أوّل الكلام آخره:
- في 4 شباط (فبراير) 2022، افتتحت الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين بالصين، بمشاركة أكثر من 80 دولة. وقد قاطعت الولايات المتحدة والعديد من الدول الأخرى الحدث دبلوماسيًا، محتجّةً بانتهاكات حقوق الإنسان ضد الأويغور وغيرهم.
- كما هو الحال مع دورة الألعاب الأولمبية الصيفية لعام 2008 التي استضافتها الصين أيضًا، فإن بكين اليوم عبر استضافة ألعاب 2022 تسعى إلى إرسال إشارة لبقية العالم بأنها قوة عالمية، وأنها قد استعادت عافيتها بعد كوفيد-19.
- ولكن الصين واجهت رد فعل عنيفًا دوليًا بسبب سياستها الخارجية العدوانية المتزايدة، وانعدام الشفافية بشأن تفشي كوفيد-19، وانتهاكات حقوق الإنسان في التبت وشينجيانغ وهونغ كونغ – وهي القضايا التي سلطت ألعاب 2022 الضوء عليها بشكل أكبر.
- أثبتت الألعاب الأولمبية لعام 2022 أنها أكثر الأحداث الرياضية الدولية إثارة للجدل منذ الثمانينيات، عندما اعتمدت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي سياسات مقاطعة متبادلة.
في 4 شباط (فبراير) 2022، افتتحت دورة الألعاب الأولمبية الشتوية الرابعة والعشرين في ملعب «عش الطيور»في بكين بالصين. وقد أرسلت أكثر من 80 دولة رياضيين للمنافسة في الألعاب، لكن الولايات المتحدة والعديد من الدول الأخرى – بما في ذلك أستراليا والمملكة المتحدة – قاطعت الحدث دبلوماسيًا بسبب انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها الحزب الشيوعي الصيني، بما في ذلك الإبادة الجماعية المستمرة للسكان الأويغور ذوي الأغلبية المسلمة ولبعض الأقليات الأخرى. وتعارض الصين هذه المزاعم وتنتقد الحكومات الأجنبية لتسييسها الرياضة وتدخلها في «القضايا الداخلية» للصين. وكما هو الحال مع أي حدث رياضي دولي كبير، سيسعى الحزب الشيوعي الصيني إلى الاستفادة من الفرص السياسية المحلية والدولية التي توفرها الألعاب. ولكن الألعاب شكلت أيضًا مجموعة من التحديات للحزب الشيوعي الصيني، سواء في الداخل أو في الخارج.
وعلى الرغم من الجدل الدولي حول بكين 2022، أتيحت أمام الحزب الشيوعي الصيني عدة فرص مهمة. من أهمها تنمية النزعة القومية والدعم المستمر للرئيس شي، وهو أمر مهم للغاية قبل المؤتمر العشرين للحزب. وتسعى السياسات التي اعتمدت فيما يتعلق بألعاب 2022، والتي يطلق عليها اسم «الوعود الأولمبية»، إلى تعزيز وضعية شي. ومع ذلك، فإن القومية هي «صندوق باندورا» يصعب السيطرة عليه في بعض الأحيان، وهو أمر ظهر جليّا مع موجة المضايقات التي استهدفت المتزلجة المولودة في الولايات المتحدة تشو يي بعد أن سقطت وهي تمثّل فريق الصين. ففي غضون ساعات، حصلت الهاشتاغات المهينة على تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي الصينية، مثل Weibo، على مئات الملايين من المشاهدات، وهاجم مستخدمو الإنترنت المتزلجة لأنها ولدت في الولايات المتحدة ولأنها غير قادرة على التحدث باللغة الصينية بطلاقة. وقد سارع جهاز الرقابة في الحزب الشيوعي الصيني إلى إزالة الوسوم والمشاركات والحسابات المهينة، ضمن مساعيه للسيطرة على السلوكيات المهينة عبر الإنترنت على امتداد الأولمبياد – بما في ذلك تلك التي تثيرها المشاعر القومية الواضحة.
يسعى الحزب الشيوعي الصيني أيضًا إلى الاستفادة من الألعاب لإظهار تفوق نظام الحوكمة في الصين – خاصة بهدف الإشارة إلى نجاح سياسة «صفر كوفيد» في البلاد، على عكس فشل الدول الأخرى في السيطرة على انتشار الوباء. ويمثل هذا ثقلًا موازنًا مهمًا للتصورات العالمية السلبية عن الصين في أعقاب تفشي وباء كوفيد-19، والتي نتج عنها، على سبيل المثال، موجة من جرائم الكراهية الأمريكية ضد الآسيويين في الولايات المتحدة. وبعد حملة دبلوماسية مكثفة دعمت فيها الصين العديد من البلدان النامية في مواجهة الفيروس، كان هذا التحول تأكيدًا مهمًا على نضج سياسات الصحة العامة في الصين. ومع ذلك، فإن موجة الأوميكرون التي ضربت الصين قبل الألعاب أجبرت المسؤولين على الحد بشكل كبير من عدد المتفرجين، على نحو حدّ قليلا من طموح الحزب الشيوعي الصيني لمقارنة صور الملاعب الممتلئة بصور المقاعد الفارغة في دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في اليابان العام الماضي.
وتمامًا كما هو الحال مع الألعاب الأولمبية الصيفية لعام 2008 التي استضافتها بكين، تسعى الصين من خلال استضافة ألعاب 2022 إلى إرسال إشارة لبقية العالم بأنها قوة عالمية تستحق التقدير والاحترام الدوليين. ومن خلال عرض تقدم البنية التحتية الهائلة – التي تشمل أكثر من عشرين موقعا رياضيًا، جميعها يُزعم أنها تعمل بالطاقة الخضراء المتجددة – يسعى الحزب الشيوعي لتسليط الضوء على الصين بوصفها بلدا رائدا عالي التقنية ملتزما بالتنمية المستدامة. ولهذه الغاية، عقد شي عدة اجتماعات مهمة رفيعة المستوى على هامش الألعاب. وكان على رأسها الاجتماع بين الرئيس شي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي نتج عنه اتفاق بكين وموسكو على تعاون اقتصادي وأمني أوثق، بما في ذلك عقد مدته 30 عامًا تزود روسيا بموجبه الصين بالغاز وبيان مشترك يعارض «توسع الناتو». وبعد عامين من عدم سفر شي خارج الصين، والتدهور الكبير في العلاقات بين الصين والولايات المتحدة والديمقراطيات الليبرالية الأخرى، استفاد شي من النفوذ الدبلوماسي لألعاب 2022 لتعزيز القوة الناعمة للصين.
ومع ذلك، تواجه الصين رد فعل عنيفًا دوليًا بسبب سياستها الخارجية العدوانية المتزايدة، وانعدام الشفافية بشأن تفشي كوفيد-19، وانتهاكات حقوق الإنسان في التبت وشينجيانغ وهونغ كونغ – وهي قضايا سلطت ألعاب 2022 الضوء عليها بشكل أكبر. فقبل بكين 2022، دعت عدد من الحكومات والمنظمات الرياضية وأكثر من 180 مجموعة حقوقية اللجنة الأولمبية الدولية إلى نقل الألعاب إلى خارج الصين بسبب انتهاكات حقوق الإنسان المستمرة في البلاد. وردت الصين بانتقاد «تسييس الرياضة». وكانت المفاجأة أن الصين جعلت بين حاملي الشعلة في الصين قائد فوج جيش التحرير الشعبي الذي قاتل في اشتباك جالوان مع الهند ورياضيّا من أقلية الأويغور – وهي خطوة استفزازية انتُقدت على نطاق واسع بوصفها محاولة لتبييض الإبادة الجماعية المستمرة في شينجيانغ. كما واجهت الشركات الدولية التي ترعى الألعاب انتقادات لاذعة عبر الإنترنت ودعوات لمقاطعتها على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أشار المستخدمون إلى عدم رضاهم عن دعم هذه الشركات للحكومة الصينية في ضوء انتهاكات حقوق الإنسان. وعلى أرض الواقع، أدت التقارير المتعلقة بالرقابة التي تستهدف الصحفيين والرياضيين الأجانب، إلى جانب المخاوف الأمنية للرياضيين والصحفيين على حد سواء، بما في ذلك المخاوف من برامج التجسس المزعومة في تطبيق الهاتف المحمول الرسمي للألعاب، إلى إضعاف مصداقية بكين على المستوى الدولي.
وقد أثبتت الألعاب الأولمبية لعام 2022 أنها أكثر الأحداث الرياضية الدولية إثارة للجدل منذ ثمانينيات القرن الماضي، عندما اعتمدت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي سياسات للمقاطعة المتبادلة لدورتي الألعاب الأولمبية الصيفية 1980 و1984. وقد سعى الرئيس شي والحزب الشيوعي الصيني إلى الاستفادة من الألعاب من أجل تعزيز موقف الصين في الداخل والخارج؛ ومع ذلك، فقد شاب بكين 2022 أيضًا العديد من التحديات للحزب الشيوعي الصيني، من بينها الانتقادات الدولية الواسعة النطاق لانتهاكات الحكومة المستمرة لحقوق الإنسان. وبينما يزعم الحزب الشيوعي الصيني أن الحدث رياضي ولا ينبغي تسييسه، فإنه غالبًا ما يكون للأحداث الرياضية الدولية تداعيات سياسية، وتكشف الإجراءات التي تتخذها بكين وواشنطن حول الألعاب عن الهوة العميقة بين الولايات المتحدة والصين.