أوّل الكلام آخره:
- بعد مرور 19 عاما على هجمات 11 أيلول / سبتمبر، لا شك أن تنظيم القاعدة اليوم هو غير ذلك الذي كان بالأمس، وقد تكون قدرته على التخطيط لهجمات بهذا الحجم في الغرب قد تراجعت، لكنه لا يزال قادرا على إطالة أمد الحروب الأهلية والتمرّد في الدول الضعيفة.
- قد تتفاوت قدرات مجموعات التنظيم وفروعه في اليمن وسوريا والصومال والدول الأخرى، ولكننا إذا أخذناها مجتمعة فهي تدل على مرونة القاعدة والتزامها بالجهاد العالمي.
- عملت القاعدة بلا كلل لتحقيق نجاحات مع السكان المحليين على المستوى الشعبي، دون أن تسلط الأضواء عليها، وتركت تنظيم داعش يعاني وحده من وطأة جهود مكافحة الإرهاب في الغرب.
- في الوقت الذي تركز فيه الولايات المتحدة جهودها على منافسة القوى العظمى الأخرى كالصين وروسيا، يجب عليها أن تحرص على عدم إهمال المكاسب التي حازتها بشق الأنفس ضد الإرهابيين في الدول الضعيفة والأماكن غير الخاضعة للحكومات المركزية.
بعد مرور عقدين من الزمن على هجمات 11 أيلول / سبتمبر 2001، لا شك أن تنظيم القاعدة اليوم هو غير ذلك الذي كان بالأمس في عهد أسامة بن لادن. ولا يزال تنظيم القاعدة، بقيادة زعيمه أيمن الظواهري، نائب بن لادن منذ فترة طويلة، يشكل تهديدا حتى وإن تراجعت قدرته على شن هجمات كبيرة على الأراضي الأمريكية تراجعا ملحوظا. وفي حديث لوزير الخارجية مايك بومبيو في آذار / مارس، أشار إلى أن «القاعدة ما هي اليوم إلا ظل لما كانت عليه سابقا». ولكن الواقع أن القاعدة، رغم قتل كثير من قادتها أو أسرهم، لم تتوقف يوما عن كونها منظمة تتعلم من أخطائها وهي تصلح أن تكون نموذجا في قدرة المنظمات الإرهابية على الصمود. وتشير بعض التقديرات إلى أن تنظيم القاعدة يضم ما بين 30 و40 ألف عضو في جميع أنحاء العالم، وهو من المشاركين النشطين في الصراعات من بلاد الشام إلى جنوب شرق آسيا.
وتتنوع فروع التنظيم العالمية ومنها تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية في اليمن، وحرّاس الدين في سوريا، والجماعات التابعة له في غرب إفريقيا والصومال والفلبيين وشبه القارة الهندية. ويتمتع كل فرع من هذه الفروع بقدرات مختلفة، ولكنها بمجموعها تظهر قدرة تنظيم القاعدة على الصمود والتزامه بمواصلة الجهاد العالمي. وفي أفغانستان، في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة إلى سحب قواتها العسكرية وإيجاد حل سياسي يدخل حركة طالبان الأفغانية في اتفاق لتقاسم السلطة مع الحكومة الأفغانية الحالية، لا تزال علاقة القاعدة بطالبان علاقة يصعب التنبؤ بمصيرها. ويتوقع معظم المراقبين أن تستمر الشراكة، وقد يؤدي الانسحاب التدريجي للولايات المتحدة إلى توفير فرصة جديدة للقاعدة في أفغانستان وتزويدها بالقدرة على التعاون الوثيق مع الجماعات الجهادية القوية الأخرى في المنطقة، بما في ذلك شبكة حقاني وجماعة لشكر طيبة، على سبيل المثال لا الحصر.
وقد بذلت القاعدة جهودا جبارة لتحقيق نجاحات بين القبائل والعشائر والسكان المحليين على المستوى الشعبي، دون أن تسلط الضوء عليها، مما جعل تنظيم داعش يعاني وحده من وطأة جهود مكافحة الإرهاب في الغرب على مدى السنوات الماضية. وعلاوة على ذلك، فإن تنظيم القاعدة يجهز جيلا جديدا من القيادات ليحل محل الأفراد القدامى. ويختار التنظيم هؤلاء الأفراد بحسب تجاربهم القتالية في العراق وسوريا وليبيا والساحل. كما أن التنظيم نمّى شبكات جديدة من الجهاديين تشكلت بعد الربيع العربي. وإذا تمكنت القاعدة من إثبات نفسها من جديد وجذب مجموعة أصغر سنا من المجندين المحتملين، فإنها يمكن بذلك أن تعيد تموضع فروعها للاستفادة من موجات المقاتلين الأجانب في المستقبل في عدد من مناطق الصراعات في العالم الإسلامي. كذلك، يتمتع تنظيم القاعدة وفروعه بالصبر، كما يتضح من العملية التي خطط لها تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية والتي قام بها أحد أفراد القوات الجوية السعودية في هجومه الإرهابي في كانون الأول / ديسمبر 2019 على قاعدة عسكرية أمريكية في بينساكولا بولاية فلوريدا.
وفي الوقت الذي تواصل فيه الولايات المتحدة التحول مما يسمى بالحرب العالمية على الإرهاب إلى منافسة القوى العظمى والإقليمية كالصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية، يتعين عليها أن تحرص على عدم إهمال المكاسب التي حازتها بشق الأنفس ضد الإرهابيين والمتمردين في الدول الضعيفة والأماكن غير الخاضعة للحكومات المركزية. إن سحب القوات العسكرية الأمريكية من العراق وسوريا وأفغانستان سوف يعيد تشكيل ديناميات الصراع في هذه المسارح، وسيتيح لمجموعات مثل تنظيم القاعدة الفرصة لتجنيد أعضاء جدد وزيادة زعزعة الاستقرار في المناطق التي تكون حاضرة فيها. ومن المهم أن تتجنب الولايات المتحدة وحلفاؤها فخ المفاضلة بين مكافحة الإرهاب ومنافسة القوى العظمى. ومن المؤكد أن الولايات المتحدة يمكنها، بل ومن واجبها، أن تسعى إلى تحقيق هذين الأمرين معا، على الرغم من أن الموازنة بينهما ستكون صعبة، ولا سيما بالنظر إلى القيود المفروضة على الموارد بسبب انتشار وباء كورونا وتداعياته على أولويات الأمن القومي للولايات المتحدة.