أوّل الكلام آخره:
- يُعد رفض الولايات المتحدة إزالة الحرس الثوري الإسلامي الإيراني عن قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية النقطة الشائكة الرئيسية المتبقية لإحياء اتفاقية إيران النووية المتعددة الأطراف التي عقدت عام 2015.
- يعد البعض تصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية أجنبية أمرًا مثيرًا للجدل، لأن هذا التصنيف يستهدف الجماعات الإرهابية، وليس مكونات الحكومات الوطنية.
- سيظل الحرس الثوري الإيراني خاضعًا لمجموعة واسعة من العقوبات الأمريكية حتى لو ألغي تصنيفه منظمة إرهابية أجنبية.
- على أن تأثر عمليات الحرس الثوري الإيراني في المنطقة بالعقوبات الأمريكية التصاعدية التي فرضت عليه منذ عام 2007 ليس جليًّا ويبدو أحيانا أن هذه العقوبات جاءت بنتائج عكسية.
في فيينا بالنمسا تفاوضت مجموعة الخمسة زائد واحد والتي تضم الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا وروسيا والصين مع إيران على مدار العام المنصرم لاستعادة الامتثال الكامل للولايات المتحدة وإيران لمقتضيات الاتفاق النووي الذي عقد سنة 2015. وكانت تلك الاتفاقية تقضي بفرض قيود صارمة على البرنامج النووي المدني الإيراني مقابل تخفيف العقوبات الأمريكية الشاملة التي أوقعت الاقتصاد الإيراني في ركود حاد، وحدت إلى حد كبير من صادرات إيران من النفط الخام. وقد انسحبت إدارة ترامب من الاتفاقية في عام 2018، وأعادت فرض جميع العقوبات الأمريكية، واعتمدت سياسة «الضغوط القصوى»، التي لم تهدف إلى شل برامج إيران النووية والتسليحية فحسب، بل إلى تقليص نفوذ إيران الإقليمي.
وفي إطار تنفيذ سياسة الضغوط القصوى، فرضت الولايات المتحدة سلسلة من العقوبات الإضافية غير تلك التي كانت سارية قبل الاتفاق النووي. ومن بين الإجراءات المضافة، تصنيف الحرس الثوري الإيراني في نيسان (أبريل) 2019 منظمة إرهابية أجنبية بموجب قانون صدر عام 1996 كان يستهدف الجماعات الإرهابية. ولا شك أن العديد من الجماعات الإرهابية تتلقى دعما من بعض الحكومات، لكن تصنيف الحرس الثوري الإيراني كان مثيرًا للجدل، لأنه يمثل المرة الأولى التي تصنف فيها قوة مسلحة حكومية منظمة إرهابية. كما أن كثيرين رأوا أنه لا لزوم لمثل هذا التصنيف أصلا طالما أن الولايات المتحدة تعد إيران منذ فترة طويلة دولة راعية للإرهاب. ويجادل آخرون بأن التصنيف مناسب، لأن الحرس الثوري الإيراني يشارك في الإرهاب ويسهله. علاوة على ذلك، فإن التصنيف يعيق الحرس الثوري الإيراني بطرق مهمة، بما في ذلك منع أعضائه من السفر إلى الولايات المتحدة والسماح لضحايا الإرهاب بمقاضاة الأفراد أو الكيانات التي تساعد الحرس الثوري. ويعدّ قادة إيران أن هذا الوسم إهانة لمنظمة تحظى بالاحترام داخل إيران. ويتمتع الحرس الثوري الإيراني بدعم شعبي داخل إيران، كما أن كثيرين يرون فيه الذراع المدافعة عن إيران من خلال دعم الفصائل القوية في المنطقة التي يمكنها التأثير على حكوماتها الوطنية لتبني سياسات مواتية لإيران.
أعطى قرار الولايات المتحدة التفاوض بشأن العودة إلى الاتفاقية النووية الإيرانية فرصة لطهران لمطالبة الولايات المتحدة بإلغاء تصنيف الحرس الثوري الإيراني على أنه منظمة إرهابية أجنبية. وتشير الولايات المتحدة ومعها المفاوضون النوويون الآخرون في فيينا إلى أن مطلب طهران بشأن تصنيف الحرس الثوري الإيراني هو آخر عقبة رئيسية متبقية أمام تحقيق اتفاق. وحتى الآن رفض المفاوضون الأمريكيون الانصياع لهذا المطلب، وذلك لعدم رغبتهم في أن يظهروا في الداخل الأمريكي بمظهر المتساهلين مع إيران أو مع الإرهاب، ولأن العقوبات المفروضة على الحرس الثوري الإيراني لم تكن من العقوبات التي ينبغي رفعها بموجب الاتفاقية الأصلية. وقد اقترح المفاوضون الأوروبيون (ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة) حلًا وسطًا يرفع فيه هذا التصنيف إذا التزمت طهران علنًا «بخفض التصعيد» في المنطقة، على الرغم من قلة الثقة بوفاء الإيرانيين بوعودهم. ولا سيما أن النشاط الإقليمي من خلال الوكلاء يعد حجر الزاوية في سياسة إيران الأمنية وقدرتها على استعراض قوتها في الشرق الأوسط. ولم تقبل أي من الولايات المتحدة أو إيران، حتى الآن، الاقتراح هذا، وظلت محادثات فيينا متوقفة جزئيًا نتيجة لذلك.
ومع ذلك، يرغب قادة الولايات المتحدة إنجاز العودة إلى الاتفاق لتمكين إيران من زيادة صادراتها من النفط بشكل كبير، مما يخفف من ارتفاع أسعار النفط العالمية الناجم عن الغزو الروسي لأوكرانيا. ومن خلال التأكيد على أن إدراج الحرس الثوري في قائمة المنظمات الإرهابية كان أمرا رمزيا سعى المفاوضون الأمريكيون إلى استباق النقد الذي قد ينتج عن قرارهم قبول موقف طهران. ويشير المسؤولون الأمريكيون إلى أن الحرس الثوري الإيراني يخضع منذ فترة طويلة للعقوبات الأمريكية التي تعادل تلك التي فرضها الإدراج في قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، وهذه العقوبات ستظل قائمة حتى إذا ألغي هذا التصنيف. ففي تشرين الأول (أكتوبر) 2007، فُرضت عقوبات على الحرس الثوري الإيراني بموجب أمر تنفيذي يستهدف الكيانات الداعمة لانتشار السلاح. وفي الوقت نفسه، صنف فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني مجموعة إرهابية بموجب أمر تنفيذي صدر عام 2001 (وهو تصنيف أقل أهمية من الإدراج في قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية) بسبب دوره في دعم الفصائل المسلحة الإقليمية مثل حزب الله اللبناني. وفي حزيران (يونيو) 2011، صنف الحرس الثوري الإيراني على أنه منتهك لحقوق الإنسان بموجب أمر تنفيذي منفصل. وفي تشرين الأول (أكتوبر) 2017، صنف الحرس الثوري الإيراني بالكامل كيانا إرهابيا بموجب الأمر التنفيذي لعام 2001. وكما هي الحال مع تصنيف الحرس منظمة إرهابية أجنبية عام 2019، فإن جميع الأوامر التنفيذية التي عوقب الحرس بموجبها تغلق سوق الولايات المتحدة أمام أي شركة أجنبية تقرر أن تتعامل مع الحرس الثوري الإيراني. على أن تصنيف الحرس منظمة إرهابية أجنبية يسمح أيضا بتوجيه التهم الجنائية إلى أي مواطن أمريكي يزود الحرس الثوري الإيراني بـ «الدعم المادي»، مثل التبرع المالي والمعلومات والوصول إلى المرافق وما إلى ذلك.
يوضح الخلاف بين الولايات المتحدة وإيران حول تصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية أجنبية استحكام العداء التاريخي بين البلدين، وهو الذي حال، حتى الآن، دون أي تحسن كبير في العلاقات بينهما. قد يرفع الحرس الثوري الإيراني عن القائمة في نهاية المطاف، مما يمهد الطريق للعودة المتبادلة إلى الاتفاق النووي. ولكن، انطلاقًا من صعوبة إحياء اتفاقية محدودة تفاوض عليها الطرفان سابقًا، ومن العديد من الملفات الإضافية التي لا تزال محل نزاع، فمن الصعب تصور احتمال تطبيع العلاقات الأمريكية مع إيران.