أوّل الكلام آخره:
- تواجه الولايات المتحدة والديمقراطيات الأخرى موجة متزايدة من محاولة الأنظمة الاستبدادية توكيد حضورها على الساحة العالمية، بما في ذلك الصين وروسيا.
- ساعد الاستثمار الصيني بكين، من خلال مبادرة الحزام والطريق، على تحقيق نجاحات سياسية وفتح أبواب لها في العديد من الديمقراطيات في جميع أنحاء العالم.
- تعمل بكين وموسكو على تقويض النفوذ الأمريكي خاصة، والغربي عامة، وتسعى إلى كسب ود الأنظمة الاستبدادية الأخرى.
- تسعى إدارة بايدن إلى ترجمة أقوالها إلى أفعال على نحو يمكنها من أن تسترد الشرعية السياسية والسلطة الأخلاقية لقيادة الغرب.
تتصدّر قضية عدوانية الصين المتزايدة في الشؤون العالمية جدول أعمال السياسة في واشنطن وفي عواصم الديمقراطيات الغربية الأخرى. ويتزايد القلق بشأن البصمة العالمية للصين ودعوة بكين المفتوحة إلى تحالف جملة من الأنظمة المتقاربة النمط لمنافسة الولايات المتحدة وحلفائها، وتقويض القيم المرتبطة بنفوذها. وفي حقبة ما بعد الحرب الباردة، لم تلق دعوات الصين آذانا صاغية. ولكن في عام 2021، وفي خضم وباء عالمي خلف الموت والدمار الاقتصادي، ازدادت البلدان المستعدة للإنصات إلى النغمة الصينية، ولا سيما مع تقلب السياسة الخارجية الأمريكية وتراجع مصداقيتها في السنوات الماضية.
وقد أدى ميل ترامب إلى الديكتاتوريات في ظل ولايته التي امتدت على أربع سنوات إلى وقوع حالة من التشوش والتشكيك في العديد من البلدان الأخرى التي كانت الولايات المتحدة لها بمثابة منارة للديمقراطية. وصحيح أن إدارة بايدن لن تتعامل مع الطغاة كسابقتها، ولكن الحاجة لا تزال ملحة إلى أن تسيطر الولايات المتحدة على الأضرار بشكل أكبر لإصلاح العلاقات المتوترة مع الحلفاء التقليديين، ولا سيما في ظل بعض القيود التي تحول دون إجراء تحولات كبيرة في النهج للتعويض عن السنوات القليلة الماضية. وينظر إلى المبادرات الجديدة مثل «الرباعي»، وهو الحوار الأمني بين الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند، على أنه حصن محتمل ضد الصين وحلفائها الاستبداديين. ومع ذلك، فقد ساعد الاستثمار الاقتصادي الصيني من خلال مبادرة الحزام والطريق بكين على تحقيق نجاحات سياسية وفتح الأبواب لها في العديد من الديمقراطيات في جميع أنحاء العالم.
وفي أواخر آذار / مارس، التقى وزير الخارجية الصيني وانغ يي وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف للتنديد بما تعده بكين تدخلا أمريكيا ونقصا في كفاءة الولايات المتحدة. وكان هذا في أعقاب اجتماع متوتر وغير مثمر بشكل ملحوظ بين الولايات المتحدة والصين في أنكوراج في ألاسكا، حيث توقف الاجتماع وسط الاتهامات المتبادلة بشأن انتهاكات الإجراءات الدبلوماسية وآداب السلوك. ويبدو أن العلاقات بين بكين وواشنطن تتجه نحو الحضيض بسبب الاتهامات حول منشأ الكورونا ورفض الصين مشاركة البيانات الهامة حول مدى انتشاره. وتشكل سرقة الصين المتكررة للملكية الفكرية والإبادة الجماعية المستمرة لسكانها الأويغور قضيتين قادتا إلى الاحتكاك المستمر مع الولايات المتحدة. وترى الصين أن أي محاولات لمناقشة عدم التزامها بالمعايير الدولية الراسخة هي إساءة إلى حقوقها السيادية على أراضيها.
واليوم، تنظر الصين إلى نفسها على أنها في موقع الندّ المباشر للولايات المتحدة، وعليه، فهي تسعى إلى استغلال الفرص لتعزيز هذا الموقع. وتعمل بكين وموسكو على تقويض النفوذ الأمريكي والسعي إلى كسب ود الأنظمة الاستبدادية الأخرى، ومنها المملكة العربية السعودية وتركيا وإيران، مع تقديم وعود إلى هذه الدول بالاستثمار الاقتصادي القوي والدعم. وفضلا عن ذلك، تنمّي بكين استثماراتها في إفريقيا وآسيا الوسطى على سبيل المثال، بهدف ضمان قدر أكبر من النفوذ على مستوى الأمن وتدابير مكافحة الإرهاب. وخلافا للدعم المقدم من الغرب، فإن استثمارات بكين غير مصحوبة بأي توقعات تتعلق بمعايير حقوق الإنسان، كما أنها لا تشتمل على أي تدخل في القضايا السياسية والأمنية المحلية.
ونظرا لطبيعة النظام الدولي والتنافس شبه المستمر على الصدارة، فلن تغيب التوترات والمنافسات بين الأنظمة الاستبدادية والديمقراطيات. وتأتي جاذبية الاستبداديين، في أعين مواطنيهم وجيرانهم، من التصور الجذاب، وإن كان خاطئا، الذي يقدّم الاستقرار والأمن على كل ما عداهما. وفي مراحل مختلفة، جذبت هذه المعادلة الولايات المتحدة وحلفاءها أيضا، فدعموا الأنظمة الاستبدادية من أمريكا اللاتينية إلى الشرق الأوسط بحجة تأمين الاستقرار في كثير من الحالات. وتلعب العوامل الاقتصادية دورا هاما في تلك الترتيبات أيضا. وفي الوقت نفسه، حاولت الولايات المتحدة تقديم نفسها وحلفائها على أنها معيار الحكم الرشيد، على الرغم من أن واشنطن في كثير من الحالات اكتفت بالدعم الكلامي لقضية حقوق الإنسان، وفضلت في بعض الحالات الدكتاتورية على الديمقراطية. وتسعى إدارة بايدن إلى ترجمة أقوالها إلى أفعال على نحو يمكنها من أن تسترد الشرعية السياسية والسلطة الأخلاقية لقيادة الغرب.