أوّل الكلام آخره:
- بينما يكافح العالم للتعامل مع تداعيات جائحة الكورونا، أعلنت منظمة الصحة العالمية عن اكتشاف متحور جديد «مثير للقلق» أسمته متحوّر أوميكرون.
- ويبدو أن جنوب إفريقيا تعاقب اليوم بسبب شفافيتها، ولكن المسارعة بحظر السفر واتخاذ الإجراءات الأخرى ستجعل البلدان الأخرى تفكّر مرارًا قبل إعلان أي بيانات مقلقة عن أوضاعها الصحية.
- لعبت النزعة القومية، فضلا عن تكديس مخزونات اللقاح وتفشّي المعلومات المضللة، دورًا كبيرا في تأخير نشر اللقاح على نطاق عالمي أكبر.
- زاد عدد مناهضي التطعيم ومنظري المؤامرة وأصبحوا أكثر تطرّفًا وخطورة في بعض البلدان، بما في ذلك إيطاليا وهولندا.
بينما يكافح العالم للتعامل مع تداعيات جائحة الكورونا، أعلنت منظمة الصحة العالمية عن اكتشاف متحور جديد «مثير للقلق» أسمته متحوّر أوميكرون (نسبة إلى الحرف اليوناني)، أو B.1.1.529 (وهذا هو اسمه العلمي). وقد تُعرّف على هذا المتحوّر لأول مرة في جنوب إفريقيا، مما دفع البلدان حول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة، إلى تقييد حرية السفر إلى العديد من البلدان الواقعة في جنوب إفريقيا، بما في ذلك بوتسوانا وزيمبابوي وناميبيا وليسوتو والموزمبيق وغيرها. ولا زلنا نجهل الكثير عن متحور أوميكرون، بما في ذلك مدى قابلية انتقاله وقوّة فتكه مقارنة بالسلالات الأخرى من الفيروس التاجي، فضلا عن مدى فعالية لقاحات الكوفيد-19 في التصدّي للسلالة الأحدث. ويُعتقد أن المتحور الجديد يحتوي على ما يصل إلى 50 طفرة، وهو رقم مرتفع بشكل غير عادي. إن عدد الطفرات فيما يسمى بالقسيم الفولفي (وهو المعروف بالـ«سبايك بروتين») للفيروس يمكن أن يجعله أكثر قابلية للانتقال وقادرًا على التهرب من المناعة الناجمة عن التطعيم أو الإصابة المسبقة.
ورغم اتخاذ بعض الدول تدابير لحظر السفر، فقد سجلت حالات من الإصابة بمتحور أوميكرون في المملكة المتحدة وإيطاليا وبلجيكا وأستراليا وهولندا وهونغ كونغ وإسرائيل، من بين دول أخرى. وقد أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، في بيان له نهاية الأسبوع الماضي، حظر دخول جميع الأجانب إلى البلاد لمدة أسبوعين. وصرح الدكتور أنتوني فوسي، رئيس المعهد الوطني الأمريكي للحساسية والأمراض المعدية، أنه من الممكن أن يكون المتحور الجديد قد بدأ بالانتشار فعلا في الولايات المتحدة. ويبدو أن جنوب إفريقيا تعاقب اليوم بسبب شفافيتها في تنبيه السلطات الصحية الدولية، ولكن المسارعة بحظر السفر واتخاذ الإجراءات الأخرى ستجعل البلدان الأخرى تفكّر مرارًا قبل إعلان أي بيانات مقلقة عن أوضاعها الصحية. ومع ذلك، ونظرًا لأن المتحور الجديد قد أخذ بالانتشار بالفعل على مستوى العالم، فإن شفافية البيانات هذه ضرورية للحفاظ على الأمن الصحي العالمي. وكانت الصين قد تعاملت بشيء من المراوغة مع البيانات في المراحل الأولى من الوباء، وهو ما مكّن من انتشار الفيروس في جميع أنحاء العالم. وقد تحدث وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين الأسبوع الماضي مع وزيرة العلاقات الدولية والتعاون بجنوب إفريقيا ناليدي باندور وأكد على أهمية التعاون والشراكة المستمرة. وكان المتحور المهم السابق، وهو متحور دلتا، قد ساهم في إحداث تصدعات هائلة في أنظمة الرعاية الصحية والاقتصادات الوطنية، ويتزايد القلق اليوم من أن أومكرون قد يكون أكثر تدميرًا إذا فشلت البلدان في الاستجابة بشكل صحيح.
وفي حين أن العديد من البلدان النامية تمكنت من مباشرة التطعيم بلقاحات الكورونا خلال عام 2021، لم يتلق معظم بلدان الجنوب جرعات كافية لتطعيم سكانها. وقد لعبت النزعات القومية، فضلا عن تكديس مخزونات اللقاح وتفشّي المعلومات المضللة، دورًا كبيرا في تأخير نشر اللقاح على نطاق عالمي أكبر. ولكن إذا كان العالم قد تعلّم شيئًا واحدًا أثناء الوباء، فهو أن قوة الدول تقاس بقوة أضعف حلقاتها. ففي عالم معولم ومترابط، ما من حظر يمكن أن يمنع انتشار الفيروسات التي تصيب الجهاز التنفسي. كما أن التداعيات الاقتصادية عالمية أيضًا، كما يتضح من الانخفاض الهائل في سوق الأسهم أواخر الأسبوع الماضي، حيث انتشرت أخبار المتحور الجديد، وتفاعل معها المستثمرون. ولذلك فإن إهمال الدول الغنية للبلدان الفقيرة أو النامية في توزيع اللقاحات ستكون نتيجته المزيد من الطفرات والمتحوّرات الجديدة، ودورة لا تنتهي من المعاناة الإنسانية والصعوبات الاقتصادية.
وتجد الحكومات نفسها الآن أمام تحدّ جديد في أفضل الطرق لمواجهة هذه المستجدات – فهي عليها أن توازن بين مقتضيات الصحة العامة من ناحية، والآثار المجتمعية المترتبة على المزيد من عمليات الإغلاق من ناحية أخرى، دون إغفال ردود الأفعال الشعبية التي قد تتخذ منحى عنفيًّا وقد تظهر بشكل مظاهرات واحتجاجات وأعمال شغب. وقد استفادت الجماعات المتطرفة بشكل كبير من الوباء، مستفيدة من مقدار الوقت الذي يقضيه الناس منعزلين وعلى الإنترنت لتجنيد أعضاء جدد ونشر الدعاية. وقد زاد عدد مناهضي التطعيم ومنظري المؤامرة وأصبحوا أكثر تطرّفًا وخطورة في بعض البلدان، بما في ذلك بعض الدول الأوروبية كإيطاليا وهولندا. ففي إيطاليا، استخدم مناهضو التطعيم الفايسبوك منصة لهم للارتباط مع عصابات اليمين المتطرف والمتطرفين المناهضين للدولة، مروّجين للسردية القائلة إن الحكومات تستخدم الوباء وسيلةً للسيطرة على مواطنيها. وفي تشرين الأول (أكتوبر)، احتج الآلاف في جميع أنحاء البلاد وحاول بعض المشاغبين اقتحام مستشفى في روما، حيث أُجبر عمال المستشفى على إقامة حاجز حتى وصول الشرطة. ومع إطلال المتحور الجديد برأسه في بداية موسم عطلات مزدحم، تواجه الحكومات تحديًا للارتقاء إلى مستوى الحدث لمنع المزيد من الارتفاع في أعداد الحالات على مستوى العالم.