أوّل الكلام آخره:
- تتعاون إيران وفنزويلا لتحدي السياسة الأمريكية التي تستهدف هذين البلدين في ظلّ إدارة الرئيس ترامب.
- أرسلت إيران خمس ناقلات محملة بالوقود والمواد البتروكيميائية إلى فنزويلا لدعم نظام نيكولاس مادورو لمواجهة متاعبه الاقتصادية.
- تمثل هذه الشحنة جهودا إيرانية متجددة لتعزيز النفوذ في أمريكا اللاتينية.
- لم يكن رد إدارة ترامب فعالا نظرا لمحدودية خياراته.
حتى 25 أيار/ مايو، بدأت خمس ناقلات أرسلتها إيران بالوصول إلى المياه الإقليمية الفنزويلية، وهي تحمل على متنها أكثر من 1.5 مليون برميل من البنزين، أي ما يعادل60 مليون غالون، ومنتجات بتروكيماوية أخرى. وأعلن نظام نيكولاس مادورو أن القوات البحرية الفنزويلية ترافق الناقلات الإيرانية إلى الميناء. ولا شك أن فنزويلا في أمسّ الحاجة إلى ما تحمله هذه الناقلات بعد معاناتها المزمنة بفعل سوء الإدارة، فضلا عن تفشي وباء كورونا والعقوبات الأمريكية. وعلى الرغم من أن فنزويلا مصدّر رئيس للنفط وعضو في منظمة أوبك، إلا أن قدرة التكرير المحلية في فنزويلا قد انهارت إلى 10% من قدرتها السابقة، فاضطرت إلى تقنين إمدادات البنزين للسكان. ولم تكتف إيران بإرسال النفط والبتروكيماويات، بل قامت بنقل معدات تكرير صينية الصنع إلى فنزويلا جوا لمساعدة بتروليوس دي فنزويلا، شركة النفط الوطنية، على إصلاح بنيتها التحتية المهترئة لجعلها قادرة على التكرير من جديد.
ويشكّل هذا التعاون بين فنزويلا وإيران تحديا لإدارة ترامب التي تفرض عقوبات أمريكية صارمة على البلدين. وتنتهك هذه الشحنة العقوبات الأمريكية المفروضة على صادرات الطاقة الإيرانية، والعقوبات المفروضة على المعاملات مع فنزويلا. وتهدف السياسة الأميركية إلى إسقاط مادورو لصالح زعيم البرلمان المنتخب خوان غوايدو، الذي ترى فيه الإدارة الأمريكية الزعيم الشرعي لفنزويلا. أمّا بالنسبة لإيران فتهدف حملة «الضغط القصوى» التي تمارسها الولايات المتحدة إلى إجبار طهران على إنهاء دعمها للفصائل المسلحة الإقليمية، وربّما أيضا، على ما يرى بعض الخبراء، إلى إسقاط النظام الإسلامي الإيراني بالكامل. وفي عهد الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، وطدت إيران علاقات وثيقة مع حكومة رئيس فنزويلا آنذاك هوغو شافيز، الذي كان هو أيضا على علاقة عدائية مع الولايات المتحدة. وتخلت إيران إلى حد كبير عن علاقاتها مع فنزويلا تزامنا مع سعيها إلى إقامة علاقة جديدة مع الولايات المتحدة، التي كانت شريكة في الاتفاق النووي المتعدد الأطراف لعام 2015. وقد أدى إلغاء إدارة ترامب للاتفاق النووي عام 2018 إلى توقف إيران عن ممارستها لسياسة ضبط النفس، وإلى عودة طهران إلى سياساتها السابقة ومنها التدخل في النصف الغربي من الكرة الأرضية. وكانت الهجمات الإرهابية المدعومة من إيران قد دمرت في بوينس ايرس كلّا من السفارة الإسرائيلية عام 1992 والمركز الثقافي اليهودي عام 1994.
ويبدو أن الخيارات الأمريكية لمواجهة التعاون الجديد بين إيران وفنزويلا محدودة. وقد عززت القوات البحرية الأمريكية مؤخرا وجودها في منطقة البحر الكاريبي لمنع عمليات تهريب المخدرات، ولكن أفاد بعض المسؤولين العسكريين الأمريكيين بأنهم ليسوا على اطلاع بأي تخطيط أمريكي لاعتراض السفن الإيرانية أو تفتيشها أو الاستيلاء عليها. ولا تسمح قوانين العقوبات الأمريكية ولا القانون الدولي بالاستيلاء على السفن، إنما تسمح بفرض العقوبات على الهيئات المشاركة في نقل الشحنات فقط. وهذا قد يبدو محدود التأثير، فكل الشركات الإيرانية والفنزويلية المشاركة في الصفقة تخضع أصلا للعقوبات الأمريكية، بما في ذلك شركات الناقلات الإيرانية التابعة للدولة، وشركة النفط الفنزويلية، وشركة ماهان الإيرانية للطيران التي كانت تشحن قطع الغيار إلى فنزويلا.
وقام مسؤولون أمريكيون بإصدار توجيهات عالمية لعاملي الموانئ الأجانب كيلا يتعاونوا مع مسؤولي الشحنات، وعرضوا مكافآت على طاقم السفينة لمساعدة الولايات المتحدة على حجز مثل هذه الشحنة، غير أن هذه الجهود باءت بالفشل. إن إتمام عملية نقل الشحنة بنجاح يمنع حدوث انهيار اقتصادي أكبر في نظام مادورو تزامنا مع ضعف خصومه بسبب ارتكاب أخطاء قاتلة كمؤامرات الانقلاب الفاشلة. وبالنسبة لإيران، تبين هذه الشحنة قدرة النظام الإسلامي على تحدي الولايات المتحدة في حديقتها الخلفية، من خلال دعم نظام جعلته إدارة ترامب هدفا كبيرا، إن لم يكن أكبر من إيران نفسها.