أوّل الكلام آخره:
- تصدى رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان لمحاولة تحالف المعارضين الإطاحة به من السلطة.
- قد تدفع الأزمة السياسية الجيش الباكستاني القوي إلى العودة إلى التدخل المباشر في السياسة بعد ما يقرب من 15 عامًا من بقائه في الخلفية.
- فقد خان الدعم العسكري والدعم الشعبي بسبب الصعوبات الاقتصادية الشديدة التي تعاني منها البلاد والخلافات حول العلاقات مع الولايات المتحدة.
- أي تغيير قد يطرأ على العلاقات الإقليمية لباكستان، ولا سيما مع الهند، سيكون متواضعا إذا استبدل بخان أي رئيس وزراء آخر.
في 3 نيسان (أبريل)، تصدى رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان لمحاولة للإطاحة به قبل الانتخابات المقرر إجراؤها في عام 2023. ويبدو أن خان كان قد أدرك أن المعارضة قد جمعت الأغلبية المطلوبة للتصويت بحجب الثقة عن حكومته في البرلمان الباكستاني، فدفع حليفه في قيادة البرلمان إلى الحكم بأن مثل هذا الإجراء غير دستوري، فما كان من الرئيس الباكستاني، وهو حليف آخر لخان، إلا أن حلّ البرلمان، مما يعني إجراء انتخابات وطنية جديدة في غضون 90 يومًا، مع بقاء خان رئيسا تنفيذيا إلى حين تعيين رئيس وزراء انتقالي يشرف على الانتخابات. ولم تحكم المحكمة العليا في باكستان على الفور في اعتراض المعارضة على مناورة خان، مما يشير إلى أنه قد لا تكون من أسس دستورية واضحة لإلغاء تحرك خان القاضي بإجراء انتخابات مبكرة.
وقد اندلعت الأزمة السياسية مع تصور معارضي خان أن دعمه الشعبي قد تآكل بسبب ارتفاع معدلات التضخم والبطالة، فضلًا عن فقدانه دعم قيادة الجيش الباكستاني الفاعلة سياسيا. ويشمل تحالف المعارضة – الحركة الديمقراطية الباكستانية – الجماعات المرتبطة بالعديد من القادة الباكستانيين السابقين، بما في ذلك الرابطة الإسلامية الباكستانية، وهي حزب نواز شريف سلف خان المباشر، وحزب الشعب الباكستاني، وهو حزب عائلة رئيسة الوزراء المقتولة بينظير بوتو، التي كانت أول رئيسة وزراء منتخبة في العالم الإسلامي، وقد شغل زوجها وشريكها السياسي، آصف علي زرداري، منصب الرئيس خلال الفترة 2008-2013، بعد أن أعاد الجيش البلاد إلى الحكم المدني. ومن الواضح أن المعارضة كانت قد ضمنت الحصول على عدد كافٍ من الأصوات للإطاحة بخان لو جرى التصويت على اقتراح سحب الثقة، وذلك بعد إقناع أحد شركاء خان الصغار في الائتلاف بالانشقاق. ولو أطيح بخان، لكان شهباز شقيق نواز شريف في وضع يؤهله لتولي رئاسة الوزراء. وكان خان، نجم الكريكيت السابق، قد هزم شريف في انتخابات 2018. ونفت القيادة العسكرية الباكستانية – التي كانت علاقاتها السابقة مع معارضي خان محفوفة بالسواد – تدخلها في العملية السياسية، سواء في اقتراح حجب الثقة أو في حل خان للبرلمان. لكن علاقات الجيش مع خان كانت قد بدأت بالتدهور منذ أواخر عام 2021، عندما سعى للاحتفاظ بحليف على رأس مديرية المخابرات الداخلية، وهي المديرية العسكرية السرية التي تلعب دورًا رائدًا في التعامل مع الحركات الإسلامية العنيفة ولا سيما حركة طالبان الأفغانية وفي قتالها إن لزم الأمر.
تثير الأزمة السياسية الحالية تساؤلات جوهرية حول استقرار باكستان، وهو ما تراقبه الهند المجاورة عن كثب، وما يراقبه العالم بأسره بسبب امتلاك باكستان للسلاح النووي وحضور الجماعات الجهادية العالمية على الأراضي الباكستانية. ولم يكتف خان، عشية التصويت الذي كان مخططا له على سحب الثقة، بعقد تجمعات عامة كبيرة لدعم قيادته فحسب، بل اتهم أيضًا خصومه بالمشاركة في مؤامرة بقيادة الولايات المتحدة. وقد يمهد هذا الاتهام السبيل لمحاولة اعتقال قادة المعارضة وأنصارهم. وقد يؤدي اندلاع أعمال عنف أو اضطرابات عامة إلى عودة الجيش الباكستاني إلى الحكم مباشرة – وهي خطوة اتخذتها قيادة الجيش في الماضي في الحالات التي كان الاستقرار فيها، في نظرها، مهددًا.
وقد تثير المعركة بين خان وخصومه تساؤلات أيضا حول علاقات باكستان الإقليمية والدولية. وكان خان قد قلل خلال فترة ولايته من أهمية الجهود المبذولة لتحسين العلاقات مع الهند، وسعى بدلًا من ذلك إلى تعزيز العلاقات مع الصين حليفة باكستان لفترة طويلة فضلًا عن توسيع العلاقات مع روسيا. وكان خان يزور موسكو عشية الغزو الروسي لأوكرانيا، وهي زيارة رُتّب لها على الرغم من التحذيرات الأمريكية بفرض عقوبات شديدة على روسيا إذا مضى الرئيس فلاديمير بوتين في الهجوم. وقد امتنعت باكستان في وقت لاحق عن التصويت على قرار للجمعية العامة يدين الغزو. أما الصين فهي لا تنظر إلى باكستان على أنها مكسب استراتيجي في مواجهة الهند فحسب، بل تعدّها أيضًا عنصرًا رئيسيًا في مبادرة الحزام والطريق الطموحة لتوسيع العلاقات التجارية والاستثمارية من الصين إلى أوروبا. وعلى الرغم من أن خان لم يحسن العلاقات بين باكستان والهند، إلا أن العديد من الخبراء يقدرون أنه ما من زعيم باكستاني قادر على تغيير ديناميكيات العلاقة بين الهند وباكستان بشكل كبير. فقد كانت العلاقة متوترة للغاية منذ التقسيم في عام 1947، وخاض البلدان ثلاث حروب تقليدية كبرى، وخيّم شبح الصراع النووي بينهما عدة مرات، وكان آخر التوترات قد وقع في عام 2019 مما دفع البلدين إلى التعبئة العسكرية بعد صدام بسيط. ومع ذلك، فإن استئناف المحادثات بين البلدين حول نزاعهما الطويل حول ولايتي جامو وكشمير الخاضعتين لسيطرة الهند يبقى أمرا محتملا على الدوام.
وقد نفى المسؤولون الأمريكيون بشكل قاطع مزاعم خان بأنهم دعموا الجهود المبذولة للإطاحة به، لكن القادة الأمريكيين يتوقعون أن تغيير الحكومة في باكستان قد يمهد الطريق لعلاقات أفضل. فقد كان خان من أشد المنتقدين لقرار الرئيس بايدن سحب القوات الأمريكية من أفغانستان، وزعم أن تاريخ الانسحاب المعلن شجع حركة طالبان وقلص نفوذ باكستان على الحركة. وألقى المسؤولون الأمريكيون من جانبهم باللوم على خان لعرقلة خطة أمريكية لإعادة إنشاء قواعد استخباراتية وعملياتية لمكافحة الإرهاب في باكستان تهدف إلى التعويض عن إغلاق مثل هذه المنشآت في أفغانستان. وقد اتخذ قائد الجيش الباكستاني القوي الجنرال قمر باجوا موقفا من العلاقات مع الولايات المتحدة يتعارض مع موقف خان، وقال قبل اقتراح سحب الثقة الذي كان مخططا له، «نتشارك في علاقة إستراتيجية طويلة وممتازة مع الولايات المتحدة التي لا تزال أكبر سوق تصدير لنا…»، كما انحاز إلى موقف الولايات المتحدة بشأن غزو أوكرانيا، قائلًا إن «العدوان الروسي على دولة أصغر لا يمكن التغاضي عنه». ومع ذلك، وعلى الرغم من أن نيودلهي وواشنطن قد تستفيدان من خروج خان، فإن خلافاتهما مع باكستان ليست بالضرورة قابلة للحل الشامل، حتى لو نُصّب رئيس وزراء جديد في إسلام أباد.