أوّل الكلام آخره:
- لم تتضاءل الحاجة في جمع المعلومات الأمنية إلى العنصر البشري، أو ما يعرف بالـ HUMINT، لكن المخاطر تزيد يوما بعد يوم مع انتشار تقنيات المراقبة الجديدة.
- الـ HUMINT في عصر الكاميرات والقياسات الحيوية التي باتت في كل مكان يمثل تحديًا لجميع وكالات الاستخبارات والعاملين والمصادر.
- لم يعد بإمكاننا الحديث عن مناطق «نظيفة»، إلا فيما ندر، فالقياسات الحيوية التي تؤخذ عند السفر عبر المطارات، والتتبع المستمر عبر الهاتف، إلى غيرها من التقنيات الناشئة حدّت كثيرا من حرّية حركة العناصر الاستخباراتية البشرية.
- لقد أصبح من الصعب اكتشاف المراقبة في بيئة الأصل فيها أن الكل مراقب دون الحاجة لمتابعة الأفراد جسديًا.
تتمثل إحدى القواعد الأساسية في الاستخبارات المعتمدة على العنصر البشريّ (HUMINT) في معرفة عنصر المخابرات «حالته» على الدوام، وذلك يعني أن يعرف ما إذا كان يخضع للمراقبة أم لا. ويجب أن يتأكد عناصر المخابرات والعملاء الذين يتعاملون معهم أن اجتماعاتهم أو أنشطتهم خالية من المراقبة، فالمعلومات التي يُحصل عليها من علاقة مخترقة لا يمكن الثقة بها، ولها تداعيات متتالية إذا لم يكتشف الاختراق. وتحقيقا لهذه الغاية، يعد اكتشاف المراقبة حجر الزاوية في العمل الاستخباري. ولذلك فإن القيام بذلك في عصر المراقبة الشاملة هو التحدي الأساسي لجميع وكالات الاستخبارات. والأساسيات المتبعة في الاجتماعات الاستخباراتية معروفة جيدًا في أفلام هوليوود—فعنصر الاستخبارات يحدد المكان ويختار الطرق بعناية. وستكشف هذه التكتيكات وغيرها عما إذا كان شخص ما (على سبيل المثال، من شرطة الدولة المضيفة أو جهاز المخابرات، أو من جهاز استخبارات منافس لدولة ثالثة، أو من كيانات إرهابية أو إجرامية، إلخ) يتبع الضابط. والمهمة محفوفة بالمخاطر ولا تنتهي أبدًا، لكنها كانت قابلة للتنفيذ. ولكن المشكلة اليوم، والتي ازدادت أهميتها في السنوات الأخيرة، هي كيف تكتشف ما إذا كان يجري «متابعتك» إذا لم يلاحقك أحد بالفعل ولكنك مع ذلك كنت تحت المراقبة؟
إن أجهزة تعقب نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) على المركبات ليست شيئًا جديدًا وقد تعاملت معه وكالات الاستخبارات لبعض الوقت. ولكن الجديد نسبيًا هو السيارات الحديثة المزودة بأنظمة تشغيل مدمجة توفر للشركات والحكومات إمكانية الوصول في الوقت الفعلي ليس فقط إلى المواقع، ولكن إلى وظائف السيارة المختلفة. فعلى نحو متزايد، أصبحت جميع المركبات «متصلة»، وهذه مشكلة للعناصر الذين يحتاجون إلى عدم ملاحظتهم. وهذا صحيح حتى لو عمد هؤلاء العناصر إلى البقاء «في العتمة» فالعتمة نفسها تجلب الانتباه. وفضلا عن ذلك، فإن قارئات لوحات السيارات وكاميرات الشوارع، وحتى كاميرات مراقبة الأعمال، تسجل كل ما يمر. وحتى لو لم تراقب هذه الأنظمة في الوقت الفعلي، وهو أمر غير مرجح، فلا يزال بإمكانها إثبات فعاليتها في كشف العملية والعثور على جميع الجهات الفاعلة وما قامت به. وفضلا عن تتبع المركبات، فإن البيئة الحالية تعقّد الاجتماعات أو العمليات وجهًا لوجه. ولا يزال المخبرون أو المراقبون منتشرين في معظم زوايا الشوارع، لكنهم الآن معززون بكاميرات المدينة، فضلا عن الكاميرات الموجودة في كل مكان بسبب انتشار الهواتف الذكية. وعلى هذا فعلى عناصر المخابرات أن يتصرفوا كما لو كانوا دائمًا تحت المراقبة عندما يكونون في الأماكن العامة أو عند تنقلهم في الأماكن العامة. وحتى لو كان موقع الاجتماع «نظيفا» (أي خاليا من المراقبة) فإن ذلك يبقى عديم الفائدة إذا كانت كل الطرق المؤدية إليه مصوّرة بكل طريقة من أنظمة المراقبة. وقد تفاقمت هذه التحديات خلال وباء الكورونا بعدة طرق.
وقد أدت التقنيات الجديدة إلى فتح الطريق أمام مختلف الأفراد للمشاركة في المراقبة. فالهواتف الذكية تتبع كل خطوة، وكل موقع، وكل تفاعل، وإذا قررت ألّا تمتلك هاتفًا، أو ألّا تحمله أو لا تشغله، فإن ذلك سيثير شكوك الجهات المنافسة. وعلى ذلك فعلى العناصر ألا يغيّروا أنماطهم السلوكية مهما تطلّب الأمر ذلك وهذا أمر صعب للغاية. إن تطبيقات اللياقة البدنية تحدّد مكانك، وغالبًا ما تبث هذه المعلومات؛ والساعات الذكية ليست ذكية جدًا للعمل الاستخباري؛ وحسابات البريد الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي تعرف مكانك وغالبًا ما تبث هذه المعلومات. كل وظيفة أو تطبيق على هاتف ذكي هو جاسوس دائم. فعلى عناصر المخابرات العمل في «وضعية الطيران» في الأوقات الحرجة بالنظر إلى أن كل شيء من حولهم وكل تقنياتهم الشخصية تتطلب معرفة من هم وأين يذهبون وماذا يفعلون.
ويعد العمل بأمان في عصر التكنولوجيا العالمية مع إمكانات التتبع من بين التحديات الأساسية لجميع وكالات الاستخبارات. ولكن يظل الـ HUMINT شكلًا مهمًا وقيِّمًا للغاية لجمع المعلومات الاستخبارية، وخاصةً في ظل إمكانية اختراق العديد من أشكال نقل البيانات الأخرى، مما قد يؤدي إلى نتائج مدمرة. ونسمع اليوم تصريحات على الدوام تفيد بأن الـ HUMINT أصبح غير شكلا باليا عفا عليه الزمن في عصر باتت الاستخبارات أو عملية جمع المعلومات الأمنية تعتمد فيه على العنصر غير البشري كالإشارات المرسلة والملتقطة من الأجهزة الإلكترونية (SIGINT). ولكن هذه التصريحات خاطئة حكما، فبعض الأسرار لا يمكن مشاركتها إلا وجهًا لوجه. ولكن التأكد من أن هذه الاجتماعات خالية حقًا من المراقبة يزداد صعوبة يوما بعد يوم.