول على قرض بقيمة 4 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي كانت حكومة المشيشي تسعى له. والواقع أن التفاؤل الواسع الذي صاحب التحول نحو الديمقراطية في تونس بعد الربيع العربي بوصفه مثالا يحتذى يجعل وقع الهزة السياسية أشدّ وأبلغ. وكان الرئيس التونسي زين العابدين بن علي قد أقيل بعد احتجاجات الربيع العربي عام 2011. والآن تتزايد المخاوف بشأن الطبيعة الاستبدادية لسعيّد ومن أنه قد يحاول استغلال الاضطرابات لتوطيد سلطته. وعلى مدى عدة أشهر، رفض سعيّد أن يؤدي ما يقارب عشرة وزراء جدد القسم، مما أدى إلى اتهامه بأنه يتجاوز السلطات الممنوحة له. وفي الأسبوع الماضي فقط، أقال سعيّد وزير الصحة وأعطى الجيش التونسي حق اتخاذ التدابير اللازمة للسيطرة على وباء كورونا في البلاد بعد حملة تطعيم فاشلة وارتفاع في معدلات الإصابة. كما وصف راشد الغنوشي، رئيس البرلمان وأحد الشخصيات السياسية البارزة في حركة النهضة، أعمال سعيد بأنها أقرب للانقلاب. وقد منع الجيش الغنوشي وغيره من قادة الأحزاب من دخول البرلمان، واندلعت مواجهات في الشوارع بجانب المبنى. وفي العاصمة تونس، اعتقلت الشرطة عددا من المتظاهرين وأطلقت الغاز المسيل للدموع على مجموعات أخرى.
وعلى الرغم من الانتقادات المتزايدة للحكومة في الأشهر الأخيرة، حافظ سعيد على دعم كبير من المواطنين التونسيين على ما تظهره استطلاعات الرأي العام، وأيد العديد منهم حل البرلمان. وقد سارع السياسيون من جميع أنحاء العالم إلى إعلان مواقفهم من الوضع في تونس، فقد أعربت الناطقة باسم وزارة الخارجية الألمانية ماريا أديبهر عن أملها في أن تعود تونس «إلى النظام الدستوري في أسرع وقت ممكن»، في حين أعربت وزارة الخارجية التركية عن «قلقها الكبير» بشأن التطورات الأخيرة، داعية إلى العودة إلى «الشرعية الديمقراطية». ومن الجدير بالذكر أن أنقرة لطالما كانت مؤيدة لحركة النهضة والحركات الإسلامية السياسية المماثلة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وقد أثارت التقارير التي تفيد بأن الشرطة داهمت مكاتب الجزيرة في تونس مخاوف من أن تكون الخطوة مقدمة لحملة قمع استبدادية ومحاولة للسيطرة على وسائل الإعلام. ومن الصعب تجاهل أصداء ما حدث في مصر، إذ وجه منتقدو سعيد اتهامات له بمحاولة محاكاة أفعال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي قاد انقلابا عسكريا عام 2013 أطاح بزعيم الإخوان المسلمين المنتخب ديمقراطيا محمد مرسي. ومنذ ذلك الحين، تعامل الرئيس السيسي بيد من حديد مع المعارضة في مصر واتُّهم مرارا بانتهاك حقوق الإنسان. وتعد الاضطرابات الحالية في تونس الأكثر خطورة منذ الاحتجاجات في صيف عام 2013، فضلا عن أنها نذير بالأشياء القادمة المحتملة في المستقبل. وقد يترتب على هذا الوضع تداعيات غير مباشرة قد تطال الدول المجاورة مثل الجزائر وليبيا. ويرى بعض المراقبين يدا لبعض الدول في محاولة سعيّد توطيد أركان سلطته، ملمحين إلى الدور المحتمل لدولة الإمارات العربية المتحدة. وأعرب الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي، أحد القادة السياسيين الذين ساعدوا في تكريس الديمقراطية التونسية في السنوات التي تلت الربيع العربي، عن أسفه لأن البلاد «تقفز قفزة هائلة إلى الوراء» و«تعود إلى الديكتاتورية»، مضيفا أنه يخشى من «تردي الوضع أكثر فأكثر».