أوّل الكلام آخره:
- تتواصل الاحتجاجات العنيفة في جميع أنحاء الولايات المتحدة ردا على مقتل جورج فلويد، وهو رجل أسود قُتل أثناء إلقاء شرطة مينيابوليس القبض عليه.
- احتلت مجموعات من الجهات الفاعلة وذات الأجندات المسبقة ساحات الاحتجاج، سعيا منها إلى زيادة وتيرة الاحتجاجات أو استغلالها.
- كثير من المدن هي اليوم على حافة الهاوية، مما يسمح لحالات سوء الفهم البسيطة أو لحظات ذروة الغضب أن تتحول بلمح البصر إلى أعمال عنف مميتة.
- أشعلت الاحتجاجات نار التعصب الحزبي الّذي يزيد من حدّة الانقسامات ولا يسمح بمعالجة العوامل الأساسية التي دفعت المتظاهرين إلى الشوارع في المقام الأول، أي وحشيّة الشرطة في تعاملها مع أبناء البشرة السمراء الّتي وصلت حدّ الجريمة.
تتواصل الاحتجاجات العنيفة في جميع أنحاء الولايات المتحدة ردا على مقتل جورج فلويد، وهو رجل أسود قُتل أثناء إلقاء شرطة مينيابوليس القبض عليه. وكانت أشرطة الفيديو التي أظهرت ضابطا راكعا على عنق فلويد دون أن يحرك الضباط الآخرون ساكنا قد أثارت غضبا شديدا وأظهرت بكل وضوح عملا يشين الشرطة التي لم تتبع الإجراءات القانونية المعتمدة في القبض على المطلوبين. ويعدّ ما حدث بعد ذلك أمرا حتميا ناتجا عن عقود من ممارسات الشرطة غير المنضبطة، وعن عسكرة الشرطة المحلية، وفقدان الثقة في الدولة على جميع المستويات، وعن انقسام مجتمعي حاد يتعذّر معه الاتّفاق حتى على الحريات الأساسية. وتعرض المتظاهرون والمحتجون للترهيب والضرب على أيدي الشرطة، وبالمقابل تعرض أفراد الشرطة للاعتداء وأصيب بعضهم. وأبلغ عن عشرات الحالات من أعمال العنف التي ارتكبتها الشرطة ضد الصحفيين. ويمكن وضع كل ما جرى ضمن إطار تداعي الأعراف الاجتماعية الضابطة على مستويات متعددة. وفي الوقت نفسه، فشل الرئيس ترامب في مخاطبة الأمة، إذ إنه بقي متحصنا في البيت الأبيض، لا يقوم إلا بإرسال رسائل تحريضية وتغريدات غير موفّقة، تكتب بالأحرف الكبيرة، ولا يتعدى بعضها الكلمة أو الكلمتين، منها «القانون والنظام» و«الصين» و«الأخبار المزيفة».
وقد احتلت مجموعات من الجهات الفاعلة وذات الأجندات المسبقة كثيرا من ساحات الاحتجاج، سعيا منها إلى زيادة وتيرة الاحتجاجات أو استغلالها. وعلى امتداد المدن، من مينيابوليس إلى أتلانتا وفيلادلفيا إلى مدينة نيويورك، يصعب تصنيف الجماعات والجهات الفاعلة المندسة في صفوف المتظاهرين وتحديدها بدقة. ولكن الشيء الظاهر أن بعض الاحتجاجات تحوّلت إلى أعمال عنف ونهب وتخريب وإشعال نيران في المركبات والشركات. وقد وصل متطرفون من مختلف الأطياف الأيديولوجية إلى هذه الاحتجاجات لإشاعة الفوضى والسعي إلى تحقيق أهدافهم الخاصة، مرتكبين أعمال شغب متفرّقة. ولا شك أن أهداف هؤلاء الذين ينشرون العنف والخراب تختلف تماما عن أهداف أولئك الذين يسعون إلى تحقيق العدالة لجورج فلويد وللأمريكيين من أصول إفريقية في الولايات المتحدة ويطالبون بإصلاح أنظمة الشرطة ويرفضون التزام الصمت بعد مقتل رجل أسود أعزل آخر. وقد ألقى القادة المحليون وقادة الولايات في مينيسوتا باللائمة في أعمال العنف على المحرضين الخارجيين وأولئك القادمين من ولايات أخرى، بمن فيهم المجرمون والمتطرفون، على الرغم من أن النسبة المئوية للمعتقلين ممّن هم من خارج الولاية لم تظهر بعد. إن التصريحات الصادرة عن المسؤولين بأن أعمال الشغب صادرة عن «مخربين من الخارج» هي تصريحات صحيحة إلى حد ما ولكنها مضللة أيضا لأن الغالبية العظمى ممّن هم في الشوارع، تنتمي إلى صفوف المتظاهرين المحليين وليس إلى صفوف مرتكبي أعمال الشغب. وكما هو متوقع، فلا يمكن إيفاء الفوارق الدقيقة والسياقات ومبادئ التناسب حقها عندما يعلو صخب أعمال الشغب، حتّى لو كانت قطرة في بحر الاحتجاجات السلمية.
وخلال عدة تظاهرات في جميع أنحاء البلاد، دمر المندسون الممتلكات ورسموا رموزا فوضوية على الشركات والمركبات المتضررة. كما أدت الاحتجاجات إلى وصول أفراد مدججين بالسلاح زعموا أنهم يريدون حماية الشركات من السرقات، وأن يكونوا حاجزا بين المتظاهرين وسلطات إنفاذ القانون. وقد نهب الانتهازيون المتاجر الفاخرة في المدن الكبرى، مستغلين الأزمة لتحقيق مكاسب شخصية، مضيعين بذلك بوصلة الاحتجاج. والمدن في جميع أنحاء البلاد هي اليوم على حافة الهاوية، مما يسمح لحالات سوء الفهم المتبادل ولسورات الغضب أن تتحول بلمح البصر إلى أعمال عنف مميتة. وقد نشرت ولايات مختلفة وحدات من الحرس الوطني للمساعدة في كبح أعمال العنف واستعادة النظام، ولكن بعض التقارير أفادت أن وحدات الحرس نفسها أصبحت هدفا للمتطرفين المناهضين للدولة. أما على الانترنت، فقد تصدّر مصطلح «بوغالو» وسائل التواصل الاجتماعي، مرفقا مع ميمات ودعوات لجعل احتجاجات جورج فلويد مقدّمة للحرب الأهلية التي يبشّرون بها. وقد برز لمؤيدي نظرية التحفيز المسرّع، وهم فئة من الأفراد والجماعات تؤمن بضرورة العمل على التعجيل في انهيار المجتمع، نشاط واسع على وسائل التواصل الاجتماعي لتشجيع الناس على الانخراط في أعمال العنف غير المشروعة.
ويفسر السياسيون الأحداث على هواهم لتتناسب ورواياتهم. فالرئيس ترامب، كما هو متوقّع، ربط الأحداث بالتعصب الحزبي وعدّ مظلوميّة السود أمرا مصطنعا. وقد تباهى بعزمه على الرد القوي لإنفاذ القانون، على نحو بدا تحريضا على ارتكاب العنف ضد المتظاهرين. والمشكلة أن القضيّة سيّست على أسس حزبية، وهذا متوقّع في ضوء الاستقطاب العميق الذي تشهده البلاد. على أن زيادة الانقسامات قد تحول دون اتّخاذ إجراءات فعالة لمعالجة العوامل الأساسية التي دفعت المتظاهرين إلى الشوارع في المقام الأول، أي وحشية الشرطة وسلوكها الإجرامي. وستؤدي أعمال الشغب إلى تفاقم هذه المسألة، ولا سيّما إذا ما قامت إدارات الشرطة وقوات الحرس الوطني بالرد بعنف مفرط على العنف الفوضوي، مما قد يؤدي إلى الوقوع في حلقة التدمير الذاتي المفرغة التي قد تعجز الولايات المتحدة عن كسرها. ولا تزال الولايات المتحدة تسعى جاهدة لمواجهة وباء كورونا، وهي تستعد لدخول فترة من الإجهاد الاقتصادي الشديد وغموض المستقبل. وبحسب جميع المؤشرات تقريبا، لم تمر البلاد بظروف سيئة كهذه منذ زمن بعيد. ومع اقتراب موعد انتخابات تشرين الثاني / نوفمبر 2020، سوف يطالب المواطنون الأمريكيون السياسيين بحلول لمعالجة قضايا وحشية الشرطة ضد الأمريكيين من أصول إفريقية، والتفاوت الاجتماعي والاقتصادي، وعجز النظام عن معالجة مجموعة من القضايا التي تهم الشعب الأمريكي.