أوّل الكلام آخره:
- مؤخرا، اتخذت شركات وسائل التواصل الاجتماعي، ومنها منصة فيسبوك، إجراءات ضد بعض الجهات المناهضة للدولة وبعض جماعات العنصريين البيض الفاعلة على منصاتها.
- ويرى بعض المحللين أن شركات وسائل التواصل الاجتماعي اضطرت إلى إقصاء حركة «بوغالو بويز» وغيرها عن منصاتها نتيجة صرخات المجتمع المدني فضلا عن عن بعض الخسائر المسجّلة في إيرادات الإعلانات.
- لا يعد إقصاء الجماعات المناهضة للدولة وجماعات العنصريين البيض عن منصات التواصل الاجتماعي حلا شافيا لمشكلة التطرف اليميني، غير أنه مع ذلك يبقى أمرا بالغ الأهمية نظرا لأن المنابر البديلة تفتقر إلى نفس تأثير تلك المنصّات.
- إن تنسيق الجهود بين وسائل التواصل الاجتماعي بمنصاتها المتعددة سيكون وسيلة أكثر فعالية لمواجهة الجهات الخطيرة على الانترنت.
في 30 حزيران / يونيو 2020، أعلن فيسبوك إجراء استراتيجيا واسع النطاق يقضي بإقصاء الحركة المناهضة للدولة المعروفة باسم حركة «بوغالو بويز» عن منصات متعددة من منصات التواصل الاجتماعي. ووفقا للبيان الصحفي لفيسبوك الذي يفصّل عملية الحظر، فإن 220 حسابا على فيسبوك و95 حسابا على إنستغرام و28 صفحة و106 مجموعة شملها هذا الإجراء. وحتى الأسبوع الماضي، كان فيسبوك المنصة المفضلة بين منصات التواصل الاجتماعي لأولئك الذين يعرّفون عن أنفسهم باسم حركة «بوغالو بويز». وخلال الأسبوع نفسه، حظر موقع يوتيوب قناة يديرها ستيفان مولينو، وهي صفحة غالبا ما تروج لجماعات العنصريين البيض ونظريات الهيمنة الذكورية. ومن دون أي شك، توضح هذه الإجراءات المحددة، وغيرها من الإجراءات المتخذة، مثل إزالة يوتيوب لتلفزيون «Red Ice TV» و«Black Pidgeon Speaks»، أن الزخم يتزايد لإزالة المحتوى السام لجماعات العنصريين البيض (والذي غالبا ما يشكل تهديدا). ويبدو أن شركات وادي السيليكون الكبرى تسعى للاستدارة اليوم تمسّكا بمعايير مجتمعها المحلي ومعايير السلامة الخاصة بها، ولكن لا تزال العديد من التساؤلات من غير إجابات واضحة، ومنها ما يتعلّق بدوافع إجراءات الحظر الجديدة هذه وتداعياتها.
ويرى بعض المراقبين أن فيسبوك، على وجه الخصوص، اتخذ إجراءاته الأخيرة بسبب معاناته من الدعاية السلبية في أعقاب رفضه اتخاذ أي إجراء حيال منشور الرئيس ترامب الاستفزازي في أعقاب وفاة جورج فلويد. وفي تغريدة على تويتر ونشرت أيضا على فيسبوك، قال الرئيس بلغة حارقة: «عندما يبدأ النهب، يبدأ إطلاق النار»، وهي جملة مستمدّة من ستينيات القرن العشرين من رئيس شرطة ميامي العنصري كانت تستخدم لترويع أبناء البشرة السمراء. وردا على ذلك، وسم تويتر تغريدة الرئيس بأنها تغريدة تمجد العنف. وتجنب فيسبوك التسرع باتخاذ إجراء مماثل، ممّا أثار غضب الجمهور. وفضلا عن ذلك، قررت 800 شركة في جميع أنحاء العالم، ومنها بعض الشركات البارزة مثل يونيليفر وكوكا كولا، مقاطعة الإعلانات على فيسبوك أو سحب الإعلانات من الموقع لأنها لم تتجاوب كما يجب لوقف تدفق المحتوى البغيض ونشر المعلومات المضللة. ولعبت كارثة العلاقات العامة وفقدان الإعلانات، وهي أهم مصدر للدخل، دورا أساسيا في تسريع اتخاذ منصة فيسبوك قرارا بالبدء في تصنيف المحتوى الّذي ينشئه السياسيون (إذا كان ينتهك أعراف الفايسبوك أو يحرّض على العنف) وفي إجراء الحظر على حركة بوغالو. ولا تعدّ المسألة بالوضوح الذي تصوره وسائط الإعلام أحيانا، فحركة بوغالو تحوّلت من حركة متمحورة على ذاتها إلى حركة تعتمد العنف وظهر ذلك في أول هجمات ناجحة كبيرة لها نفذتها في حزيران / يونيو 2020 في أوكلاند وسانتا كروز في كاليفورنيا. وعلى هذا، وعلى الرغم من الانتقادات التي توجهت لمنصة فيسبوك لبطئها في التصرف على النحو اللازم، إلا أنها في الواقع قد أزالت موادّ تتعلق بحركة بوغالو في أقل من شهر من وقت الهجوم الأول للجماعة.
على أن جملة من التداعيات المحتملة لإجراءات إقصاء الجماعات المتطرفة المناهضة للدولة وجماعات العنصريين البيض تبرز هنا. فمن جهة أولى، لم يقم فيسبوك بإزالة كل صفحة تتعلق بـحركة بوغالو، ويمكن لمتابعي الصفحات المعطلة ببساطة الانتقال إلى المجموعات الموجودة. ومن المفترض أن فيسبوك لم يغلق هذه الحسابات لأنها لم تنتهك المعايير المجتمعية. وإذا اعتمد متشددو «بوغالو بويز» الصفحات المتبقية، فإن لغتها قد تنحو تدريجيا منحى عنفيا. ومن جهة ثانية، يحتفظ «بوغالو بويز» بوجودهم على عدد من منصات التواصل الاجتماعي الرئيسة الأخرى. ونظرا لأن تعطيل منصة فيسبوك لم ينسق مع منصات التواصل الاجتماعي الأخرى، يمكن لأتباع حركة بوغالو توسيع حضورهم على منصات بديلة مثل «بيتشوت» و«جاب» و«تيك توك». ومن جهة ثالثة، سيكون من الطبيعي أن نشهد توسعا كبيرا في عدد الأفراد المتشددين في حركة بوغالو الذين يعتمدون الاتصالات المشفرة، وخاصة في أعقاب هجمات بوغالو التي أحبطت مؤخرا في أركنساس ونيفادا، وهو ما يدل على أن أجهزة الدولة تراقب الحركة عن كثب.
ولا تزال التوصيات العامة الواردة في تقرير مركز صوفان لشهر أيلول / سبتمبر 2019 حول التطرف العابر للحدود الوطنية لجماعات العنصريين البيض في محلّها اليوم. وفي حين أن العديد من تلك التوصيات، مثل استخدام العقوبات والحظر لمواجهة بعض جماعات العنصريين البيض وتقليص حضورها في العالم الافتراضي، قد اعتمدت بطريقة مجتزأة، إلا أن ما يمكن إنجازه أكثر من ذلك بكثير. ويعد تعطيل الشبكات المخصصة لتلك المجموعات على وسائل التواصل الاجتماعي خطوة إيجابية، ولكن ما قد يكون أكثر فعالية هو تنسيق منصات يوتيوب وتويتر وفيسبوك جهودها في هذا الإطار. وفي حال جرى مثل هذا التنسيق، فسيكون من الصعب على الجهات الفاعلة على منصات الإنترنت نشر المحتوى البغيض كالسابق. وفي حين أن فعل التنسيق هذا قد يكون صعبا، فإن اللجنة الاستشارية المشتركة لمنتدى الإنترنت العالمي لمكافحة الإرهاب قد يكون لديها القدرة والتأثير على تنسيق العمل بين شركات وادي السليكون. وقد أعلن منتدى الإنترنت العالمي لمكافحة الإرهاب في 23 حزيران / يونيو، تنصيب مدير جديد، وهو نيكولاس راسموسن، المدير السابق للمركز الوطني لمكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة. وقد تسهل خبرة راسموسن في تنسيق العمل المعقد إنجاح الجهود لمكافحة الدعاية المناهضة للدولة وتلك التي تنشرها جماعات العنصريين البيض على الإنترنت.