أوّل الكلام آخره:
- تشير الموجة الجديدة من الهجمات المدعومة من إيران على منشآت حيوية متصلة بالأمريكيين في العراق إلى أن إيران تستبعد احتمال انتقام الولايات المتحدة.
- وتشير الضربات المدعومة من إيران في العراق إلى تعثر جهود مصطفى الكاظمي، رئيس الوزراء العراقي الجديد، التي تهدف إلى كبح الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران وإخضاعها لسيطرة الحكومة.
- يؤكد تزامن الهجمات الجديدة مع افتتاح الولايات المتحدة والعراق «حوارهما الاستراتيجي» على أن نية طهران طرد القوات الأمريكية من العراق والحد من نفوذ واشنطن في بغداد ما زالت قائمة.
- تسعى إدارة ترامب إلى منع حدوث المزيد من الضربات المدعومة من إيران من خلال تأكيد محدودية تأثرها بالضغط الإيراني وقدرتها على التصعيد باستخدام القوة ضد إيران.
يعد الهجوم الصاروخي الذي استهدف السفارة الأميركية في بغداد في 18 حزيران / يونيو الهجوم الخامس من نوعه خلال فترة عشرة أيام، وكانت كلها تستهدف منشآت تتمركز فيها القوات الأمريكية مع موظفين حكوميين. فاستهدفت إحدى الهجمات مطار بغداد الدولي بينما استهدف هجوم آخر معسكر التاجي، وهو قاعدة عسكرية شمال بغداد. أما الضربات الثلاث المتبقية فقد استهدفت ما يسمى بـ «المنطقة الخضراء» قرب مقر السفارة الأميركية حيث يعمل ويقيم موظفون عراقيون ودبلوماسيون أمريكيون. ووقعت إحدى الهجمات ليلة افتتاح «الحوار الاستراتيجي» بين الولايات المتحدة والعراق في 11 حزيران / يونيو الذي عقد لتحديد شروط العلاقة الأمنية والسياسية والاقتصادية الطويلة الأمد بين الولايات المتحدة والعراق. ويرى أغلب المحللين أن الهجمات من تنفيذ الميليشيات الشيعية التي تأتمر بأمر فيلق القدس في الحرس الثوري الإسلامي الإيراني، وقد حدثت بعد فترة من الهدوء دامت ثلاثة أشهر أدى خلالها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي اليمين الدستورية في 7 أيار / مايو.
وتثير سلسلة الهجومات الأخيرة الشكوك حول ادعاءات الحكومة الأمريكية والمسؤولين العسكريين والعديد من الخبراء بأن إيران قد «ردعت» بفعل الضربة الأمريكية في العراق التي أودت بحياة قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني وحياة ابي مهدي المهندس قائد احدى الميليشيات الشيعية العراقية المهمة في 3 كانون الثاني / يناير 2020. وفي تصريحات عقب ضربة سليماني، قدر قائد العمليات الوسطى الجنرال كينيث ماكنزي وقادة أمريكيون آخرون أن إيران ستتجنب المزيد من الهجمات على القوات الامريكية خوفا من الانتقام الأمريكي. ولكن الجنرال ماكنزي تراجع عن موقفه بعد سلسلة الهجمات الأخيرة المدعومة من إيران، ففي 19 حزيران / يونيو أكد الجنرال ماكنزي في تصريح له، أن الكلمة النهائية في التصعيد القائم ستبقى للولايات المتحدة إذا ما قررت إيران التمادي في أعمالها العدائية. ومع ذلك، فقد تشير الضربات الصاروخية الجديدة إلى أن إيران لا تخشى التصعيد الأمريكي، وأنها مستعدة للمخاطرة لجر الولايات المتحدة إلى الانخراط العسكري بما من شأنه أن يجعل الرئيس ترامب يخل بوعوده المتكررة بأنه لن يسمح بجر الولايات المتحدة إلى حرب أخرى في الشرق الأوسط.
لم تتخط الهجمات الأخيرة «الخط الأحمر» الأمريكي المتمثّل بوقوع خسائر بشرية أمريكية. ولكن هذه الهجمات تشير بوضوح إلى أن إيران تواصل السعي لتحقيق هدفها الأساسي ألا وهو انسحاب القوات الأمريكية من العراق. وبالفعل، ساهمت الهجمات السابقة في قرار الولايات المتحدة بتجميع قواتها في ست قواعد دفاعية فقط. وصدر بيان عن جلسة الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق في 11 حزيران / يونيو يشير إلى أن الهدف الإيراني قد يكون قريب المنال، فقد نص البيان المشترك الختامي إلى أن «الولايات المتحدة ستواصل سحب قواتها من العراق وتناقش مع حكومة العراق وضع القوات المتبقية فيما تصرف الدولتان تركيزهما نحو تطوير علاقة أمنية ثنائية قائمة على المصالح البينية القوية». وأوضح مسؤولون أمريكيون أن الجدول الزمني لإتمام الانسحاب الأمريكي سيناقش في جلسة متابعة في تموز / يوليو، وأنه من المرجح أن يبقى بعض المدربين الأمريكيين في العراق لفترة طويلة للمساعدة في منع عودة ظهور تنظيم داعش. وفي 19 حزيران / يونيو، صرح الجنرال ماكنزي بـ«أن انسحابنا لن يكون استجابة للضغوط الإيرانية» في اعتراف منه بأن الهجمات المتجددة المدعومة من إيران تظهر بمظهر المحرك لتسريع وتيرة انسحاب القوات الأمريكية.
وبالنسبة للعراق الذي يقع بين ناري شريكيه، إيران والولايات المتحدة، فإن استئناف الهجمات المدعومة من إيران يمثل تحديا لحكومة مصطفى الكاظمي الجديدة. وفور توليه منصبه في أيار / مايو، سعى الكاظمي إلى وضع قوات الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران تحت سيطرة الحكومة. وفي حين أن قادة الميليشيات المدعومة من إيران قد أشاروا في البداية إلى استعدادهم للعمل مع الكاظمي، تشير الهجمات الجديدة إلى أن هذه التصريحات لم تكن صادقة. كما أن عجز الكاظمي الواضح في منع شن هجمات الميليشيات المدعومة من إيران على المنشآت التي يتمركز فيها الأفراد الأمريكيون، وزيادة وتيرة هجمات تنظيم داعش في جميع أنحاء البلاد، يقوضان صورته بوصفه زعيما قويا ولمّا يمض على استلامه الحكم ستة أشهر. وبعد بدايته المبشّرة، يبدو أن الكاظمي قد يعجز أمام التحديات نفسها التي كانت سببا في استسلام أسلافه.