أوّل الكلام آخره:
- عكست الهجمات المدعومة من إيران على القوات الأمريكية وحلفائها في أوائل كانون الثاني (يناير) استمرار إيران في مساعيها للانتقام لمقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني قبل عامين.
- من الناحية الاستراتيجية، تسعى إيران لإظهار قدرتها على تهديد الولايات المتحدة وحلفائها في أي مكان في المنطقة وفي أي وقت.
- يعتقد القادة الإيرانيون أن الهجمات ستدفع الولايات المتحدة إلى تقليص حضورها العسكري في المنطقة وستخيف الخصوم الإقليميين.
- من غير المرجح أن تعرقل الهجمات المحادثات الجارية لاستعادة امتثال الولايات المتحدة وإيران للاتفاق النووي الإيراني المتعدد الأطراف الذي عقد عام 2015 ما لم تقع خسائر أمريكية كبيرة في الأرواح.
في الأيام التي أحاطت بالذكرى الثانية لهجوم 3 كانون الثاني (يناير) 2020 الذي أسفر عن مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني (الذي يحظى باحترام واسع في إيران)، كثف حلفاء إيران الإقليميون هجماتهم على القوات الأمريكية في العراق وسوريا وعلى حلفاء الولايات المتحدة. وفي الأسابيع الأخيرة، أمطرت الصواريخ قاعدة «القرية الخضراء» في شرق سوريا، والتي تضم حوالي 900 جندي أمريكي منتشرين في سوريا. وخلال الفترة من 2 إلى 4 كانون الثاني (يناير)، سعت طائرات مسلحة بدون طيار لضرب القوات الأمريكية في معسكر النصر بالقرب من مطار بغداد الدولي – وهو المركز الحيوي الأبرز للـ 2500 جندي أمريكي في العراق – وكذلك قاعدة عين الأسد الجوية في غرب العراق، التي كانت قد استهدفتها الضربة الصاروخية الباليستية الإيرانية في كانون الثاني (يناير) 2020 ردا على مقتل سليماني، والتي تسببت في إصابات دماغية لأكثر من 100 عسكري أمريكي. وقد أحبطت جميع الهجمات الأخيرة بواسطة أنظمة الدفاع الأمريكية فلم تتسبب في سقوط ضحايا أمريكيين، لكنها ألحقت بعض الأضرار المادية ببعض المنشآت. وفي سوريا، أطلقت القوات الأمريكية في القرية الخضراء نيران المدفعية الأرضية لصد ما اشتبهت في أنه هجوم وشيك. وعند سؤال السكرتير الصحفي للبنتاغون جون كيربي في 5 كانون الثاني (يناير)عن المسؤول عن هذه الهجمات، أشار بوضوح إلى أنها كانت برعاية إيران، قائلاً: «هذا النوع من الهجمات يماثل إلى حد كبير ما رأيناه في الأشهر بل السنوات الأخيرة من هجمات نفذتها مجموعات الميليشيات التي تدعمها إيران. وهكذا يبقى افتراضنا على المستوى العملي أن هذه في الواقع مجموعات مدعومة من إيران».
وفي سياق منفصل، استولى «الحوثيون» الشيعة الزيديون المدعومون من إيران والمتمركزون في ميناء الحديدة على البحر الأحمر باليمن على سفينة روابي التي ترفع علم الإمارات العربية المتحدة في 3 كانون الثاني (يناير)، بدعوى أنها تحتوي على معدات عسكرية. وقد زعمت السعودية، شريك الإمارات في التحالف الذي يقاتل الحوثيين في اليمن، أن السفينة كانت في المياه الدولية وأنها لم تكن تحمل إلا معدات طبية. وقالت وسائل إعلام إيرانية، نقلًا عن مصادر حوثية، إن المصادرة نتجت عن عملية معقدة خُطّط لها بشكل منهجي.
وقد أرجع المسؤولون الأمريكيون موجة الهجمات الأخيرة إلى تأكيدات القادة الإيرانيين بأنهم سيواصلون محاولة الانتقام لمقتل سليماني، غير أن الضربات تعزز أيضًا أهداف طهران الاستراتيجية الأوسع. وبحسب كيربي: «من الصعب أن نعرف بقدر كبير من التحديد واليقين… ما الذي يفسر تكرار هذه الهجمات… من المحتمل بالتأكيد أن يكون ذلك مرتبطًا بذكرى مقتل سليماني. ومن الممكن بالتأكيد أن يكون مرتبطًا بتغيير المهمة»، ويعني بذلك تحول مهمة القوات الأمريكية في العراق من مهمة قتالية إلى مهمة استشارية، وذلك اعتبارًا من 31 كانون الأول (ديسمبر). ويرى كثير من الخبراء منذ فترة أن إيران حددت شكل «الانتقام» لمقتل سليماني، وجعلته متمثلا بطرد جميع القوات الأمريكية من العراق، على نحو قد يكرس تبعية العراق لإيران. ويشير بيان كيربي إلى أن إيران تفسر تحويل المهمة في العراق، إلى جانب الانسحاب من أفغانستان، شاهدا على أن الهجمات المتكررة على القوات الأمريكية يمكن أن تفرض انسحابًا مماثلًا من العراق، وبالتالي يمكنها أن تقلص من الوجود الأمريكي في المنطقة. وتشير الهجمات الأخيرة أيضا إلى أن القادة الإيرانيين يواصلون استعراض قوتهم ليس أمام الولايات المتحدة فحسب، بل أمام حلفائها أيضا كإسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وآخرين، وإظهار أن إيران يمكنها أن تستخدم قوتها في جميع أنحاء المنطقة وفي الوقت الذي تشاؤه من خلال الفصائل المسلحة المتحالفة التي تتزايد قوة يوما بعد يوم. وكانت الهجمات الإيرانية والمدعومة من إيران، ولا سيما الضربة الصاروخية الإيرانية على منشآت النفط السعودية في أيلول (سبتمبر) 2019، قد دفعت دول الخليج إلى فتح قناة للحوار مع طهران لتهدئة التوترات، متراجعة إلى حد بعيد عن حملتها العلنية لمواجهة إيران.
أما عن أثر هذه الهجمات المدعومة من إيران على المحادثات الجارية في فيينا بين إيران والقوى العالمية بشأن الاستعادة المحتملة للاتفاقية النووية الإيرانية المتعددة الأطراف التي وقعت عام 2015 والتي انسحبت منها إدارة ترامب في عام 2018، فلا يبدو أنه سيكون كبيرا، إذ لم يسبق للإجراءات التي قامت بها إيران – بما في ذلك توسيع برنامجها النووي إلى ما هو أبعد من المعايير المحددة في الاتفاق النووي – أن أدت إلى إخراج المحادثات عن مسارها. ويبدو أن إدارة بايدن ترى أن الفوائد الاستراتيجية للعودة إلى الاتفاق تفوق أي آثار قد تترتب على الخروج من المحادثات لصالح عقوبات جديدة أو عمل عسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية. كما أن دعم إيران للهجمات في المنطقة لم يرافقه تشدد زائد في موقفها في المحادثات النووية. وعلى العكس من ذلك، قال وزير الخارجية الفرنسي إيف لودريان للصحفيين في 7 كانون الثاني (يناير): «ما زلت مقتنعًا بأنه يمكننا التوصل إلى اتفاق… كنا نسير في اتجاه إيجابي في الأيام القليلة الماضية، لكن الوقت جوهري، لأنه ما لم نتوصل إلى اتفاق سريع، فلن يكون من شيء للتفاوض عليه». ومع ذلك، فإذا أدى هجوم تدعمه إيران إلى مقتل عدد كبير من الأفراد العسكريين أو المدنيين الأمريكيين أو إصابتهم، فقد يصعب التزام الفصل بين المحادثات. والاشتباكات الإقليمية. إن هجومًا إيرانيًا كبيرًا يتسبب في وقوع إصابات، إلى جانب انهيار المحادثات النووية، سيؤدي بلا شك إلى اتساع نطاق الصراع الإقليمي في ظل غياب أي مسار واضح لوقف التصعيد.