أوّل الكلام آخره:
- تعاني أفغانستان من أزمة إنسانية تلوح في الأفق؛ إذ يواجه 55 في المئة من السكان مستويات طارئة من انعدام الأمن الغذائي هذا الشتاء – و9 ملايين منهم هم على وشك المجاعة.
- نظرًا لأن ما يقرب من 80 في المائة من سبل عيش الأفغان مرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بالزراعة، فقد تضافر الجفاف والانهيار الاقتصادي وانعدام الأمن والنزوح والوباء في خلق الأزمة الإنسانية الحالية.
- إن العقوبات الدولية التي تستهدف طالبان لها آثار جانبية ضارة بالشعب الأفغاني، فهي تساهم بشكل كبير في أزمة السيولة على نحو يزيد معدلات التضخم التي تؤثر في القدرة على الوصول إلى الغذاء، وتضعف جهود المساعدة.
- يجب على المجتمع الدولي العمل بسرعة لإزالة العقبات التي تعترض المساعدات الإنسانية لمنع المجاعة الجماعية وما قد يترتب عليها من نزوح جماعي.
تعاني أفغانستان الآن من أزمة حادة تتعلق بالأمن الغذائي، لعلها من أشد أزمات الأمن الغذائي في العالم. إذ يواجه ما يقرب من 23 مليون شخص، أي حوالي 55 في المئة من السكان، مستويات طارئة من انعدام الأمن الغذائي هذا الشتاء – و9 ملايين منهم هم على وشك المجاعة. ففي الأشهر الثلاثة التي انقضت منذ انسحاب الولايات المتحدة وسيطرة طالبان على أفغانستان، ساءت الظروف الإنسانية إلى حد بعيد، حيث دمر الجفاف القطاع الزراعي دون أن تلوح في الأفق أي بشائر للخروج من هذا النفق المظلم. وقد كان ما يقرب من نصف السكان بحاجة بالفعل إلى المساعدة اعتبارًا من منتصف عام 2021، ولكن الآن، في ظل التحديات التي تفاقمت بسبب الجفاف وانعدام الأمن وضعف مستوى الخدمات الاجتماعية، وصلت الأزمة الإنسانية إلى مستوى جديد. إذ يقدر أن 3.2 مليون طفل معرضون لخطر سوء التغذية الحاد.
وليست الزراعة هي الركيزة الأساسية للاقتصاد الأفغاني فحسب، ولكنها أيضًا مرتكز العيش والإمدادات الغذائية أيضا؛ فحياة ما يقرب من 80 في المئة من الأفغان مرتبطة بالزراعة بشكل مباشر أو غير مباشر، وفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو). وبالمثل، فإن ما لا يقل عن 25 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلد يعتمد على قطاع الزراعة. كما أن النزوح المرتبط بانعدام الأمن والمحاصيل غير الكافية يزيد الأزمة تعقيدا. وقد كان في أفغانستان حوالي 3.5 مليون نازح داخلي قبل 2021، ولكن العدد زاد بما يقرب من 550،000 في عام 2021. وحتى قبل سيطرة طالبان، كانت أفغانستان تحتل المرتبة الـ 99 من بين 107 دول جرى تقويمها في مؤشر 2020 العالمي الجوع، كما أن ثلث السكان كانوا يعانون بالفعل من انعدام الأمن الغذائي.
والواقع أن قيام طالبان بتوسيع نطاق سيطرتها قد سمح بوصول المساعدات الإنسانية على نحو أفضل. ففي حين أن الفاو لم تتمكن سابقا من الوصول بأمان إلا إلى 25 مقاطعة، يمكنها الآن العمل في جميع المقاطعات الـ 34. ومع ذلك، فإن العقبات الاقتصادية والمالية أصابت المساعدات الإنسانية بالشلل. ففي حين كانت الحكومة الأفغانية السابقة تعتمد إلى حد كبير على المساعدات الدولية، تواجه طالبان اليوم تجميد المساعدات والتمويل الدولي، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية وإذكاء التضخم المفرط. فقد جمدت الولايات المتحدة 9.5 مليار دولار من أصول الحكومة الأفغانية، وأدّت العقوبات إلى وقف الخدمات المصرفية والتحويلات المالية وإلى الحدّ من القدرة على الوصول إلى النقد، مما أثر بشكل ضار في المدنيين وعمليات الإغاثة. فلا شك أن للعقوبات الدولية على طالبان آثارها الجانبية التي تصيب الشعب الأفغاني، فهي تساهم بشكل كبير في أزمة السيولة وارتفاع معدّلات التضخم الذي يؤثر في القدرة على الوصول إلى الغذاء. وقد أعرب مدير العمليات باللجنة الدولية للصليب الأحمر (اللجنة الدولية) دومينيك ستيلهارت مؤخرًا عن خيبة أمله من أن «العقوبات الاقتصادية التي تهدف إلى معاقبة من هم في السلطة في كابول تعمل بدلًا من ذلك على تجريد الملايين من الأشخاص في جميع أنحاء أفغانستان من الأساسيات التي يحتاجون إليها للبقاء على قيد الحياة«. وقد انخفضت قيمة العملة بنحو 18٪ في العام الماضي، ولم تعد طالبان قادرة على دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية. وبالنظر إلى حجم التضخم إلى جانب ندرة الغذاء، فإن سلال الغذاء تكلف الآن 82 في المئة على الأقل من متوسط دخل الأسرة في أفغانستان، وفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا).
ويراقب المجتمع الدولي أيضًا عن كثب الآثار الجنسانية لقيادة طالبان المتجددة، وهي من الأهمية بمكان بالنسبة للأمن البشري وحقوق الإنسان في أفغانستان. وعلى الرغم من تأكيدات طالبان المطمئنة، فقد صرحت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ميشيل باشليت أن «النساء يستبعدن تدريجيًّا من المجال العام» في أفغانستان. كما أفادت بعض منظمات الإغاثة بفرض قيود على المساعدات النقدية للأسر التي تعولها نساء. ولهذه السياساتآثار كبيرة أيضا على عمليات التوظيف في مجال توزيع المساعدات الإنسانية؛ وفي حين أن سلطات الأمر الواقع قد قدمت بعض الإرشادات بشأن الشروط اللازمة لمشاركة النساء في أعمال الإغاثة، إلا أن التنفيذ الآمن لذلك على أرض الواقع لا يزال أمرا يحتاج إلى الاختبار العملي.
وعلى الرغم من جمع أكثر من مليار دولار من المساعدات لأفغانستان في مؤتمر دولي للمتعهدين عقد في أيلول (سبتمبر)، فإن الحاجة تفوق ذلك بكثير، إذ تشير التقديرات إلى أن 200 مليون دولار شهريًا ستكون مطلوبة للمساعدات الغذائية وحدها حتى مارس 2022. إن تفاقم التحديات الإنسانية من جهة، والمنافسة بين طالبان وداعش خراسان على السيطرة من جهة أخرى، يهددان البيئة الأمنية. وعلاوة على ذلك، فإن علاقة طالبان الممتدة بالقاعدة لا تبشر بالخير بالنسبة للأمن المدني، مع قلق الكثيرين بشأن أن تجد الجماعة مرة أخرى ملاذا آمنا لها في أفغانستان. وللتصدي أولًا للضرورات الإنسانية الملحّة، يجب على المجتمع الدولي التحرك بسرعة لإزالة العقبات التي تعترض المساعدات الإنسانية لمنع المجاعة الجماعية وما قد يترتب عليها من نزوح جماعي. وقد أوصى المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة ديفيد بيزلي الدول بنقل التمويل من المساعدات الإنمائية إلى مساعدات الطوارئ وتوجيه الأموال المجمدة من خلال الوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة. ولا تتضمن تصنيفات الولايات المتحدة والأمم المتحدة للإرهاب استثناءات إنسانية، وعلى الرغم من إصدار إدارة بايدن «ترخيصين عامين« في أيلول (سبتمبر) لمحاولة تقليل تأثير العقوبات السلبية، فإن النفور من المخاطرة في القطاع المصرفي يحد من تأثير مثل هذا الإجراء المؤقت. وكان السيد ستيلهارت من اللجنة الدولية للصليب الأحمر قد لخّص الوضع الراهن خير تلخيص بقوله: «إن المجتمع الدولي يدير ظهره في الوقت الذي تتأرجح فيه البلاد على شفا كارثة من صنع الإنسان».