أوّل الكلام آخره:
- في ظل الانتشار السريع لوباء كورونا في العديد من المناطق حول العالم، تتسابق الدول لتطوير لقاح موثوق وفعال.
- تعمل روسيا والصين علنا على الترويج للقاحات التجريبية الخاصة بكل منهما، مع بروز بعض النتائج الإيجابية، ولكن تشوبها كثير من المحاذير الأخلاقية وتلك المتعلقة بالسلامة.
- واصلت الولايات المتحدة تجنب التعاون الدولي، فعملت منفردة على تطوير العديد من اللقاحات المحتملة، بعضها بلغ اليوم مراحل متقدمة بينما بعضها ما زال في مراحل التطوير الأولى.
- قد تعيق الحملات المنهجية التي تستهدف العلوم الطبيعية في الولايات المتحدة حملات الصحة العامة لتوزيع اللقاح وإدارته بعد تطويره والموافقة عليه.
من الصعب المبالغة في أهمية تطوير لقاح آمن وفعال ضد وباء كورونا وتوزيعه. وحتى اليوم، أصيب أكثر من 43 مليون شخص في جميع أنحاء العالم بالوباء الجديد منذ بدايات ظهوره أواخر عام 2019. كما توفي 1.1 مليون شخص بسبب الفيروس الذي دمر المجتمعات المحلية وجعل الاقتصاد العالمي يترنّح معتمدا على أجهزة ضخّ الحياة. إن أعداد الإصابات والوفيات آخذة في التزايد في كل منطقة من مناطق العالم تقريبا، حيث تكافح الدول المتقدمة والنامية على حد سواء للتخفيف من حدة التداعيات. ولم تتمكن الحكومات والمجتمعات، وخاصة في الغرب، من احتواء انتشار الفيروس، بل عجزت أيضا عن الحد من انتشار المعلومات المضللة المتعمدة وفقدان الثقة وازدراء العلم. وعلى وجه الخصوص، فإن الولايات المتحدة ونهجها المنفرد في ظل إدارة ترامب غير مجهزة لاعتماد نهج تعاوني للتصدي للوباء. وعلى الصعيد المحلي، أدّت الاستجابات المحلّيّة غير المرتبطة باستراتيجية وطنية أوسع نطاقا إلى نتائج كارثية متوقعة. وقد زادت الانتخابات الرئاسية الجارية من التوترات المحيطة بالوباء كما ضخّمت الشعور بالحاجة الملحة إلى خريطة طريق لإعادة البلاد إلى مسارها المعهود.
إن المقترحات المتمثلة بالسماح لأكبر عدد ممكن من الناس بالإصابة بالعدوى من أجل تحقيق ما يسمى «مناعة القطيع» هي مقترحات تتعارض مع المنطق، نظرا للأعداد الهائلة من المواطنين الذين سوف يموتون نتيجة لذلك. ولا يزال تطوير اللقاح هو النهج الواقعي الوحيد على المدى الطويل. ولا تزال تدابير الصحة العامة، مثل ارتداء الأقنعة والتباعد الاجتماعي، هي التدابير الضرورية للحد من انتشار الوباء على المدى القصير. وخلال الحجر الصحي، ظهرت أعداد قياسية من حوادث العنف المنزلي، فضلا عن ارتفاع حاد في تعاطي المخدرات والكحول وفي معدلات الانتحار. ومن هذا المنطلق، وعلى خلفية حالة الغضب والحزن المنتشرة، تتسابق البلدان على تطوير اللقاحات. وقد أعلنت الصين بالفعل عن توزيع محلي للقاح قامت بتطويره. كما أنها قد اشتركت مع بلدان أخرى في تجارب واسعة النطاق، فعلى سبيل المثال، دخلت الإمارات العربية المتحدة في شراكة مع شركة صينية منذ تموز / يوليو الماضي، وقد شارك أكثر من 31 ألف شخص في الإمارات العربية المتحدة ودول إقليمية أخرى حتى اليوم في تجارب اللقاح التي تتضمن فيروسا غير نشط وتتطلب جرعتين. وتأمل الإمارات العربية المتحدة في إنتاج ما بين 75 و100 مليون جرعة عام 2021. وتستكشف أندونيسيا، رابع أكبر دولة فى العالم من حيث عدد السكان، عدة مقترحات صينية حول اللقاحات أيضا.
وفي آب / أغسطس، كانت روسيا الدولة السباقة في إعلان أول لقاح فعال أطلقت عليه اسم «سبوتنيك في» على الرغم من بعض الأسباب الوجيهة للتشكيك بمزاعم الكرملين. ولم يعقب هذا الإعلان توزيعا واسع النطاق للقاح، وارتفعت مرة أخرى في روسيا الإصابات والوفيات من وباء كورونا. وقد أعلنت موسكو عن لقاحها بعد دراسة صغيرة تجاوزت فيها المراحل المشتركة التي يجب أن تمر بها اللقاحات كافة. وتعد معايير السلامة الخاصة باللقاح الذي سيُعطى لبلايين البشر ذات أهمية قصوى، وعليه فإن الحكومات والشركات الخاصة لا تزال تحت ضغط هائل. وقد تورطت روسيا بالفعل في محاولات القرصنة لاستهداف المختبرات العاملة على اللقاح في الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه، تجنبت واشنطن التعاون وقررت بدلا من ذلك التركيز على تطوير لقاحاتها الخاصة. إن عملية «السرعة الهائلة» هي اسم الشراكة القائمة بين القطاعين العام والخاص لتطوير اللقاحات. وتقود وزارة الصحة والخدمات الإنسانية هذه الشراكة، بالتعاون مع مراكز السيطرة على الأمراض ومعاهد الصحة الوطنية. وبدأت هذه الجهود منذ آذار / مارس 2020، واعتبارا من تشرين الأول / أكتوبر أصبحت العديد من الإصدارات في مرحلة التطوير الأخيرة.
وتشتد المنافسة العالمية اليوم في سباق تطوير لقاح لكورونا. وواصلت الولايات المتحدة انسحابها من التعاون الدولي تماشيا مع نهج إدارة ترامب «أمريكا أولا» القائم على الصفقات. وقد أبلغت الولايات المتحدة الأمم المتحدة رسميا بأنها ستغادر منظمة الصحة العالمية في 6 تموز / يوليو 2021. وكانت إدارة ترامب قد اتهمت منظمة الصحة العالمية بأنها تميل لكفة الصين، خاصة بعد أن ضللت بكين المجتمع الدولي بشأن خطورة الوباء في أيامه الأولى. ولكن الانسحاب من منظمة الصحة العالمية في خضم أخطر تحد للصحة العالمية منذ أجيال يضع الولايات المتحدة مرة أخرى على هامش الإجماع الدولي، على نحو يخفف من نفوذ واشنطن. وفي الوقت نفسه، فإن تموضع الصين اليوم يؤهلها لتولي دور قيادي في تحدي الجائحة، في حين أن الولايات المتحدة تبدو منهكة بسبب التحديات السياسية المحلية، وارتفاع عدد الإصابات، والاقتصاد المتعثر.