أوّل الكلام آخره:
- لعلّه ما من قضية من قضايا السياسة الخارجية لا تحتمل أي مماطلة بالنسبة لإدارة بايدن كمستقبل التدخل الأمريكي في أفغانستان.
- في كثير من الأحيان ينصبّ التركيز على الولايات المتحدة والتزاماتها، دون الاعتراف بأن طالبان فشلت في احترام التزاماتها في الصفقة.
- ينبغي لإدارة بايدن أن تعيد النظر في أي انسحاب آخر للقوات في ضوء رفض طالبان وقف الهجمات على المناطق السكانية الرئيسة.
- على الرغم من الإرهاق الشعبي في الولايات المتحدة نتيجة أطول حرب تخوضها القوات الامريكية، إلا أن الانسحاب المبكر من أفغانستان يتشابه مع الانسحاب الأمريكي من العراق عام 2011 الذي سمح ببروز داعش.
في الوقت الذي تستعد فيه إدارة بايدن لتولي السلطة، لعلّه ما من قضية من قضايا السياسة الخارجية لا تحتمل أي مماطلة بالنسبة لإدارة بايدن كمستقبل التدخل الأمريكي في أفغانستان. وخلال السنوات الأربع التي قضاها الرئيس ترامب في منصبه، عمد مرارا وتكرارا إلى انسحابات جزئية من جنوب آسيا، ولطالما كانت وجهات نظره تتعارض بشكل صارخ مع الشخصيات البارزة في إدارته. وكان من بين منتقديه مستشار الأمن القومي السابق هربيرت ريموند ماكماستر، الذي فضل الحضور القوي للولايات المتحدة. وإلى أن يسلّم ترامب منصبه في غضون الأسابيع المقبلة، سيكون قد خفض عدد القوات الأمريكية إلى 2,500 جندي فقط. ويأتي ذلك في الوقت الذي تشهد فيه أفغانستان ارتفاعا هائلا في عدد هجمات المتمردين شهريا، وفقا لتقارير المفتش العام الخاص لإعادة إعمار أفغانستان (SIGAR). وتبرز مخاوف متزايدة من أن يتمكن تنظيم ولاية خراسان التابع لداعش من توسيع نفوذه في أفغانستان وضم بعض مقاتلي طالبان إلى صفوفه ولا سيما من المستائين من أي مفاوضات. وبالتالي، ستواجه إدارة بايدن خيارا صعبا بين الاستمرار في الحد من مشاركة الولايات المتحدة في أفغانستان على الرغم من هذه الهجمات، وبين مزيد من الانخراط فيها في ظل عمل طالبان والحكومة الأفغانية للتوصل إلى اتفاق سياسي عبر المفاوضات.
ولا يزال من غير الواضح المسار الذي ستتبعه إدارة بايدن في أفغانستان، خاصة وأن عددا من التحديات الملحة الأخرى في السياسة الخارجية ستكون على جدول أعماله. وتتراوح هذه التحديات التي تتزاحم بين تحديد ما إذا كان ينبغي السعي إلى العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني وكيفية التعامل مع كوريا الشمالية، ومواجهة التحديات الجيوسياسية من المنافسين الاستراتيجيين مثل الصين وروسيا، وحل التوترات في الشرق الأوسط. علاوة على ذلك، ستؤثر الأحداث في أفغانستان في الأمن الإقليمي في جنوب آسيا ووسطها، مما قد يثير المزيد من التحديات للولايات المتحدة. وسيحدد هذا كله على خلفية الآثار الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المجهولة حتى اليوم للوباء، والأسئلة المتعلقة بمسار الإرهاب العابر للحدود وتحديات الجهات غير الحكومية التي تتوسل بالعنف للوصول إلى غاياتها. وتحافظ الأمم المتحدة على حضورها في أفغانستان مع دور سياسي متواضع لا يتوقّع منها تجاوزه. ووفقا للشروط التي توصلت إليها الولايات المتحدة وطالبان في محادثاتها ضمن المفاوضات الجارية بين الأفغان، من المقرر أن تسحب واشنطن قواتها العسكرية بحلول أيار / مايو 2021، أي بعد أقل من ستة أشهر من اليوم. ومع ذلك، فإن الكثير من التحليل الذي يدور حول المفاوضات في أفغانستان يركز على ما وعدت الولايات المتحدة به، دون الاعتراف بأن طالبان فشلت في احترام التزاماتها في الصفقة. وفي بعض الحالات، لم يطلب من طالبان تقديم أي تنازلات كبيرة مقابل ضمانات من زلماي خليل زاد الممثل الأمريكي الخاص لأفغانستان. وفي ظل حكومة أفغانية مستقبلية تهيمن عليها طالبان، تبرز مخاوف مشروعة بشأن التراجع عن الحقوق السياسية والاجتماعية والجنسانية المنجزة على مدى العقدين الماضيين.
ونظرا للإرهاق الشعبي في الولايات المتحدة من أطول حرب انخرطت فيها البلاد، فإن مجموعة كبيرة من السياسيين والنقاد يجادلون من أجل انسحاب عسكري أمريكي كامل من أفغانستان بغض النظر عن الوضع على أرض الواقع. ومع ذلك، يعتقد آخرون أن الانسحاب، وخاصة الانسحاب المتسرع في غياب تنازلات ملموسة من طالبان، من شأنه أن يعيد أفغانستان إلى نقطة الصفر. وينبغي لإدارة بايدن أن تعيد النظر في أي انسحاب آخر للقوات في ضوء رفض طالبان وقف الهجمات على المناطق السكانية الرئيسة، وهو ما يفترض أن تكون قد التزمت به بموجب شروط اتفاقها مع الولايات المتحدة. ومما يزيد الطين بلة أن الشكوك الجدية ما زالت قائمة حول ما إذا كانت طالبان ستنفذ بالفعل تعهداتها بشأن الابتعاد عن الجماعات الإرهابية العابرة للحدود مثل القاعدة. ويمكن لأفغانستان أن تعود إلى سابق عهدها، أي كما كانت في 10 أيلول / سبتمبر 2001، ملاذا آمنا للجماعات الإرهابية العابرة للحدود التي تنوي ضرب الولايات المتحدة وحلفائها. ولطالما جادل بايدن عن بديل لمكافحة التمرد من خلال سياسة يطلق عليها أحيانا CT-lite وهي سياسة تركز على قوى مكافحة الإرهاب الصغيرة التي تخصّص لمواجهة القاعدة وسائر المجموعات من أمثالها. وبغض النظر عما قد يحدث في نهاية المطاف في المفاوضات مع طالبان، سيتعين على إدارة بايدن أيضا النظر في خيارات التعامل مع تنظيم ولاية خراسان التابع لداعش وما يترتب على بقائه من تهديد الأمن الإقليمي.
وقد حافظت الولايات المتحدة على حضورها في أفغانستان منذ ما يقارب عقدين من الزمن، ولذلك لا حاجة اليوم للتسرع في الانسحاب الكلي. ومما لا شك فيه أن أغلب سكان الولايات المتحدة ومعظم قطاعات الحكومة الأمريكية والجيش لا يرغبون باستمرار ما يسمى بـ«الحروب إلى الأبد». ومع ذلك، فإن الانسحاب المبكر قد يأتى بنتائج عكسية كما في حالة العراق عام 2011، حيث سمح الانسحاب الأمريكي ببروز داعش، وبروز فروعها على مستوى العالم. وقد حدث ذلك خلال تولي بايدن منصب نائب الرئيس، ولذا سيكون هو وكبار مستشاريه على أهبة الاستعداد لمواجهة أخطاء مماثلة. كما ستحتاج الإدارة القادمة إلى النظر في كيفية الرد على تعدي اللاعبين الإقليميين، إيران والهند وروسيا والصين وباكستان على سبيل المثال لا الحصر،حيث تعزز هذه الدول الدعم للحلفاء في محاولة لزيادة النفوذ. وستشكل الدبلوماسية الإقليمية عاملا رئيسا لمنع انهيار أفغانستان تماما. فمن دون حضور قوة صلبة لمكافحة الإرهاب ودعم القوات الأفغانية، ستفتقر واشنطن إلى النفوذ اللازم لتيسير المرحلة السلمية المقبلة في أفغانستان. وبالمثل، فإن إبراز القوة قد يكون حاسما في عملية التنافس على الحصول على أفضل المراكز بين أصحاب المصلحة الأساسيين الذين يستعدون للفصل التالي من «اللعبة الكبرى» في جنوب آسيا.