أوّل الكلام آخره:
- سعت الغارة الجوية الأمريكية الانتقامية التي استهدفت الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا في 25 شباط / فبراير إلى ردع حلفاء إيران عن شن الهجمات، مع الحد من التصعيد.
- حاولت إدارة بايدن من خلال هذه الضربة داخل سوريا فصل مسار العلاقات الأمريكية العراقية عن المقاربة الجديدة لواشنطن تجاه طهران.
- من غير المرجح أن تمنع مثل هذه الضربات الجماعات المدعومة من إيران من الاستمرار في مهاجمة الأفراد العسكريين الأمريكيين في العراق.
- يخاطر هذا الحدث العسكري بالحملة الدبلوماسية للإدارة الأمريكية الساعية لإعادة إحياء الاتفاق النووي المتعدد الأطراف الذي عقد عام 2015.
في 25 شباط / فبراير، ووفقا لوزارة الدفاع الأمريكية، شنت طائرتان أمريكيتان من طراز اف – 15 غارة على سبع منشآت في شرق سوريا تستخدمها الميليشيات المدعومة من إيران التي كانت قد شنّت هجوم 15 شباط / فبراير على مطار أربيل الدولي والمناطق السكنية المحيطة به في الشمال العراقي حيث سيطرة الأكراد. وذكرت وزارة الدفاع أن الغارة «تتناسب» وحجم الهجوم السابق. وكان هجوم الميليشيات، وهو الأكثر فتكا منذ تولي الرئيس بايدن منصبه، قد أدى إلى مقتل مقاول فيلبيني وإصابة عنصر عسكري أمريكي مقره المطار. وألقى المسؤولون الأمريكيون باللوم في الهجمات على كتائب حزب الله وكتائب سيد الشهداء، وهي كتائب تنشط في العراق وسوريا، وتتبع قيادة فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني. وفي سوريا، تدعم هذه الجماعات وغيرها من الميليشيات المدعومة من إيران نظام الرئيس بشار الأسد. وكان الهدف من الضربة الأمريكية إثبات أن الإدارة الجديدة لن تتعرض للترهيب، في ظل مساعي إيران المبكرة لاختبارها. وفي هذا الصدد خاطب الرئيس بايدن إيران عندما سئل عن الضربة الأمريكية: «لا يمكنك التصرف بمأمن من العواقب، ويجب عليك الاحتراس».
وأشار وزير الدفاع لويد أوستن إلى أن الانتقام الأمريكي قد جرى بناء على توصياته. وبصفته القائد الأعلى لجميع القوات الأمريكية وقوات التحالف في العراق، جادل أوستن ضد الانسحاب الأمريكي الكامل من البلاد عام 2011، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن الانسحاب الأمريكي الكامل من شأنه أن يترك العراق في عرضة أكبر لزيادة النفوذ الإيراني. ومن المرجح أن ينظر الرئيس بايدن ووزير الدفاع أوستن إلى الانتقام الأمريكي على أنه مفيد لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في جهوده المتعثرة لكبح جماح الميليشيات المدعومة من إيران. ومع ذلك، ومن خلال ضرب مرافق الميليشيات العراقية في سوريا، تسعى الإدارة الجديدة إلى تجنب التوتر في العلاقات الأمريكية العراقية. وكانت إدارة ترامب تنتقم من الميليشيات المدعومة من إيران كلما سنحت لها الفرصة داخل الأراضي العراقية، لكنها بذلك غذت المعارضة ضد الحكومة العراقية وضد الوجود العسكري الأمريكي في العراق، مما صب في مصلحة السياسيين الموالين لإيران وأصحاب النفوذ السياسي التابعين للميليشيات المدعومة من إيران. ومنذ اندلاع الثورة في سوريا عام 2011، توقفت العلاقات الدبلوماسية بين نظام الأسد والولايات المتحدة. وعليه، فلن تؤثر الغارة الجوية في شرق سوريا في العلاقات مع الحكومة السورية.
وتعد الضربة الانتقامية الأمريكية رسالة منخفضة المخاطر نسبيا تبعثها الولايات المتحدة إلى طهران، إذ لا تزال قواعد اللعبة الاستراتيجية التي تعتمدها إيران تحبط سياسة الولايات المتحدة وسياستها مع الحلفاء في عدة مواقع على امتداد المنطقة. ولكن بالنظر إلى نطاق الضربة المحدود وقتل ما يصل إلى 17 من مقاتلي الميليشيات العراقية، فإن هذا الانتقام ربما لن يردع حلفاء إيران عن شن المزيد من الهجمات في المستقبل. ولم تتسبب الضربات الواسعة النطاق في ظل إدارة ترامب، بما في ذلك الضربة التي وقعت في 3 كانون الثاني / يناير 2020، والتي أسفرت عن مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني وزعيم كتائب حزب الله أبي مهدي المهندس، في توقف الميليشيات المدعومة من إيران عن شن هجماتها على المنشآت التي يستخدمها الأمريكيون أو في الخضوع بشكل تام لهيكل القيادة العراقية الرسمية.
وأشار بعض النقاد الأمريكيين إلى أن الضربة الأمريكية قد تعطل جهود إدارة بايدن لإشراك إيران دبلوماسيا لاستعادة الاتفاق النووي الإيراني المتعدد الأطراف الذي عقد عام 2015. وقد جادل مؤيدو الضربة بأن الإجراء قد يزيد الأوراق بيد الأمريكيين في أي محادثات جديدة من خلال الإشارة إلى أن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى الانضمام مجددا إلى الاتفاق النووي بأي ثمن. وتنذر الضربة إيران بأنه بغض النظر عن احتمالات الانخراط الدبلوماسي بين الولايات المتحدة وإيران، فإنها ستعاني من عواقب عدة إذا استمرت في شن هجمات على القوات الأمريكية في جميع أنحاء المنطقة. ولا شك في أن الإدارة قد حسبت، وعلى الأرجح بشكل صحيح، أن الضربة لم تكن كبيرة بما يكفي لإبعاد إيران عن الدبلوماسية المقترحة، على الرغم من أن إيران رفضت على ما يبدو اقتراح الاتحاد الأوروبي لترتيب محادثات نووية مباشرة مع إدارة بايدن. وقد ترد إيران بالتحريض على مزيد من الهجمات على القوات الأمريكية في العراق أو بالتصعيد في أماكن أخرى في المنطقة. ويمكن لإيران، على سبيل المثال، استئناف الإجراءات ضد الشحن التجاري في الخليج الفارسي أو تشجيع حلفائها الحوثيين في اليمن على شن المزيد من الهجمات الصاروخية أو الطائرات المسيرة على المملكة العربية السعودية. إن أي عمل عسكري أمريكي أو إيراني في المنطقة، بغض النظر عن هدفه، قد يتسبب في تفاقم التصعيد بين الولايات المتحدة وإيران وعرقلة أي عمل دبلوماسي يخطط له.