أوّل الكلام آخره:
- تفصل سياسة إدارة بايدن، على النقيض من الإدارات السابقة، بين علاقاتها مع العراق وبين الجهود الأمريكية الشاملة لمواجهة إيران.
- يحاول المسؤولون الأمريكيون تجنب تأجيج معارضة الجهات المدعومة من إيران لحكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.
- تهدف زيادة قوات الناتو في العراق، حال إقرارها، إلى إبقاء الوجود العسكري الأمريكي متواضعا مع تمكين القوات الحكومية العراقية .
- خففت إدارة بايدن من الضغط على العراق لقطع علاقاته الاقتصادية مع إيران.
لم تَعدُ سياسة إدارة ترامب تجاه العراق أن تكون هامشا على استراتيجية حملة «الضغط الأقصى» الموجهة تجاه إيران المجاورة. وقد كان تقويم المسؤولين الأمريكيين لقيادات العراق يتركّز في المقام الأول على مدى استعدادهم لكبح جماح العديد من الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران والتي شكلت دورا مهما في التغلب على التحدي الذي مثله تنظيم داعش، لكنها سعت لاحقا إلى طرد القوات الأمريكية من العراق. وقد ضغطت إدارة ترامب على المسؤولين العراقيين للبحث عن مصادر بديلة للكهرباء والغاز الطبيعي ولحجز الدفعات المستحقّة لإيران لقاء تلك السلع والخدمات.
واستنادا إلى الإجراءات التي اعتمدتها إدارة بايدن حتى اليوم، يبدو أن الإدارة تبتعد عن جهود إدارة ترامب لتسخير السياسة تجاه العراق في عملية الضغط على إيران أولا وأخيرا. وفي عام 2019، أيدت إدارة ترامب ترشح مصطفى الكاظمي لرئاسة الوزراء بوصفه شخصية وطنية ستسعى إلى كبح جماح العديد من الميليشيات الشيعية العراقية المدعومة من إيران والتابعة لفيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني. ويبدو أن إدارة بايدن ترى اليوم أن الميليشيات المدعومة من إيران لا تزال تشكل تهديدا لسلطة الكاظمي، وأن الإجراءات الأمريكية يجب أن تتجنب تأجيج المعارضة له وللقوات الأمريكية في العراق، تلك المعارضة التي تحرض إيران عليها. وعقب أول تحد للقوات الأمريكية في العراق، والذي تمثل في هجوم صاروخي قاتل مدعوم من إيران في 15 شباط / فبراير على المطار الذي تستخدمه القوات الأمريكية في شمال العراق، اختارت إدارة بايدن الانتقام من الميليشيات بضرب مخازن أسلحتها في سوريا وليس في العراق.
وبعد أن قدّرت إدارة بايدن بأن الحضور العسكري الأمريكي في العراق يشكل صاعقًا دائما يشعل فتيل الهجمات المدعومة من إيران، قررت على ما يبدو إبقاء ذلك الحضور متواضعا نسبيا. ولم تعلن الإدارة الأمريكية الجديدة عن أي تراجع عن قرار إدارة ترامب المتأخر تخفيض الحضور الأمريكي في العراق من نحو 6,000 عسكري إلى حوالي 2,500 عسكري. ولكنها، بدلا من ذلك، دعمت زيادة عديد بعثة تدريب الناتو في العراق من نحو 500 عنصر ليصل إلى 4000 عنصر. وستمكن هذه الزيادة الكبيرة المدربين والمستشارين في منظمة حلف شمال الأطلسي من تقديم المشورة للقوات العراقية وأفراد الأمن في العديد من المؤسسات وفي مواقع خارج بغداد. ونظرا إلى أن إيران لا تنظر إلى الدول غير الأمريكية في حلف شمال الأطلسي على أنها معادية بطبيعتها، فمن غير المرجح أن تستهدف إيران وحلفاؤها العراقيون وحدة الناتو الموسعة. وسيساعد مدربو الناتو قوات الحكومة العراقية على مواصلة التصدي لتنظيم داعش، ومن خلال المساعدة في إصلاح القطاع الأمني، قد تتمكن حكومة الكاظمي من تهميش الميليشيات المدعومة من إيران. وبهذا، فقد يخدم نشر قوات الناتو مصلحة الولايات المتحدة في الحد من النفوذ الإيراني في العراق بشكل أكثر فعالية من القوات الأمريكية التي نشرت جزئيا لهذا الغرض. وعلى الرغم من أن قوة الميليشيات المدعومة من إيران وقادتها لم تتراجع حتى اليوم، إلا أن النجاحات التي حققتها عمليات نشر قوات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي ضد تنظيم داعش ظهرت بوضوح خلال الزيارة التاريخية التي قام بها البابا في آذار / مارس. وقد سلط ظهور البابا في شمال العراق الضوء على عودة العديد من المسيحيين العراقيين إلى قرى في العراق كانت قد دمرت وخرج سكانها منها خلال فترة سيطرة داعش على تلك المناطق بين 2014 و2018.
وعلى الصعيد الاقتصادي، يبدو أن إدارة بايدن تعمد إلى التقليل من شأن جهود إدارة ترامب في محاولة إجبار العراق على المساعدة في الضغط على إيران اقتصاديا. وعلى الرغم من اعتماد العراق على إمدادات الغاز الإيرانية لتزويد محطات الكهرباء الخاصة به بالوقود، فقد هددت إدارة ترامب مرارا وتكرارا بإنهاء الاستثناءات التشريعية التي يحتاجها العراق لمواصلة استيراد الغاز الإيراني دون فرض عقوبات مالية أمريكية عليه. ولم تكرر إدارة بايدن حتى اليوم إصرار سلفها على أن يقوم العراق بدلا من ذلك باستيراد الغاز من الخليج أو الدول العربية الأخرى. ويقال إن إدارة بايدن تدرس أيضا السماح للعراق بالإفراج عن جزء يقدر بحوالي مليار دولار من الدفعات المستحقة لإيران لقاء شحنات الغاز الإيراني إلى العراق. وكانت هذه الأموال قد وضعت، بناء على إصرار إدارة ترامب، في صندوق الضمان في البنك التجاري العراقي. وستتمكن إيران من استخدام هذه الأموال في شراء الإمدادات الطبية اللازمة لمكافحة وباء كورونا. وعلى الصعيد الاقتصادي والسياسي والعسكري، يبدو أن إدارة بايدن ملتزمة بمساعدة العراق على تطوير هويته الوطنية وسيادته وسلطة دولته بدلا من استخدامه أداة في سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران.