أوّل الكلام آخره:
- في 11 شباط (فبراير)، أصدر الرئيس جوزيف بايدن أمرًا تنفيذيًا يمكّن الإدارة من توزيع الأموال المجمدة من البنك المركزي الأفغاني بين ممثلي ضحايا 11 أيلول (سبتمبر) في الولايات المتحدة والأعمال الإنسانية في أفغانستان.
- بعد سيطرة طالبان على الحكومة الأفغانية، جمدت حكومة الولايات المتحدة الأصول هذه لمنع نقلها إلى طالبان أو استخدام طالبان لها.
- انتقد البنك المركزي الأفغاني التوزيع المقترح للأصول ووصفه بأنه «ظالم»، واحتج على ذلك بأن هذه الأموال تخص شعب أفغانستان، وهي وجهة نظر رددها على نطاق واسع كثير من الأفغان والجهات الفاعلة في المجتمع المدني.
- هذا القرار الذي اتخذته إدارة بايدن – في محاولة لتعزيز العقوبات ضد طالبان ولإظهار الدعم لضحايا الإرهاب في الولايات المتحدة – يزيد من إضعاف الاقتصاد الأفغاني.
كان العديد من الأطراف يتنافسون للسيطرة على أكثر من 9 مليارات دولار من أصول البنك المركزي الأفغاني المحتفظ بها في وقت استيلاء طالبان على البلاد في آب (أغسطس). 7 مليارات دولار من هذا المبلغ هي في حساب بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في نيويورك. بعد سيطرة طالبان على الحكومة الأفغانية، جمدت حكومة الولايات المتحدة هذه الأصول من أجل منع نقلها إلى طالبان أو استخدام طالبان لها. كما جمّد البنك الدولي وصندوق النقد الدولي حوالي 1.2 مليار دولار من أموال المساعدات التي كانت مخصصة للحكومة السابقة في كابول. غير أن الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن أصدر يوم الجمعة أمرا تنفيذيا يمكّن الإدارة من توزيع الأموال المجمدة من البنك المركزي الأفغاني لدعم المدنيين الأفغان وممثلي ضحايا هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 في الولايات المتحدة. وأشار بيان صادر عن الإدارة إلى أن النية هي «توفير مسار للأموال للوصول إلى الشعب الأفغاني، مع إبقائها بعيدة عن أيدي طالبان والجهات الخبيثة الأخرى».
وتحتج حكومة الولايات المتحدة بأن الأموال التي في نيويورك لا يمكن الإفراج عنها لأن طالبان تسيطر على الحكومة وهي لا تزال مصنفة مجموعة إرهابية بموجب الأمر التنفيذي رقم 13224 (منذ أيلول (سبتمبر) 2001)، وأيضًا بموجب عقوبات الأمم المتحدة وفق قرار مجلس الأمن 1988 (2011). ولم تعترف أي حكومة، بما في ذلك الولايات المتحدة، حتى الآن بحركة طالبان حكومة شرعية لأفغانستان، ولكن حتى لو اتخذت مثل هذه الخطوة فإن هذا لا يعني بالضرورة الإفراج عن الأصول لحكومة تقودها طالبان إذا ظلت طالبان مصنفة منظمة إرهابية. وترى كثير من المنظمات الإنسانية أن نظام الأمم المتحدة لعام 1988 وقائمة العقوبات المفروضة على قادة طالبان، بما في ذلك بعض الذين يشغلون الآن مناصب رئيسية في الحكومة المؤقتة التي أعلن عنها في أيلول (سبتمبر)، واستمرار إدراج بعض الجماعات العاملة في أفغانستان مثل تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان (التابع لداعش) تحت نظام عقوبات مكافحة الإرهاب «1267»، كلها عوامل تعرقل تسليم المساعدات الضرورية لمستحقّيها. ولا تنطوي التصنيفات الأمريكية على استثناء إنساني – وهو استثناء تعتمده بشكل روتيني العديد من قوانين العقوبات الأمريكية والأوامر التنفيذية الأخرى. ولكن أعضاء مجلس الأمن تبنّوا في كانون الأول (ديسمبر) نصًا يتضمن استثناءات مهمة لنظام عقوبات «1988»، وهم يعملون مع أصحاب المصلحة الرئيسيين لتطوير آليات استخدام هذه الاستثناءات.
وقد كان صرف هذه الأصول المجمدة موضع تنازع بين أطراف عدة لها مصالح ومطالبات متضاربة، ويبدو أن لها جميعا بعض الأسس القانونية والأخلاقية والسياسية. ولكن قرار إدارة بايدن سيجعل من الممكن تقديم مساعدات طويلة الأجل لملايين الأفغان الذين هم في أمس للحاجة للمساعدات الإنسانية، على الرغم من أن الأزمة الاقتصادية الرهيبة تركت العائلات من دون نقود كافية لشراء السلع الأساسية على المدى القصير. وتقول الأمم المتحدة إن 22 % من سكان أفغانستان البالغ عددهم 38 مليون نسمة يعيشون في ظروف قريبة من المجاعة وأن 36 % آخرين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد. إن تخصيص ما يقرب من 3.5 مليار دولار من الأصول المجمدة لدعم المدنيين الأفغان – وهي خطوة تدعو إليها المنظمات الإنسانية – من المرجح أن تسهل توفير الأصول مباشرة لوكالات المعونة العالمية عملها المباشر على الأرض؛ إذ تسمح الاستثناءات الإنسانية التي تبنتها الأمم المتحدة مؤخرًا لكياناتها وشركائها بتقديم المساعدة في البلاد. ولن ينتهك مسار العمل هذا أي قوانين أو سياسات عقوبات أمريكية، طالما لم تمر أي أموال عبر أي من أعضاء طالبان، ولا حاجة عندها إلى اتخاذ قرارات أمريكية فورية بشأن الاعتراف بحكومة طالبان أو إلغاء تصنيف طالبان منظمة إرهابية.
إن إيواء طالبان لقيادات القاعدة في وقت هجمات 11 أيلول (سبتمبر) – فضلا عن الاتهامات الموجهة للحركة بمواصلة الارتباط بالقاعدة – لا يزال يتردد صداها في الدوائر الرسمية والقضائية الأمريكية. وفي أعقاب استيلاء طالبان على السلطة في آب (أغسطس)، سعت مجموعة من العائلات التي تمثل حوالي 150 ضحية أمريكية لهجمات 11 أيلول (سبتمبر) إلى المطالبة بأصول البنك المركزي الأفغاني البالغة 7 مليارات دولار والمحتفظ بها في نيويورك دفعةً من حكم أولي (غيابي) صدر في عام 2012 ضد طالبان والقاعدة وأسامة بن لادن وإيران – الذين من الواضح أنهم لم يمثلوا أمام المحكمة. وقد جرى الآن تخصيص نصف الأموال المجمدة من البنك المركزي الأفغاني – حوالي 3.5 مليار دولار – لتكون هدفا للمطالبات القانونية لأقارب ضحايا هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر). وفيما يتعلق بتخصيص الأموال لدعم ضحايا الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، قال الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي، «إننا نتعاطف مع الضحايا [لكن] الشعب الأفغاني هو ضحية تماما مثل تلك العائلات التي فقدت [أبناءها]… إن حجب الأموال أو مصادرتها من شعب أفغانستان باسمهم غير عادل وغير منصف وهو عمل وحشي ضد الشعب الأفغاني». وقد أشار كثير من منتقدي هذه الخطوة التي اتخذتها إدارة بايدن إلى توقيتها السيء وإلى الدمار المحتمل الذي ستحدثه في أفغانستان، كما أنهم أشاروا أيضا إلى أن أيّا من مهاجمي 11 أيلول (سبتمبر) لا ينحدر من أفغانستان، مما يجعل القرار عقوبة للمدنيين الأفغان على فعل لم يرتكبوه، فقط من أجل بعض المكاسب الانتخابية في الفترة التي تسبق انتخابات التجديد النصفي في الولايات المتحدة.
ويحتج قادة طالبان بأن الأصول مملوكة للشعب الأفغاني ويجب الإفراج عنها، بغض النظر عن تصنيف الحركة منظمة إرهابية وبغض النظر عن سجل حقوق الإنسان، ولا سيما في ضوء شراكات الولايات المتحدة مع دول أخرى لديها سجلات متباينة في مجال حقوق الإنسان. وتؤكد طالبان أن الشعب الأفغاني يعاني اليوم بسبب تصورات عن حركة طالبان التي كانت فاعلة في وقت هجمات 11 أيلول (سبتمبر) – بما يتجاهل تعهدات النظام الجديد بتجنب الانتهاكات التي ارتكبت في ظل حكم طالبان السابق خلال السنوات 1996-2001. على أن تقريرا للأمم المتحدة صدر مؤخرًا يزعم أن طالبان استهدفت وقتلت ما لا يقل عن 65 من أعضاء الحكومة السابقة منذ سيطرتها، فإن صح ذلك فإنه بلا شك يشكل تحديا لروايتهم عن كون حكومتهم حكومة شاملة وتمثيلية.
هذا القرار الذي اتخذته إدارة بايدن – في محاولة لتعزيز العقوبات ضد طالبان ولإظهار الدعم لضحايا الإرهاب في الولايات المتحدة – يزيد من إضعاف الاقتصاد الأفغاني بلا شك. وبينما قدمت الولايات المتحدة ما يقرب من 800 مليون دولار من المساعدات الإنسانية لأفغانستان منذ استيلاء طالبان على السلطة، وخففت بعض القيود المفروضة على التحويلات النقدية للأفغان غير الخاضعين للعقوبات، فإن القيود المفروضة على القطاع المصرفي في أفغانستان لا تزال تعرض اقتصاد البلاد للخطر. وعلاوة على ذلك، قال جون سيفتون من هيومن رايتس ووتش: «إذا نُفذ القرار، فسيخلق سابقة إشكالية للاستيلاء على الثروة السيادية، كما أنه لن يقدّم الكثير لمعالجة العوامل الكامنة وراء الأزمة الإنسانية الهائلة في أفغانستان». ونبقى الآن في انتظار أن تقرّ المحاكم الأمريكية المخصصات المقترحة للأموال المجمدة، فالقرار النهائي يبقى بيدها.