أوّل الكلام آخره:
- يتبادل القادة الإيرانيون مجموعة من الزيارات مع قادة المنطقة لإخراج طهران من عزلتها.
- تمثل زيارة الرئيس السوري بشار الأسد لإيران محاولته لتعزيز الدعم الخارجي لبلاده وسط انشغال روسيا بحربها على أوكرانيا.
- يضغط قادة دول الخليج على طهران لتقديم تنازلات بشأن القضايا العالقة التي تعرقل إحياء الاتفاقية النووية الإيرانية المتعددة الأطراف التي عقدت عام 2015.
- تتطلع عُمان إلى إيران من أجل الحصول على استثمارات جديدة وإمدادات من الغاز الطبيعي، فضلًا عن ضمان تعاونها في إنهاء الحرب في اليمن المجاور.
تشير الموجة الأخيرة من الزيارات الرفيعة المستوى بين إيران ودول المنطقة إلى أن طهران تنجح في حملتها للخروج من عزلتها، على الرغم من أن تلك الزيارات لم تخفف من الحذر السائد في المنطقة من طموحات إيران النهائية. وخلال شهر أيار (مايو)، زار كل من الرئيس السوري بشار الأسد وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني طهران على التوالي للقاء المرشد الأعلى علي خامنئي والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، كما زار رئيسي سلطنة عمان للقاء السلطان هيثم بن طارق آل سعيد. وتعد قطر وعُمان حليفين قديمين للولايات المتحدة، ويعكس انفتاحهما على إيران، جزئيًا على الأقل، نية البلدين لتعزيز مصالح دول الخليج العربي من جهة ومصالح الولايات المتحدة من جهة أخرى. وعلى النقيض من ذلك، يعد الأسد خصمًا للولايات المتحدة وأحد أعمدة «محور المقاومة» الإيراني الذي يواجه ما تزعم إيران أنه مسعى أمريكي وإسرائيلي للهيمنة على المنطقة.
وتمثل زيارة الأسد في أوائل أيار (مايو) إلى طهران – التي زارها آخر مرة في شباط (فبراير) 2019 – محاولة منه لضمان أنه، مع انخراط روسيا بشدة في حربها على أوكرانيا، لديه ما يكفي من الدعم الخارجي لإبقاء المتمردين المسلحين خارج نطاق التهديد المباشر لسلطته. وقد كان التدخل العسكري الإيراني والروسي خلال الفترة من 2013 إلى 2015 عاملًا رئيسيًا في هزيمة الأسد للتمرد الذي بات اليوم إلى حد كبير محاصرا في محافظة إدلب. وقد ورد أن روسيا استقدمت بعض قواتها النظامية والمتعاقدة (من مجموعة فاغنر) من سوريا وليبيا وأعادت نشرها في أوكرانيا لتعويض الخسائر الفادحة التي منيت بها قواتها هناك. ولا شك أن الأسد يخشى أن يؤدي انسحاب القوات الروسية، وخاصة الطائرات المقاتلة، من سوريا إلى تشجيع المعارضة المسلحة. وقد زار الأسد طهران في محاولة لتأكيد التزام إيران بمواصلة مساعدة القوات النظامية السورية المنهكة والاقتصاد السوري. وإيران هي مورد رئيسي لخطوط الائتمان والمنح والنفط لدمشق التي تخضع لعقوبات شديدة تفرضها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي؛ والمساعدة المالية لطهران كانت مفتاح بقاء الأسد. كما ناقش القادة الإيرانيون في سياق زيارة الأسد استثمارات إيران المتزايدة في مختلف قطاعات الاقتصاد السوري. وتوفر الاستثمارات في سوريا منفعة مالية لإيران، وتساعد القادة الإيرانيين على تهدئة المعارضين المحليين للتدخل في سوريا.
أما الزيارات المتبادلة الرفيعة المستوى بين إيران من جهة وقطر وسلطنة عمان من جهة أخرى فلم تسع إلى خفض التوترات الخليجية فحسب، بل إلى تعزيز الهدف الأمريكي المتمثل في استعادة الاتفاقية النووية الإيرانية التي عقدت عام 2015 أيضا. ويظهر استعداد طهران لتبادل الزيارات مع القادة العمانيين والقطريين حرصها على التعامل حتى مع هؤلاء القادة الإقليميين الذين يتماشون استراتيجيًا مع الولايات المتحدة. ويمكن أن تكون سلطنة عمان وقطر مفيدتين لإيران لأن كلتا الدولتين يلعبان دور الوساطة بين واشنطن وخصومها الإقليميين، بما في ذلك إيران وطالبان وحركة الحوثي في اليمن. وقد حث أمير قطر وسلطان عمان الإيرانيين خلال اجتماعاتهما معهم على حل القضايا العالقة القليلة التي تعيق الاستعادة الكاملة للاتفاق النووي الإيراني الذي ألغته إدارة ترامب في عام 2018. وترى سلطنة عمان وقطر أن استعادة هذا الاتفاق، الذي سيشمل رفع العقوبات عن إيران، لا يخفض التوترات الخليجية فحسب، بل يسهل أيضًا تنفيذ المشاريع الإيرانية الخليجية المتوقفة منذ فترة طويلة ويسهل التجارة بين ضفتي الخليج. وتستند الزيارات أيضا إلى الحوار الإيراني السعودي الذي توسطت فيه بغداد منذ عام، والذي كان الهدف الأساسي منه منع الهجمات الإيرانية والمدعومة من إيران على الملاحة في الخليج وعلى منشآت دول الخليج. وأضافت وسائل الإعلام الإيرانية، في سياق تغطيتها لزيارات أيار (مايو)، أن الرئيس الرئيسي كان يخطط لزيارة الإمارات العربية المتحدة، الحليف الرئيسي للسعودية، غير أن الزيارة أجلت على ما يبدو اعتراضا على توسيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل.
ويعد إنهاء الصراع في اليمن، حيث تدعم إيران المتمردين الحوثيين الذين يسيطرون على جزء كبير من شمال اليمن، رغبة أكيدة لقادة عمان. فعمان تشترك في حدود طويلة ومتوترة مع اليمن وتخشى من تداعيات تلك الحرب على أمنها الداخلي. وتستضيف مسقط بعض قادة الحوثيين وتوفر لهم مساحة آمنة لإجراء محادثات مع الجهات الفاعلة والوسطاء الخارجيين. ويريد المسؤولون العمانيون من إيران والمملكة العربية السعودية، على الأقل، الضغط على حلفائهم اليمنيين لتمديد وقف إطلاق النار لمدة شهرين، إن لم يكن بالإمكان حل النزاع بالكامل. وعلى الرغم من أن قضية اليمن تتصدر جدول أعمال مسقط مع إيران، إلا أن زيارة رئيسي إلى مسقط ركزت على توسيع العلاقات الاقتصادية بين البلدين. ووقع الزعيمان، اللذان يسعيان لجذب استثمارات أجنبية إضافية، على عدة مذكرات تفاهم لتوسيع التجارة في مختلف المجالات. وإيران بالفعل مستثمر كبير في جهود عمان لتطوير مركز تجاري في ميناء الدقم. كما وافقت إيران على إحياء مشروع خط أنابيب لنقل الغاز الإيراني إلى عمان. وكان المشروع الذي اتفق عليه بين الحكومتين في عام 2013 قد توقف بسبب التوترات بين الولايات المتحدة وإيران. ويبدو أن قرار إحياء مشروع خط الأنابيب هذا يعكس التفاؤل العماني بشأن استعادة الاتفاق النووي الإيراني؛ وسيكون من المستحيل تأمين متطلبات التكنولوجيا والتمويل لخط الأنابيب ما لم ترفع العقوبات الأمريكية عن إيران. وعلى الرغم من أن تبادل الزيارات في أيار (مايو) بين إيران ودولتين خليجيتين رئيسيتين قد يغذي الشعور بالتفاؤل بخليج أكثر سلامًا وازدهارًا، إلا أن جميع دول الخليج لا تزال تتشاطر القلق بشأن دعم إيران للفصائل المسلحة الإقليمية. وقد استخدمت إيران حلفاءها بالفعل لاستعراض قوتها في مواجهة دول الخليج ولن تتردد في القيام بذلك إذا كان ذلك يخدم مصالحها.