أوّل الكلام آخره:
- زار أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني واشنطن في 31 كانون الثاني (يناير) للبحث، في المقام الأول، في أفق التعاون الممكن إذا ما قطعت روسيا إمدادات الغاز الطبيعي عن أوروبا.
- سيتطلب توريد الغاز الطبيعي القطري الإضافي إلى أوروبا قطع قطر لبعض عقود التوريد الطويلة الأجل مع عملائها الرئيسيين في آسيا.
- اعترافا بدور قطر الإيجابي في الأزمة الأفغانية وفي أمن الخليج والشرق الأوسط، باشر الرئيس بايدن عملية تصنيف قطر على أنها «حليف رئيسي من خارج الناتو».
- وساطة قطر في قطاع غزة ومع إيران قد تعود بفوائد على الاستقرار الإقليمي.
قام أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في 31 كانون الثاني (يناير) بزيارة واشنطن لعقد اجتماعات مع الرئيس بايدن وغيره من كبار المسؤولين الأمريكيين. ويعد الأمير شريكا إقليميا مهما للولايات المتحدة في قضايا مثل أفغانستان وأمن الخليج، وهو أول زعيم لدولة خليجية يزور الرئيس بايدن شخصيًا. على أن توقيت دعوة الشيخ تميم لواشنطن أتى في ظل تصاعد الأزمة الأوكرانية، فقطر هي دولة رائدة على مستوى العالم في صادرات الغاز الطبيعي – وهو عامل رئيسي على الولايات المتحدة وحلفائها أخذه في الاعتبار في أي عمل منسق لمواجهة أي غزو روسي محتمل لأوكرانيا. وتأكيدًا لهذا، صرح البيت الأبيض بأن اجتماع تميم وبايدن سيركز على الجهود المبذولة لضمان «استقرار إمدادات الطاقة العالمية».
وتحاول الولايات المتحدة ردع روسيا عن غزو أوكرانيا، بعد أن أحاطتها بقوة قوامها 125000 عنصر نشرتها موسكو في مناورات متعددة حول أوكرانيا منذ أواخر عام 2021. وقد حذرت الولايات المتحدة وشركاؤها روسيا من عقوبات اقتصادية متعددة الأطراف شديدة ومنسقة إذا ما غزت أوكرانيا، قد تشمل وقف مشروع خط أنابيب الغاز Nordstream 2 من روسيا إلى أوروبا. وتقدر الولايات المتحدة وشركاؤها أن روسيا قد ترد بخفض إمدادات الغاز إلى دول الاتحاد الأوروبي، التي لا تزال تعتمد بشكل كبير على صادرات الغاز الروسية. وقد سبق لروسيا في عام 2008 أن خفضت شحنات الغاز إلى أوروبا لإجبار كييف على تسوية نزاع على مدفوعات الغاز مع موسكو. وتعد قطر ثاني أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم – بعد الولايات المتحدة قليلًا – ويمكنها بذلك أن تساعد في تعويض أي نقص في شحنات الغاز الروسي. وكانت قطر قد أرسلت غازًا إضافيًا إلى اليابان بعد تسونامي 2011 الذي تسبب بإغلاق محطاتها النووية، كما أرسلت أربع شحنات خاصة إلى بريطانيا في تشرين الأول (أكتوبر) 2021 لمعالجة النقص المفاجئ هناك. على أن زيادة إمدادات كبيرة من الغاز إلى أوروبا سيتطلب من قطر قطع بعض عقودها الطويلة الأجل مع العملاء في كوريا الجنوبية واليابان والهند والصين.
ومما رشح عن اجتماع البيت الأبيض في 31 كانون الثاني (يناير) أن الشيخ تميم ناقش مع الرئيس بايدن الإجراءات الأمريكية المحتملة التي يمكنها أن تعوض لعملاء الغاز الآسيويين إذا حوّلت قطر بعض صادراتها إلى أوروبا. كما برزت قيمة قطر بوصفها شريكا تجاريا من خلال توقيع الخطوط الجوية القطرية، خلال الزيارة، على أول طلبية على الإطلاق لطائرة شحن جديدة من بوينغ تناظر طائرة الركاب 777X، فضلا عما يصل إلى 50 طائرة ركاب من طراز بوينج 737 ماكس.
وتضمنت زيارة الشيخ تميم مناقشات مستفيضة حول القضايا الإقليمية والثنائية، تركزت في جزء منها على الدور المحوري لقطر في انسحاب الولايات المتحدة في آب (أغسطس) 2021 من أفغانستان، بما في ذلك دورها في إجلاء أكثر من 60 ألف مواطن أمريكي وأفغاني ومن دول ثالثة. وتواصل قطر تسيير رحلات الطيران العارض للأشخاص الذين ما زالوا يسعون إلى المغادرة. كما أن الدوحة عملت ممثلا دبلوماسيا لواشنطن في أفغانستان، وهي تستضيف مكتبا تمثيليا رئيسيا لطالبان من جهة، وسفارة أمريكية خارجية حيث يواصل الدبلوماسيون الأمريكيون المنسحبون من كابول العمل.
وقد وفرت اجتماعات الأمير، التي ضمت وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن ووزير الأمن الداخلي أليخاندرو مايوركاس، فرصة لإجراء مناقشات ثنائية حول مجموعة واسعة من القضايا، بما في ذلك القضايا المتعلقة بإيران وبمكافحة الإرهاب. وتعد قاعدة العديد الجوية في قطر الأكبر بين القواعد التي تستخدمها القوات الأمريكية في المنطقة، وتستضيف حوالي 10 آلاف جندي أمريكي، معظمهم من القوات الجوية. ومن جهة أخرى، فإن قطر هي أيضًا واحدة من دول الخليج القليلة التي تواصل التعامل مع إيران. وقبل أيام قليلة، وعلى نحو يرجح أنه مرتبط برحلة الأمير إلى واشنطن، قيل إن وزير خارجية قطر زار طهران لحث القادة الإيرانيين على التخلي عن رفضهم التحدث مباشرة مع المفاوضين النوويين الأمريكيين في فيينا. وتسعى كل من الولايات المتحدة وقطر إلى استعادة الالتزام الكامل للولايات المتحدة وإيران بالاتفاقية النووية الإيرانية المتعددة الأطراف التي عقدت عام 2015، وهو تطور من شأنه أن يخفف التوترات الخليجية بشكل كبير. وتكهن بعض المراقبين بأن وزير الخارجية القطري حث المسؤولين الإيرانيين على إطلاق سراح الرعايا الأمريكيين المحتجزين في إيران بتهم مختلفة، في خطوة قد تعد إجراء من إجراءات بناء الثقة. وفي الإحاطات التي أعدها المسؤولون الأمريكيون، جرى تسليط الضوء أيضًا على التعاون بين الولايات المتحدة وقطر في مجال مكافحة الإرهاب، بما في ذلك التعاون ضد تنظيم داعش، وضد القنوات المالية في الخليج التي يستخدمها حزب الله اللبناني، الحليف الإقليمي الرئيسي لإيران.
وتعتمد السياسة الخارجية لدولة قطر أحيانًا على التعامل مع القادة والفصائل التي تنتقدها الولايات المتحدة وشركاؤها والهيئات العالمية لاستخدامها العنف. فقطر منفتحة مثلا على حركة حماس الفلسطينية التي تمارس سيطرة فعلية على قطاع غزة، وهي توظف هذه العلاقة جزئيًا لترتيب إيصال المساعدات الإنسانية الممولة من قطر إلى سكان غزة. وقد أرجع المسؤولون الأمريكيون تحقيق وقف إطلاق النار في الصراع بين إسرائيل وحماس في أيار (مايو) 2021 إلى الوساطة القطرية والمصرية، وكذلك إلى تعهدات قطر بتقديم مساعدات إنسانية إضافية، وأكدوا أن سياسات قطر تساعد في «الحفاظ على الهدوء» في غزة. وقد جاء إعلان الرئيس بايدن، في بداية اجتماعه مع الأمير، أن قطر سيتم تصنيفها «حليفًا رئيسيًا من خارج الناتو»، تجسيدا لشكر الولايات المتحدة على الدعم الإقليمي الواسع النطاق لقطر. وسيفتح هذا التصنيف أمام قطر أبوابا أخرى للتعاون الدفاعي الإضافي مع الولايات المتحدة، ولعله سيسهل طلبها لشراء طائرات مسلحة بدون طيار أمريكية الصنع من طراز ريبر. ومن المؤكد أيضًا أن الزيارة ستحمي الدولة الخليجية الصغيرة من حملات منافستها الخليجية، الإمارات العربية المتحدة، للتشكيك في السياسات القطرية وتقويض علاقاتها مع الولايات المتحدة والقوى الأخرى.