أوّل الكلام آخره:
- يهدف مشروع التكامل العسكري المدني في الصين إلى تسخير قدرات القطاعات المدنية في البلاد، بما في ذلك قطاع العلوم والتكنولوجيا، لتعزيز مهارات الصين العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية.
- إن مشروع التكامل العسكري المدني هو بمثابة محور عمل الصين لتطوير «جيش من الدرجة الأولى» بحلول عام 2049.
- في عهد الرئيس شي جين بينغ، انتقل مشروع التكامل العسكري المدني إلى استراتيجية عسكرية وطنية، مما أثار مخاوف حول نقل بكين للتكنولوجيا المزدوجة الاستخدام بطريقة غير مشروعة من القطاع الخاص والأوساط الأكاديمية إلى جيش التحرير الشعبي.
- إن افتقار الحزب الشيوعي الصيني إلى الشفافية فيما يتعلق بمشروع التكامل العسكري المدني إلى جانب سياسة الرئيس شي الخارجية العدوانية، يضع الصين على مسار تصادمي مع بلدان أخرى وقد يؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة.
يهدف مشروع التكامل العسكري المدني في الصين إلى مساعدة البلاد في سعيها لتصبح قوة عالمية. وفي هذه العملية، أثارت الصين مخاوف لدى الدول الأخرى، وجعلتها تبحث مليا في كيفية التعاطي مع التجسس الإلكتروني، وسرقة الملكية الفكرية، ونقل بعض التكنولوجيات المزدوجة الاستخدام بطريقة غير مشروعة، وهذه المسائل تهمّ القطاع الخاص والأوساط الأكاديمية. ورغم أن مفهوم التكامل العسكري المدني كان أحد مكونات مبادئ الحكم الصينية الحديثة منذ ماو تسي دونغ، إلا أن المبدأ الحالي للانصهار العسكري المدني قد أدرج رسميا بصفته استراتيجية عسكرية في عهد الرئيس شي جين بينج. ويرعى هذا الأخير شخصيا ويراقب تنفيذ مشروع التكامل العسكري المدني في إطار اللجنة العسكرية المركزية، مما يشير إلى مركزية هذه الاستراتيجية في إطار الأهداف العسكرية للصين، بما في ذلك تحديث عسكري مكتمل بحلول عام 2035، وتجهيز «جيش من الدرجة الأولى» بحلول عام 2049.
إن الفكرة الرئيسة وراء مشروع التكامل العسكري المدني هي تسخير النجاح الاقتصادي للصين من أجل تعزيز قدراتها العسكرية، من خلال علامة «صنع في الصين 2025» على سبيل المثال، مع تمكين تعبئة الاقتصاد تحسبا للصراعات العسكرية المستقبلية. وكان قطاع الدفاع الصيني، على عكس قطاع الدفاع الأمريكي، مقيدا تاريخيا بمجال الجيش الصيني واثنتي عشرة شركة حكومية. وتسعى استراتيجية مشروع التكامل العسكري المدني إلى كسر الحواجز بين القطاع الخاص والأوساط الأكاديمية وقطاع البحث والتكنولوجيا وجيش التحرير الشعبي، مما يمكّن هذا الأخير من استخدام أي صناعة أو تكنولوجيا مزدوجة الاستخدام في التقدم العسكري وتنمية القدرات. وتشمل المجالات المذكورة الذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيا الفضاء الجوي، والأقمار الصناعية الصغيرة والنانوية، والنظم الآلية وعلم التحكم الآلي (الروبوتات)، وأشباه الموصلات، والتكنولوجيا النووية المتقدمة، والحوسبة الكمية، إلخ. ولاحظ المحللون أن تركيز الرئيس شي الواضح على مشروع التكامل العسكري المدني قد يشير إلى أن الصين تسعى جاهدة للّحاق بالولايات المتحدة وغيرها من الدول التي لديها قطاع بحثي وتطويري خاص. وتحيق بمشروع التكامل العسكري المدني شوائب عديدة، هي نفسها الشوائب التي شهدتها استراتيجيات الحزب الشيوعي الصيني الأخرى كافة، مثل الفساد والهدر والقيادة غير المنسقة.
وتشير الدلائل إلى أن استراتيجية مشروع التكامل العسكري المدني في الصين تمتدّ إلى خارج البلاد، الأمر الذي لا يهدد الأمن القومي للدول الأخرى فحسب، بل يهدد مصالحها التجارية والاقتصادية. ويمكن أن تشتد هذه المنافسة في الوقت الذي تتطلع فيه الدول إلى التعافي من تداعيات وباء كورونا الاقتصادية المدمرة. وتخشى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والدول الأوروبية وأستراليا من أن تؤدي استراتيجية مشروع التكامل العسكري المدني في الصين إلى زيادة عمليات النقل غير المشروعة للتكنولوجيات المزدوجة الاستخدام وغيرها من الصناعات الحيوية من القطاعين التجاري والأكاديمي إلى جيش التحرير الشعبي وتحفيزها. ويمكن أن تحدث عمليات النقل غير المشروعة هذه من خلال الصادرات، والاستثمار الأجنبي المباشر والحيازات، والتجسس الإلكتروني، والتجسس الصناعي التقليدي، والتعاون في مجال البحوث واستقطاب أصحاب المهارات، … إلخ. وفي ظل تنفيذ شي المكثف لمشروع التكامل العسكري المدني، ازداد الخط الفاصل بين القطاعين الخاص والعام في الصين غموضا، وهوأمر يشكل تهديدا أمنيا واضحا، والأمثلة على ذلك كثيرة، كالعثور على المحركات الألمانية المصدرة إلى الصين للاستخدام التجاري في الغواصات والفرقاطات البحرية لجيش التحرير الشعبى الصيني. وقد صرح مدير مكتب التحقيقات الفدرالي كريستوفر راي بأنه «على مدى العقد الماضي، شهد مكتب التحقيقات الفدرالي زيادة بحوالي 1300 % في قضايا التجسس الاقتصادي المتعلقة بالصين». ويقدر معهد السياسة الاستراتيجية الأسترالي أنه منذ عام 2007، أرسل جيش التحرير الشعبي أكثر من 2500 عالم ومهندس عسكري للدراسة في الخارج، وخاصة في دول العيون الخمس، وهي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا. إن امتداد مشروع التكامل العسكري المدني إلى الخارج يهدد الطابع الديمقراطي للعلم وفلسفة الانفتاح والتعاون الأكاديميين. كما يعد التعاون العابر للحدود الوطنية في مجال البحوث المفتاح الرئيس لمكافحة التحديات الأمنية الأكثر إلحاحا في عصرنا، بما في ذلك الأزمات الصحية العالمية وتغير المناخ.
إن الارتقاء بمشروع التكامل العسكري المدني إلى استراتيجية وطنية، والافتقار العام إلى الشفافية المحيطة بهذه الاستراتيجية، إلى جانب السياسة الخارجية المتزايدة الحزم للرئيس شي، يثير تساؤلات حول نية الصين الحقيقية. وقد تعرضت إحدى السياسات الخارجية المميزة للرئيس شي، وهي مبادرة «الحزام والطريق» لانتقادات شديدة بسبب توريط البلدان التي تعاني من ضائقة مالية في ديون صعبة السداد. وعندما تخلفت البلدان عن سداد قروضها للصين، أعادت الصين تصميم المشاريع التجارية المتصلة بمبادرة «الحزام والطريق» للاستخدام العسكري، مثل قاعدة جيش التحرير الشعبي في جيبوتي. وقد استفاد جيش التحرير الشعبي من وباء كورونا ووضع بصمته الخاصة من «سياسة الكمامات»، وتوجّه نحو الدول المشاركة في مبادرة «الحزام والطريق» والتي ترغب بالحصول على المساعدات العسكرية، ومن المرجح أن تنال مبادرة الصين استحسان النخب والجيوش في تلك الدول. وفي ظل التداعيات الاقتصادية الناجمة عن وباء كورونا، لم تظهر بكين استعداد كاملا لمسامحة الدول مقارنة بمؤسسات الإقراض التي يقودها الغرب، مثل صندوق النقد الدولي. ويطعن هذا في تصريحات الحزب الشيوعي الصيني بأن سياسة الشراكة الاقتصادية والتجارية في مبادرة «الحزام والطريق» هي اقتصادية بحتة، إذ يخشى أن تكون مبادرة الشراكة جزءا في مشروع التكامل العسكري المدني. وقد يثبت وباء كورونا أنه عامل مساعد للصين في انتهاك سيادة الدول وفي تنفيذ الرئيس شي لاستراتيجية مشروع التكامل العسكري المدني في الخارج.