أوّل الكلام آخره:
- جذبت احتجاجات المزارعين المستمرة التي اندلعت في الهند بعد سن قوانين زراعية جديدة أنظار العالم أجمع.
- لا يبدو أن الاحتجاجات في الهند ستنتهي سريعا وهي تشكل التحدي الأكبر لحكم رئيس الوزراء ناريندرا مودي حتى اليوم.
- وفي ظل استمرار التجاذب، اتهمت حكومة مودي باللجوء إلى سياسة الضرب بيد من حديد.
- يسعى معارضو مودي السياسيون إلى تسخير طاقة الاحتجاجات لتحدي حزب بهاراتيا جاناتا في صناديق الاقتراع في الانتخابات التي ستجري بعد أسابيع قليلة.
جذبت احتجاجات المزارعين المستمرة التي اندلعت في الهند بعد سن قوانين زراعية جديدة أنظار العالم أجمع. ففي أيلول / سبتمبر 2020، أصدر حزب بهارتيا جاناتا الذي يرأسه رئيس وزراء الحكومة الهندية ناريندرا مودي ثلاثة قوانين لإصلاح القطاع الزراعي، تهدف إلى إصلاح قطاع التسويق الزراعي عن طريق تحرير تجارة الجملة. وترى الحكومة أن هذه القوانين ما هي إلا نتيجة مطالب طال انتظارها لإعادة هيكلة الممارسات الزراعية الهندية وتحديثها. ويؤكد مؤيدو الإصلاحات أن القصد من وراء هذه القوانين هو «حماية المزارعين وتمكينهم» من بيع منتجاتهم مباشرة للمصدرين وتجار الجملة بيعا عادلا وشفافا. ولكن المعارضين يزعمون أن المستفيدين الحقيقيين لن يكونوا المزارعين، بل تكتلات كبيرة موالية للحكومة. فضلا عن ذلك، لن يتمكن إلا الأثرياء من المزارعين والأقوياء منهم بالاحتجاج، مع تهميش صغار المزارعين والمجتمعات المحلية. وتبرز مخاوف من أن يتخذ المشرعون قرارات سريعة تغيب عنها الشفافية أو المشاورات. وقد لفتت احتجاجات الهند أنظار العالم، وأدلى كثير من المشاهير بآرائهم، من أيقونة الموسيقى ريهانا إلى الناشطة في مجال المناخ غريتا تونبرج.
وتغيب المؤشرات التي تدل على أن الاحتجاجات ستنتهي عما قريب، وهي تشكل أحد أهم التحديات التي واجهت رئيس الوزراء ناريندرا مودي حتى اليوم. فالحالة وصلت إلى طريق مسدود. وعلى الرغم من أن الحكومة وافقت على تعليق القوانين الأخيرة للأشهر الثمانية عشر المقبلة على أمل التوصل إلى تسوية تفاوضية، إلا أن المزارعين قاوموا مطالبين بإلغاء هذه القوانين تماما. ومنذ عام 1960، أي في السنة التي أدخلت فيها الحكومة الهندية الإعانات الزراعية لتعزيز الإنتاج الزراعي، وضعت الحكومة نظاما آخر للأسواق تحت إشراف لجان سوق المنتجات الزراعية (APMCs). وتهدف هذه المراكز أساسا إلى القضاء على استغلال الوسطاء للمزارعين، إذ يجبرونهم على بيع منتجاتهم بأسعار منخفضة. وتشكل الأسواق التي تديرها لجان سوق المنتجات الزراعية، والمعروفة باسم mandis، أساس آلية التجارة الزراعية. أما الآلية الأخرى التي ظهرت مع أسواق mandis، فهي آلية سعر الدعم الأدنى (MSP)، وهي أداة ضمان حكومي للمزارعين أنه حتى لو انخفضت أسعار الحبوب الغذائية انخفاضا كبيرا، فإن الحكومة ستشتري محاصيلهم مقابل حد أدنى متفق عليه. ويعد نظام سعر الدعم الأدنى شبكة أمان للمزارعين تحميهم من التقلبات المرتبطة بأسعار الزراعة.
وتدعي الحكومة أن القوانين الجديدة لا تقضي على أسواق mandis بل تنهي احتكارها للتجارة فقط، مما يسمح للمزارعين بالتداول خارجها، حتى عبر الإنترنت. وفي الظاهر، تبدو هذه التعديلات عادلة وتقدمية إلى حد كبير، لكن المزارعين لا يزالون قلقين من أن تستغلهم مجموعة من الشركات العملاقة لا تنصفهم كما ينبغي. وفي ظل استمرار الصراع، اتهمت حكومة رئيس الوزراء مودي باللجوء إلى سياسة اليد الحديدية، بتعليق حسابات تويتر، واعتقال نشطاء أبرياء، وحتى تصنيف المزارعين بالإرهابيين. ويصر المزارعون من جانبهم على رفض التسوية وأي عرض لا يشتمل على الإلغاء التام لهذه القوانين.
ولم تسنح الفرصة لإجراء مناقشة بناءة، فالإضراب وردة فعل الحكومة محكومان بالديناميات الانتخابية. ويتهم حزب المؤتمر المعارض الحكومة بإذلال المزارعين الذين يؤمنون غذاء ملايين الهنود. ويسعى معارضو مودي السياسيون إلى تسخير طاقة الاحتجاجات لتحدي حزب بهاراتيا جاناتا في صناديق الاقتراع، مع اقتراب انتخابات المجلس المقرر إجراؤها في نيسان / أبريل وأيار / مايو. ولكن تتركز احتجاجات المزارعين في المقام الأول في شمال الهند، وخاصة في البنجاب وهاريانا وأوتار براديش. ولا تأخذ القضية حيزا كبيرا من الأهمية في الجزء الجنوبي من البلاد، حيث ينتج المزارعون في الغالب الحبوب غير الغذائية أو المحاصيل النقدية. علاوة على ذلك، قامت معظم هذه الولايات بالفعل بإلغاء تنظيم ماندي. ومع ذلك، فإن التكتيكات العنيفة التي تستخدمها حكومة مودي سمحت لمعارضيه بوصفه بأنه «معاد للمزارعين» وشديد التأثر بمصالح الشركات الكبيرة.
وسيكون من السابق لأوانه معرفة كيف ستؤثر الاحتجاجات وردات الفعل الحكومة في أداء حزب بهاراتيا جاناتا الانتخابي، لكنها على الأغلب تمثل التحدي الأكثر خطورة في سنوات مودي السبع في السلطة. ولا تستطيع السلطات في الهند تجاهل المزارعين، الذين يشكلون الفئة الأكبر انتخابيا. علاوة على ذلك، فإن وصف المتظاهرين بأنهم «إرهابيون» قد يؤدي إلى تفاقم الانقسامات الاجتماعية العميقة بالأصل ويفتح المجال أمام العنف على أبواب الانتخابات. ومع الضغوط المتعاظمة، قد يساعد إلغاء هذه القوانين الجديدة التي لا تحظى بشعبية الحكومة على استعادة الثقة وتمهيد الطريق لعملية بناءة وتشاورية أكثر يمكن من خلالها إقرار الإصلاحات الزراعية التي تشتد الحاجة إليها.