أوّل الكلام آخره:
- من جديد، اندلع الصراع بين أوكرانيا وروسيا، مما أعاد إشعال الوضع المتجمد وغير المستقر بين كييف وموسكو في حرب السنوات السبع.
- مع تعثر محادثات السلام، فقد تكون المناورات العسكرية الروسية على طول الحدود مجرّد محاولة للتخويف، ولكنها قد تكون أيضا شيئا يتجاوز مجرد إعادة التموضع.
- حولت القيادة العسكرية الأمريكية في أوروبا تقويم الوضع من «أزمة محتملة» إلى «أزمة وشيكة محتملة»، مما دفع الكثيرين إلى الاعتقاد بأن تزايد القتال أمر لا مفر منه.
- تعد أوكرانيا ساحة تجارب للصراع بين واشنطن وموسكو، في سياق الاهتمام المتزايد بالتنافس بين القوى العظمى.
مؤخرا، اندلع الصراع بين أوكرانيا وروسيا، مما أعاد إشعال الوضع المتجمد وغير المستقر بين كييف وموسكو في حرب السنوات السبع. وحتى اليوم، أودى الصراع بحياة أكثر من 13000 شخص. وفي القتال الأسبوع الماضي، قتل الانفصاليون المدعومون من روسيا أربعة جنود أوكرانيين يعملون في منطقة دونيتسك شرق أوكرانيا. وقد أسفر القتال منذ بداية عام 2021 عن مقتل عشرين جنديا أوكرانيا. والجدير ذكره أن روسيا أرسلت بعض التعزيزات، إذ تشير بعض التقديرات إلى نشر ما يزيد عن أربعة آلاف جندي روسي إضافي على الحدود الأوكرانية. وفضلا عن زيادة النشاط العسكري في أوكرانيا، فقد قامت روسيا مؤخرا بإرسال رحلات عسكرية بالقرب من المجال الجوي في ألاسكا وبزيادة النشاط البحري في القطب الشمالي. ويتزايد القلق في واشنطن وبروكسل من أن يكون الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في صدد اختبار إدارة بايدن. وقد تحدث رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية مارك ميلي الأسبوع الماضي مع الجنرال الروسي فاليري جيراسيموف والجنرال الأوكراني رسلان خومتشاك من أجل فهم الأوضاع على نحو أفضل، ومن أجل حث الطرفين على ضبط النفس.
ومع تعثر محادثات السلام، فقد تكون المناورات العسكرية الروسية على طول الحدود محاولة للتخويف، على نحو يتجاوز مجرد إعادة التموضع. وكانت العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على بوتين ودائرته الداخلية، فضلا عن المؤسسات المالية الروسية وشركات الطاقة، عقوبات غير فعالة. وقد دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى فرض عقوبات أكثر صرامة على روسيا، كما دفع إلى دعوة كييف إلى الانضمام إلى خطة عمل عضوية الناتو. ومن ناحية أخرى، حذرت روسيا الناتو من إرسال قوات إلى أوكرانيا. وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف: «لا شك في أن مثل هذا السيناريو سيؤدي إلى زيادة التوترات القريبة من حدود روسيا» الأمر الذي سيجعل روسيا تتخذ «المزيد من التدابير.. لضمان أمنها». وقد تحدث وزير الخارجية أنتوني بلينكين إلى نظيره الأوكراني، دميترو كوليبا، وأكد من جديد التزام واشنطن تجاه كييف. وقال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف إن المسؤولين الروس والأمريكيين اجتمعوا مؤخرا لمناقشة تجدد القتال وتحركات القوات الروسية.
وقد حولت القيادة العسكرية الأمريكية في أوروبا تقويم الوضع من «أزمة محتملة» إلى «أزمة وشيكة محتملة»، مما دفع الكثيرين إلى الاعتقاد بأن القتال المتزايد في الأيام والأسابيع القادمة أمر لا مفر منه. كما أعرب رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون عن «مخاوفه الكبيرة» فيما يتعلق بالتصعيد في المنطقة. ولقد ثبت أن الوقف الدائم لإطلاق النار أمر بعيد المنال في ظل انهيار الاتفاقات السابقة وتجدد القتال. وكانت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا قد توسطت في اتفاق لوقف إطلاق النار في تموز / يوليو 2020، لكن أنشطة روسيا المزعزعة للاستقرار ما فتئت تنتهك شروط ذلك الاتفاق. وطوال فترة النزاع، استقرت القوات في مواقعها، متمركزة في خنادق وحفر قتال على امتداد الحاجز الذي يبلغ طوله 250 ميلا والمعروف باسم خط التماس. وقد شملت المناوشات الأخيرة نيران المدفعية والمدافع الرشاشة.
وتعد أوكرانيا ساحة تجارب للصراع في المنطقة الرمادية بين واشنطن وموسكو، في سياق عودة الاهتمام المتزايد بالتنافس بين القوى العظمى. إن أهمية ما يحدث في أوكرانيا واضحة للكرملين وتنعكس في الأسلحة المتقدمة التي زودت روسيا الانفصاليين بها، بما في ذلك الأسلحة الموجهة المضادة للدبابات وقاذفات القنابل الصاروخية والمدافع المضادة للطائرات في منظومات الدفاع الجوي المحمولة. كما أعادت موسكو تزويد الانفصاليين بالذخيرة وقدمت قوة عسكرية إضافية. كما انتشرت مجموعة فاغنر الروسية لدعم عملية موسكو شرق أوكرانيا، على الرغم من أن روسيا تنفي أي تورط عملي، وتشير إلى المواطنين الروس الذين يقاتلون في أوكرانيا بصفتهم متطوعين. وتنظر روسيا إلى أوكرانيا، كما كان الحال مع شبه جزيرة القرم، على أنها ضمن مجال نفوذها التقليدي وتستاء مما تعده تجاوزا للناتو ولمحيطه. وتعمل الدبلوماسية الأمريكية النشطة على منع أي تصعيد. ومع ذلك، فإن افتقار موسكو إلى الشفافية وإنكارها المتكرر لنشاطها العسكري الواضح يزيد من فرص سوء التواصل وسوء الفهم، الأمر الذي قد يؤدي بدوره إلى مزيد من التصعيد. وقد تسعى روسيا إلى استغلال الأوراق التي اكتسبتها في هذا الصراع من خلال تولي دور أكثر مباشرة في النزاعات الأجنبية الأخرى، بما في ذلك في سوريا وأفغانستان، حيث يتزايد الاعتماد على المشاركة الروسية لإيجاد الحلول.