أوّل الكلام آخره:
- سعت أوزبكستان إلى الانفتاح على قيادة طالبان في أفغانستان لضمان تعاونها ضد جماعات المعارضة الإسلامية المتطرفة.
- لا يطالب زعماء أوزبكستان طالبان بإدراج الفصائل الأفغانية الأوزبكية في بنية الحكم.
- تتحالف الحركة الإسلامية في أوزبكستان، وهي جماعة متطرفة معارضة، مع تنظيم الدولة الإسلامية في ولاية خراسان (التابع لداعش) والذي يسعى إلى تقويض حكم طالبان في أفغانستان.
- تعتبر طشقند أفغانستان طريقا تجاريا محتملا إلى المحيط الهندي.
يسعى رئيس أوزبكستان شوكت ميرزيوييف إلى الانفتاح غير مشروط على حكام طالبان في أفغانستان، ولا يكترث كثيرا لانتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها طالبان ولا لاستبعاد القادة الأوزبك من الحكومة. وقد أدى تغيير النظام في آب (أغسطس) 2021 في كابول إلى تقليص نفوذ طشقند بشكل كبير في جارتها الجنوبية. فقبل استيلاء طالبان على السلطة، كان عبد الرشيد دوستم، الزعيم الأوزبكي القوي الذي كان ممثلًا على نطاق واسع للمجتمع الأفغاني الأوزبكي والذي شغل منصب النائب الأول للرئيس من 2014 إلى 2020، من المناصرين المهمين لطشقند. وعلى الرغم من هذه النكسات، أو ربما بسببها، اختار ميرزيوييف مقاربة براغماتية للعلاقات مع طالبان، مقدما المصالح الوطنية لأوزبكستان على المبادئ. وقد حث زعماء طالبان على تشكيل حكومة شاملة تضم العديد من الأوزبك البارزين لكنه لم يصر على مطلبه. وعين ميرزيوييف مبعوثًا خاصًا، عصمت الله إرغاشيف، ليكون منسقًا رئيسيًا له مع قيادة طالبان في كابول. ومع ذلك، يصر المسؤولون الأوزبك على أنهم لن يعترفوا رسميًا بحكومة طالبان في أفغانستان قبل أن يكون المجتمع الدولي على استعداد للقيام بذلك. ويتناقض موقف ميرزيوييف بشكل حاد مع موقف طاجكستان المجاورة التي عارضت بصراحة استيلاء طالبان على السلطة وانتقدت سلوكها وبنية نظامها. ولم يكن لدوشانبه سوى اتصالات محدودة مع قادة طالبان منذ وصولهم إلى السلطة.
وما تسعى إليه طشقند هو ضمان التزام طالبان بحرمان الجماعات الإسلامية المتطرفة المناهضة لأوزبكستان من الملاذ الآمن. ولا تزال النخبة الحاكمة في أوزبكستان تتذكر تفجير شباط (فبراير) 1999 لستة مبان حكومية في طشقند، والذي كاد يقتل الرئيس إسلام كريموف. وقد نُسب الهجوم، الذي أسفر عن مقتل 13 شخصًا، إلى الحركة الإسلامية في أوزبكستان. وفي ذلك الوقت، كانت تلك الحركة فرعًا من تنظيم القاعدة الذي استضافه نظام طالبان في أفغانستان. وفي عام 2015، حول التنظيم ولاءه لداعش التي تعمل في أفغانستان تحت اسم الدولة الإسلامية في ولاية خراسان. وقد قُتل مؤسسو الحركة الإسلامية وتقلص مستوى نشاط الجماعة ضد الحكومة الأوزبكية في السنوات الأخيرة، لكن كلًا من طشقند وكابول يرون في تنظيم الدولة في ولاية خراسان تهديدًا خطيرًا. وقد سعى تنظيم الدولة إلى تقويض سلطة طالبان من خلال تنفيذ التفجيرات والهجمات الأخرى، بما في ذلك ضد مقاتلي حركة طالبان وضد مساجد الأقلية الشيعية في أفغانستان.
لكن أهمية التعاون بين أوزبكستان وطالبان باتت جلية في 18 نيسان (أبريل) 2022، عندما زعم مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان أنهم نفذوا هجومًا صاروخيًا على أوزبكستان عبر الحدود الأفغانية – وكانت تلك هي الضربة الأولى التي يشنها التنظيم على أوزبكستان. وأعلن التنظيم أنه أطلق 10 صواريخ على قاعدة عسكرية أوزبكية في بلدة ترميز الحدودية الواقعة قبالة بلدة حيراتان الأفغانية، ونشر صورة وفيديو للمقذوفات لدعم مزاعمه، لكن السلطات الأوزبكية لم تعلق على الفور على هذه المزاعم، ونفت طالبان وقوع الهجوم على الإطلاق. وزعم مسؤولو طالبان أن الوضع على الحدود بين البلدين «طبيعي ولا داعي للقلق». إن تقليل كل من طشقند وكابول من شأن الهجوم يشير إلى أن الحكومتين سعتا إلى تجنيب طالبان المزيد من الانتقادات أو التدقيق الدولي، وتجنيب الحكومة الأوزبكية الانتقادات المحلية لسياسة الانخراط مع طالبان.
على أن مواجهة الجماعات المناهضة للحكومة ليست المصلحة المشتركة الوحيدة التي تشترك فيها طالبان والحكومة الأوزبكية. فطشقند لها بعض المصالح الاقتصادية العملية، بما في ذلك احتمال تأمين طريق تجاري من الدولة غير الساحلية عبر أفغانستان إلى الموانئ البحرية الباكستانية على المحيط الهندي. فوصول أوسع إلى المحيط الهندي سيساعد الحكومة الأوزبكية على معالجة الركود الاقتصادي الطويل الأمد الناجم عن الفساد المستشري ومركزية التخطيط الاقتصادي التي اعتمدها الرئيس السابق كريموف القادم من بيروقراطية التخطيط الاقتصادي السوفياتي. ومن أجل حشد الدعم الدولي اللازم لتحقيق هذه الأهداف، سعت أوزبكستان إلى تلميع صورتها بأن تصبح مركزًا رئيسيًا للمساعدات الإنسانية الموجهة إلى أفغانستان.
وعلى الرغم من هذا الانخراط الدبلوماسي مع طالبان الأفغانية، كانت أوزبكستان حريصة على تجنب الإخلال بعلاقاتها مع الولايات المتحدة وغيرها من الحلفاء الرئيسيين الذين يسعون إلى محاسبة طالبان فيما يتعلق بحقوق الإنسان، والتزامات مكافحة الإرهاب، وقضايا أخرى. وقد أعرب المسؤولون الأمريكيون علنًا عن تفهمهم لإحجام قادة أوزبكستان عن التنديد بوضوح بالغزو الروسي لأوكرانيا، في ضوء مخاوف الجمهورية السوفياتية السابقة من تجاهل روسيا لسيادة دول الاتحاد السوفياتي السابق. وقد نقل أفراد القوات الجوية الأفغانية ما يقرب من 50 طائرة مقاتلة وطائرة هليكوبتر إلى أوزبكستان عندما انهارت الحكومة الأفغانية السابقة في آب (أغسطس). وقد رفض زعماء أوزبكستان مطالب طالبان بإعادة الطائرات إلى أفغانستان، مؤكدين أن الطائرات ملك الولايات المتحدة، التي تصر على ألّا تُعاد إلى أفغانستان لئلا تزيد من قدرات طالبان القتالية. وأوضح المبعوث الأوزبكي إرجاشيف: «لقد احتفظنا بهذه المعدات العسكرية بالاتفاق مع الولايات المتحدة وأبلغنا طالبان بذلك». وقد نقل الطيارون إلى دولة الإمارات العربية المتحدة في خريف عام 2021 ويُعاد توطينهم الآن في الولايات المتحدة. وعلى الرغم من الخلافات مع طالبان بشأن الطائرات الحكومية السابقة ذات المصدر الأمريكي في الغالب، فمن المرجح أن تواصل طشقند العمل مع طالبان لمتابعة تلك القضايا التي تكون طالبان مستعدة للتعاون بشأنها وقادرة على ذلك.