أوّل الكلام آخره:
- في الوقت الذي تتداول فيه إدارة بايدن بشأن خطوتها التالية في أفغانستان، يقترب شهر أيار / مايو وهو الموعد المحدّد لانسحاب القوات الأمريكية.
- تبرز مخاوف مشروعة من أن يؤدي الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية إلى سيطرة طالبان على أفغانستان عسكريا وسياسيا.
- إذا انسحبت الولايات المتحدة وانتقلت أفغانستان إلى حرب أهلية صريحة، ستستغل الجماعات الإرهابية حتما انهيار الدولة.
- حذرت مجموعة دراسة أفغانستان من أن الانسحاب في أيار / مايو من شأنه أن «يقدّم لطالبان النصر» على طبق من ذهب.
يقترب شهر أيار / مايو الموعد المحدد للانسحاب النهائي للقوات الأمريكية من أفغانستان، على الرغم من ارتفاع مستويات العنف. ولكن قلّة ترى أن إدارة بايدن ستلتزم بهذا الموعد، بحجة أن طالبان لم تلتزم بتعهداتها المتعلقة بالحد من العنف. وبناء على ذلك، قد تسعى إدارة بايدن إلى التراجع عن الموعد المحدد لسحب القوات الأمريكية والتمديد ستة أشهر أخرى، وربما لفترة أطول. وقد يشكل ذلك فرصة لطالبان لتنفيذ التزاماتها بالحد من العنف. وفي ظل تقدم المحادثات، هاجمت طالبان بلا هوادة قوات الأمن الوطني الأفغانية. ومن شأن تأجيل موعد الانسحاب أيضا أن يمنح واشنطن المزيد من الوقت لصياغة استراتيجية تحقق ما وصفه مسؤولو إدارة بايدن بأنه «خاتمة مسؤولة» للصراع الذي دام عقدين من الزمن. وستتطلب أي استراتيجية تهدف إلى تحقيق الاستقرار في أفغانستان التزاما من الشركاء الإقليميين، وهو مجال آخر يسعى فيه الدبلوماسيون الأمريكيون إلى بناء توافق في الآراء.
وقد بذل الرئيس بايدن جهده خلال فترة عمله نائبا للرئيس وعضوا في مجلس الشيوخ، للدفع نحو تخفيف وطأة الحضور الأمريكي في أفغانستان، على عكس ما كان بعض كبار المسؤولين العسكريين الأمريكيين يدعون إليه من تبني استراتيجية معدّة لمكافحة التمرد. فبايدن يفضل استراتيجية مكافحة الإرهاب تعني حضورا عدديا أصغر وتركز على منع استخدام أفغانستان مرة أخرى منصة انطلاق للهجمات الإرهابية العابرة للحدود. وفي هذه المرحلة، يشعر الكثيرون بالقلق من أن الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية سيؤدي إلى سيطرة طالبان على أفغانستان عسكريا، والتغلب على الحكومة الأفغانية وقوات الأمن فيها. وبما أن طالبان لم تقطع علاقتها بالقاعدة، ولم تُظهر أي نية للقيام بذلك، فإن أفغانستان التي تهيمن عليها طالبان ستصبح مرة أخرى دولة مرحبة بالقاعدة وغيرها من الجماعات الجهادية. إن عودة أفغانستان إلى سابق عهدها، أي كما كانت ملاذا آمنا لمسلحي القاعدة، ستكون مكسبا دعائيا كبيرا للجهاديين، وانتصارا لوجستيا لهم، مع اقتراب الذكرى السنوية العشرين لهجمات 11 أيلول / سبتمبر 2001 بعد ستة أشهر.
إن أحد الانتقادات الأكثر شيوعا التي وجهت إلى اتفاق إدارة ترامب مع طالبان كان أنه أهمل الحكومة الأفغانية وهمّشها كثيرا، فيما ألزم الولايات المتحدة بسحب قواتها، مما يخفف من النفوذ الأمريكي في المنطقة. ومن التساؤلات الرئيسة الأخرى هو ما سيحدث لقوات الناتو بمجرد انسحاب الولايات المتحدة، إذ لا يُتوقع أن تبقى قوات الناتو البالغ عددها 8,000 عنصر في البلاد بعد الانسحاب الأمريكي. ولكن غياب القوات الأمريكية إذا تصاحب مع غياب قوات حلف شمال الأطلسي قد يشجع الجماعات الإرهابية والمتمردة، ومنها تنظيم ولاية خراسان التابع لداعش الذي يحافظ على حضوره في أفغانستان، على الرغم من النكسات الأخيرة التي مني بها في مقاطعتي كونار ونانغارهار. وإذا انسحبت الولايات المتحدة وانتقلت أفغانستان إلى حرب أهلية صريحة، فقد تتاح الفرصة لتنظيم ولاية خراسان التابع لداعش لتجديد شبكته والاستفادة من انهيار الدولة.
وقد أبقت إدارة بايدن زلماي خليل زاد في منصبه ممثلا أمريكيا مكلفا برعاية المصالحة في أفغانستان، وذلك لتأمين الاستمرارية للمفاوضات الجارية. وكان خليل زاد صريحا في الحث على «استراتيجية قائمة على الالتزام بالشروط» للمضي قدما في محادثات السلام. ومن أبرز التحديات الموجودة هو أن مستوى العنف العام لا يزال مرتفعا، ولا سيما العنف ضد المدنيين. ووفقا لبعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى أفغانستان، وصلت الإصابات بين المدنيين في تشرين الثاني / نوفمبر 2020 إلى مستويات قياسية لم تصلها منذ عام 2009. وقد حذرت مجموعة دراسة أفغانستان، التي شارك في رئاستها الرئيس السابق لرؤساء الأركان المشتركة، الجنرال جوزيف دونفورد، من أن الانسحاب في أيار / مايو «من شأنه أن يقدم لطالبان النصر» على طبق من ذهب. ويقال إن وزارة الدفاع الأمريكية تحضر قائمة بالخيارات الممكنة لعرضها أمام الرئيس بايدن، بدءا من الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية إلى الحفاظ على مستويات القوة الحالية، وربما العديد من البدائل الأخرى التي تشمل الانسحاب التدريجي. واستنادا إلى مواقف بايدن السابقة، فقد يفضل استراتيجية تتمحور حول مكافحة الإرهاب على أي استراتيجية تتطلب حضورا موسعا في أفغانستان.