أوّل الكلام آخره:
- ما زال القادة العراقيون يحاولون تشكيل حكومة جديدة بعد أكثر من خمسة أشهر من الانتخابات الوطنية.
- على الرغم من أن أنصار مقتدى الصدر يشغلون الكتلة الأكبر في البرلمان، فإنهم لم يستطيعوا تنصيب مرشحهم المفضل رئيسا شرفيا للعراق.
- تسعى كل من إيران والولايات المتحدة للتأثير على القادة العراقيين لتشكيل حكومة جديدة ترعى مصالحهما.
- يؤكد تقرير جديد صادر عن وزارة الدفاع الأمريكية أن الحكومة العراقية غير مستعدة أو غير قادرة على ممارسة سيطرة فعالة على العديد من قوات الميليشيات المدعومة من إيران.
في 9 كانون الثاني (يناير)، انتخب مجلس النواب العراقي الذي يضم 329 مقعدًا، والذي انتُخب في تشرين الأول (أكتوبر)، رئيسًا له، فيما يمكن أن يشكل انطلاقة متأخرة (ولكنها قد تكون واعدة) نحو تشكيل حكومة جديدة. حددت رئاسة المجلس مهلة مدتها ثلاثون يومًا (بحلول 8 شباط (فبراير)) لتسمية رئيس للجمهورية، والذي يجب أن يكون كرديا بموجب العرف المتبع. وعلى الرغم من المنافسة غير المتوقعة بين الفصيلين الكرديين الرئيسيين على هذا الترشيح، كان من المقرر إجراء تصويت في 7 شباط (فبراير) لاختيار رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني هوشيار زيباري. وقد ألقى رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، الذي يسعى إلى إبعاد العراق عن إيران، بثقله المتمثل بكتلة برلمانية من 73 مقعدًا خلف زيباري الموالي لواشنطن، والذي كان قد عمل وزيرا للخارجية والمالية في حكومات ما بعد صدام السابقة. لكن المحكمة الفيدرالية العراقية علقت ترشيحه بسبب تهم فساد تعود إلى فترة توليه منصب وزير المالية، وأُجّل التصويت إلى أجل غير مسمى. ولم يؤد التعليق إلى اضطراب عملية تشكيل الحكومة فحسب، بل أدى أيضًا إلى نكسة للتيار الصدري الذي يحاول تشكيل حكومة تستبعد إلى حد كبير خصومه الشيعة الموالين لإيران، وتحافظ على المسافة قائمة بين بغداد وطهران.
وقد كان أداء الفصائل السياسية المرتبطة بمختلف الميليشيات المدعومة من طهران ضعيفًا في انتخابات تشرين الأول (أكتوبر)، لكنها سعت إلى ممارسة نفوذها من خلال استخدام العنف والتهديد بمزيد من العنف. وانصياعًا لقرار المحكمة، سحب الصدر دعمه لزيباري، غير أنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كان الحزب الديمقراطي الكردستاني سيعين مرشحًا جديدًا أم سيحاول إلغاء حكم المحكمة. على أن الخلاف على رئاسة الجمهورية يؤخر تشكيل الحكومة الجديدة أيضا لأن الرئيس هو الذي يرشح بموجب الدستور العراقي رئيس الوزراء لتشكيل حكومة جديدة بشرط مصادقة مجلس النواب عليها. وقد ضاعفت المحكمة الاتحادية العليا من حالة الارتباك السياسي في 15 شباط (فبراير) عندما قضت بربط كل عمليات إنتاج النفط الخام في المنطقة الكردية شبه المستقلة بوزارة النفط في بغداد وبإلغاء عقود النفط الكردية مع شركات النفط الأجنبية، بما في ذلك شركة شيفرون الأمريكية.
وللاضطرابات السياسية في العراق أهمية مباشرة لفاعلين خارجيين رئيسيين لهما نفوذ قوي في العراق – الولايات المتحدة وجمهورية إيران الإسلامية. وفي اليوم التالي لتأجيل الانتخابات الرئاسية، زار إسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، بغداد للضغط على الصدر لاختيار مرشحين موالين لإيران ليكونوا قادة العراق القادمين. إن قيام حكومة عراقية قد تسعى إلى نزع سلاح الجماعات المسلحة المدعومة من «فيلق القدس» مثل كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق هي بلا شك أمر تخافه طهران. والهدف الأساسي لإيران في دعم مثل هذه الجماعات هو إجبار القوات الأمريكية المتبقية في العراق، والتي انتقلت إلى دور استشاري في نهاية عام 2021، على مغادرة العراق بالكامل. ومع ذلك، فلم تكن زيارة قاآني ناجحة بالضرورة. وكرر الصدر دعوته لتشكيل حكومة «أغلبية وطنية» – وهي عبارة تشير إلى أنه سيتحالف مع القادة السنة والأكراد بدلًا من الجماعات الشيعية الموالية لإيران. ويحظى تشكيل الحكومة العراقية المقبلة باهتمام كبير في واشنطن أيضا، وهي التي تواصل مساعدة القوات العراقية ضد عناصر تنظيم داعش التي لا تزال نشطة في أجزاء من العراق. ويضغط المسؤولون الأمريكيون لاختيار القادة الذين يسعون نحو بقاء القوات الأمريكية في العراق ويعملون ضد الميليشيات المدعومة من إيران. وقد أدت الهجمات التي تشنها الميليشيات على القواعد الأمريكية في العراق إلى تعقيد المهمة الأمريكية العراقية المشتركة ضد تنظيم داعش كما أنها تشكل تهديدًا لأرواح العسكريين الأمريكيين والعراقيين والدبلوماسيين الأمريكيين في البلاد، فضلا عن المدنيين العراقيين.
وقد قدم آخر تقرير صادر عن كبير المفتشين العامين في وزارة الدفاع الأمريكية لعملية العزم الصلب (وهو الاسم الرسمي لمهمة الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم داعش)، والذي صدر في منتصف فبراير ويغطي الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2021، ذخيرة سياسية للقادة في بغداد الذين يريدون كبح نفوذ إيران في العراق. وقد سلط التقرير الضوء على تزايد عدد الهجمات التي شنتها الميليشيات الموالية لإيران ضد المصالح الأمريكية في العراق (وسوريا) خلال تلك الفترة الزمنية، وردّ ذلك إلى اختراق الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران لقوات الأمن العراقية. وبحسب التقرير، فإن الزيادة في الهجمات ضد القوات الأمريكية ترجع بالدرجة الأولى إلى «الروابط القوية» التي تربط الميليشيات وإيران بـ «بعض عناصر قوات الأمن العراقية التقليدية»، فضلًا عن ضعف الحكومة في مواجهة العناصر المتشددة وكبحها. كما انتقد التقرير عجز الحكومة عن محاسبة الجماعات المدعومة من إيران قائلًا: «إن قدرة الحكومة العراقية على تأكيد سيطرتها على هيئة الحشد الشعبي، [وهو المصطلح الرسمي لمجموعات واسعة من الميليشيات المجندين لمواجهة التحدي الذي مثله تنظيم داعش في 2014] أو محاسبة الميليشيات التابعة لها ظل هشًا». كما أشار التقرير إلى أن قسم الشرطة الفيدرالية العراقية وقسم الاستجابة للطوارئ والفرقة الخامسة والثامنة بالجيش هي «الوحدات التي يعتقد أنها تتمتع بأكبر نفوذ إيراني»، مما سمح بانتشار الضباط والشخصيات الموالية لإيران في جميع الأجهزة الأمنية. ويرسم تقرير وزارة الدفاع الأمريكية، صورة لعراق لا يزال يكافح من أجل الاستقرار ولقطع مجسات طهران العديدة المتداخلة التي تصل إلى كل جانب من جوانب الحياة. على أن عودة العراق بالكامل إلى الحظيرة العربية تتوقف على نجاح القادة العراقيين في الحد من نفوذ إيران.