أوّل الكلام آخره:
- في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، طردت الدول الغربية مئات الدبلوماسيين الروس في محاولة منها لعرقلة جهود المخابرات الروسية.
- تستخدم معظم الدول بعض موظفي بعثاتها الدبلوماسية لأغراض استخبارية، غير أن ذلك قد تجاوز في الحالة الروسية كل المقاييس، ولذلك فإن عواقب طرد موظفيها من السفارات في مختلف أنحاء العالم ستكون وخيمة.
- إن طرد الدبلوماسيين وضباط المخابرات من السفارات الغربية هو رد مباشر على الحرب في أوكرانيا، لكن من غير المرجح أن يكون لعمليات الطرد تأثير على تلك الحرب أو على صناعة القرار العسكري الروسي.
- إن الجهود التي تبذلها الدول الغربية لـ «تنظيف بيتها الداخلي» هي خطوة نحو تقليص محطات الاستخبارات الروسية المتضخمة الموجودة في الخارج على نحو دائم.
في إطار الرد المتعدد المستويات على العدوان الروسي على أوكرانيا، طردت الدول الغربية موظفين من السفارات الروسية لديها. وتتراوح تقديرات عدد الموظفين الدبلوماسيين الروس الذين طردوا من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي من 120 إلى ما يقرب من 400 موظف. وتفيد تقارير السياسة الخارجية أن 394 مسؤولًا على الأقل قد طردوا منذ بدء الغزو في شباط (فبراير). وقد طردت ألمانيا وحدها 40 من أعضاء الوفد الروسي، وهذا عدد كبير، كما أن له أهمية بالغة بالنظر إلى أن ألمانيا، مثل العديد من الدول الأخرى، تعتمد كثيرا على الغاز الطبيعي الروسي. وقد كان السبب المعلن لعمليات الطرد هذه هو الاحتجاج على الحرب الروسية في أوكرانيا، على الرغم من أن عمليات الطرد لن تفعل الكثير للتأثير على مسار الحرب.
والأرجح أن الموظفين الروس الذين طردوا من السفارات هم ضباط استخبارات يتمتعون بغطاء دبلوماسي. وتستخدم معظم الدول، إن لم يكن كلها، الوظائف الدبلوماسية في الخارج منصات لجمع المعلومات الاستخبارية، وهذا يجعل الأمر أشبه بـ «السر» المذاع. وكثيرا ما تكون هويات العديد من ضباط المخابرات العاملين في البعثات الدبلوماسية معروفة لأجهزة الأمن في البلد المضيف، أو مشكوكا بها في الحد الأدنى. ولكن العادة جرت بالتسامح مع هذه الجهود الاستخبارية طالما بقيت ضمن حدود معينة، يشار إليها أحيانًا باسم «قواعد اللعبة». ولكن روسيا قد تجاوزت هذه الحدود منذ فترة طويلة، وبرامجها الاستخباراتية خارج العواصم الأوروبية متضخمة إلى حد الوقاحة. وقد أقدمت روسيا على محاولات اغتيال في المملكة المتحدة باستخدام السموم والتسمم الإشعاعي وحاولت بوقاحة التأثير في الانتخابات الأجنبية في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ومن المحتمل أن العديد من هذه الحملات والعمليات كانت تحت إشراف ضباط المخابرات الروسية العاملين من السفارات.
وقد تؤدي عمليات الطرد إلى إضعاف تأثير الاستخبارات الروسية في الدول الأوروبية. وأجهزة الاستخبارات تعاني من البيروقراطية مثل جميع الأجهزة الأخرى، وتؤدي الاضطرابات في الأنظمة وتعديل الإجراءات المعمول بها منذ فترة طويلة إلى حدوث فائض تشغيلي ونقص في الكفاءة وانخفاض في الإنتاجية. وسيكون هذا معطلًا بعض الشيء، لكنه سيكون مؤقتًا، إذ يتوقع أن تتكيف أجهزة المخابرات الروسية عاجلا أم آجلا. وقد تعطل عمليات الطرد قدرة السفارات الروسية على دعم عناصر الاستخبارات الذين يعملون دون مناصب دبلوماسية أو حماية، ولكن ذلك سيكون مؤقتًا أيضًا.
أما ما قد لا يكون مؤقتًا فهو التخفيض العام لقدرة الروس على الاختراق؛ فقد تؤدي عمليات الطرد إلى تخفيضات رسمية دائمة في العدد الإجمالي للروس المسموح لهم بالعمل في السفارات في دول أوروبا الغربية، وينبغي أن تؤدي إلى شيء من التكافؤ بين أعداد الروس في سفاراتهم في أوروبا وأعداد الأوروبيين في سفاراتهم في روسيا. ولا شك أن العمل الاستخباراتي أكثر صعوبة وسرية في روسيا منه في المجتمعات الغربية المفتوحة، مما يؤدي بطبيعة الحال إلى بصمات دبلوماسية واستخباراتية أصغر. ومع ذلك، فإن حجم تأثير الاستخبارات الروسية الرسمية في السفارات الأوروبية غير متوازن، ويخلق تهديدات حقيقية وأضرارًا للدول المضيفة. إن العودة إلى بعض مظاهر التكافؤ فيما يتعلق بحجم الوجود الاستخباراتي الرسمي هي تصريح رمزي مهم من الغرب وخطوة عملية في تقليص حجم العمليات الروسية في الخارج. وتُعد هذه الإجراءات العقابية ردًا ضروريًا على العدوان الروسي في أوكرانيا، لكن عمليات الطرد لن تخلو من عواقبها السلبية على الدول الغربية، بما في ذلك الطرد الروسي للأوروبيين، على نحو قد يضعف جهودهم الاستخباراتية في روسيا.