أوّل الكلام آخره:
- تهدد دورة جديدة من الهجمات والردود بين إيران وخصومها الاستقرار الإقليمي واحتمال إحياء الاتفاقية النووية الإيرانية المتعددة الأطراف التي عقدت عام 2015.
- أظهرت إسرائيل قدرة ملحوظة على تنفيذ عمليات تستهدف مسؤولين إيرانيين داخل إيران.
- يبدو أن القادة الإيرانيين قرروا الانتقام من الولايات المتحدة ردًا على الجهود الأمريكية لفرض عقوبات على إيران.
- تواصل إيران دعم الهجمات على الأفراد الأمريكيين في العراق لمحاولة تقليص النفوذ الأمريكي هناك.
أدى عام من الحوار بين إيران والمملكة العربية السعودية، ووقف إطلاق النار في الربيع والصيف في اليمن، إلى زيادة آمال المجتمع الدولي في إمكانية تجنب تكرار الدورات السابقة للعنف المرتبط بإيران في منطقة الخليج العربي. ولكن الخلاف بين إيران وخصومها عاد وتأجج اعتبارًا من أوائل حزيران (يونيو)، مما ساهم في مزيد من التزعزع في استقرار أسواق الطاقة العالمية (غير المستقرة أصلا) وألحق الضرر بآفاق الحوار والتفاوض بشأن بؤر التوتر الإقليمية، مثل الصراع في اليمن. ولا يبدو أن بين الأعمال العدائية الأخيرة والاحتجاجات المتواصلة داخل إيران صلة مباشرة. ومنذ أسابيع، كان المسؤولون الإيرانيون يحاولون التعامل مع الاحتجاجات المرتبطة بالظروف الاقتصادية، ومؤخرا تلك المرتبطة بانهيار برج في عبادان، جنوب غرب إيران، ومقتل أكثر من 40 شخصا.
وربما يأتي التهديد الأكبر للاستقرار الإقليمي في شكل سلسلة من العمليات الإسرائيلية الخاصة الظاهرة داخل إيران، والموجهة ضد الحرس الثوري الإسلامي والمشاريع العسكرية الإيرانية في إيران. وقد أعلن الحرس الثوري الإيراني أن حسن صياد الخضيري، وهو ضابط في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني والذي يسلح ويدرب الحركات الموالية لإيران في المنطقة، قد اغتيل في طهران في 22 أيار (مايو). وأعلنت طهران أن الضابط المذكور كان في قوات فيلق القدس التي عملت في سوريا لدعم نظام الرئيس بشار الأسد. ويذكرنا الهجوم بهجوم تشرين الثاني (نوفمبر) 2020 الذي استهدف العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده. وفي 25 أيار (مايو)، وفي عملية أكثر طموحا نُسبت أيضًا إلى إسرائيل، قصفت طائرات بدون طيار قصيرة المدى من داخل حدود إيران منشأة بارشين المترامية الأطراف، والمرتبطة ببرنامج الطائرات بدون طيار الإيراني. وتشتبه إسرائيل والولايات المتحدة في أن إيران قد أجرت أبحاثًا تتعلق بالسلاح النووي في بارشين. وقد نفى المسؤولون الإيرانيون ذلك باستمرار. ولأنها منشأة عسكرية غير نووية بحسب زعم المسؤولين فهي محظورة على مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بموجب آليات الاتفاق النووي الإيراني. وتظهر الهجمات قدرة إسرائيل الكبيرة على تجنيد عملاء لها داخل إيران أو نشرهم لتنفيذ هجمات متطورة داخل البلاد. ومع ذلك، وبسبب حساسية إيران بشأن الوصول الدولي إلى بارشين، فإن ضربة أيار (مايو) ستزيد بالتأكيد من تعقيد المحادثات المتعددة الأطراف المتوقفة لاستعادة الاتفاق النووي الإيراني. ولطالما جادل القادة الإسرائيليون بأنه، حتى إذا تم إحياء الاتفاق النووي، فإن إيران لديها طموحات نووية على المدى الطويل وأنه ينبغي على المجتمع الدولي أن يكون مستعدًا لاستخدام أي وسيلة ضرورية لمنع قيام إيران مسلحة نوويًا.
وفي نهاية شهر أيار (مايو)، بدا واضحا أن القادة الإيرانيين قرروا إثبات أن البلاد في وضع يمكنها من إظهار القوة والدفاع عن مصالحها، حتى لو لم ينتقموا بشكل مباشر من إسرائيل. ففي 27 أيار (مايو)، صرح الحرس الثوري الإيراني بأن القوات البحرية قد استولت على ناقلتي نفط يونانيتين قبالة ساحل الخليج الفارسي. وجاء الاستيلاء بمثابة رد مباشر على دور اليونان في مصادرة الولايات المتحدة النفط الخام من الناقلة لانا (بيجاس سابقا) التي كانت ترفع العلم الإيراني في نيسان (أبريل). وكانت لانا من بين خمس سفن حددتها واشنطن، قبل يومين من الغزو الروسي لأوكرانيا، لفرض عقوبات علىPromsvyazbank وهو بنك يُنظر إليه على أنه بالغ الأهمية لقطاع الدفاع الروسي. ويبدو أن استيلاء اليونان على لانا كان محاولة لفرض عقوبات على روسيا – لا لفرض العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة على صادرات النفط الإيرانية. وتفرض عقوبات الطاقة المتعلقة بإيران بشكل عام من خلال عقوبات مالية وتجارية، وليس من خلال مصادرة السفن أو حمولتها. ومع ذلك، يبدو أن الاستيلاء الإيراني على السفينتين اليونانيتين – ومصادرة طهران لشحنها من النفط – يمثل تصعيدًا من جانب طهران ضد الضغط الاقتصادي الأمريكي. ومن الواضح أن طهران تحسب أن أفعالها يمكن أن تردع الولايات المتحدة عن فرض عقوبات أكثر شدة ضد إيران في حالة انهيار المفاوضات لاستعادة الاتفاق النووي المتعدد الأطراف بالكامل.
وسعت طهران إلى تعزيز رسالتها للولايات المتحدة بأحدث سلسلة من الهجمات التي استهدفت موظفين أمريكيين في العراق. ولم يتراجع القادة الإيرانيون قط عن تعهدهم بالانتقام لمقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني في كانون الثاني (يناير) 2020 بطرد جميع العسكريين الأمريكيين من العراق. وفي 30 أيار (مايو)، أطلقت مجموعة عراقية تطلق على نفسها اسم «المقاومة الدولية» (وهي بلا شك تتبع كتائب حزب الله) خمسة صواريخ غراد على قاعدة عين الأسد الجوية في محافظة الأنبار بغرب العراق. وعلى الرغم من أن الصواريخ سقطت بالقرب من مكان إيواء الجنود الأمريكيين، إلا أن الأضرار التي أبلغ عنها كانت طفيفة ولم تقع إصابات. وينتشر العديد من القوات الأمريكية التي لا تزال في العراق وعددها 2500 جندي في قاعدة الأسد، التي كانت مركز الضربة الصاروخية الباليستية الإيرانية بعيدة المدى في كانون الثاني (يناير) 2020 والتي مثلت انتقام طهران الأولي لمقتل سليماني. كما هاجمت الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران سياسيين عراقيين، بمن فيهم رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي، الذين يريدون بقاء القوات الأمريكية في العراق لتقديم المشورة للقوات الحكومية في القتال ضد تنظيم داعش. ولم تحقق الاستفزازات الإيرانية الأخيرة بشكل مباشر أي أهداف استراتيجية واضحة. ومع ذلك، فإن رغبة طهران في اتخاذ إجراءات عدوانية دفعت الولايات المتحدة وإسرائيل ودول الخليج إلى إعادة النظر في كيفية الضغط على النظام الإيراني. ويبدو أن ردع أعداء إيران هدف يراه القادة الإيرانيون قابلًا للتحقيق.