أوّل الكلام آخره:
- تنذر الاشتباكات على الحدود الأفغانية مع كل من باكستان وإيران إلى انتهاء فترة الهدوء الإقليمي الحذر الذي ساد منذ عودة طالبان إلى السلطة في كابول.
- تدرك باكستان أن سلطات الأمر الواقع في أفغانستان متعاطفة مع المسلحين الباكستانيين الذين يهددون استقرار باكستان.
- أي توتر مع أفغانستان يضعف قدرة باكستان على توظيف طالبان في خلافها مع الهند.
- عادت الخلافات القديمة بين إيران وطالبان الأفغانية إلى الظهور مجددا على شكل اشتباكات حدودية واتهامات متبادلة.
الاشتباكات الحدودية التي اندلعت في نيسان (أبريل) بين سلطات الأمر الواقع الطالبانية في أفغانستان وجارتيها، إيران وباكستان، تشي بانتهاء فترة الهدوء الحذر الذي ساد المنطقة منذ عودة طالبان إلى السلطة في كابول في آب (أغسطس) 2021. ففي منتصف نيسان (أبريل)، ضربت الطائرات الباكستانية أهدافًا في مقاطعتي كونار وخوست الأفغانيتين – وكلاهما على الحدود مع باكستان – بعد عدة أيام من إقدام مسلحين باكستانيين ينشطون في المقاطعتين على قتل سبعة جنود باكستانيين عبر الحدود على ما زُعم. وقد أودت الضربات في ولايتي كونار وخوست بحياة 47 مدنيا على الأقل. وفي أواخر نيسان (أبريل)، حذر وزير الدفاع الأفغاني، الملا محمد يعقوب، نجل مؤسس طالبان الراحل الملا محمد عمر، في خطاب غير اعتيادي من أن طالبان لن تتسامح بعد اليوم مع أي «غزوات» أخرى من الدول المجاورة على الأراضي الأفغانية.
وقد مثلت الضربة الجوية الباكستانية منعطفًا حادًا في الترتيبات الاستراتيجية في جنوب آسيا. فبعد أن أطاحت طالبان بالحكومة المدعومة من الولايات المتحدة في كابول، توقع الاستراتيجيون الباكستانيون أن قيادة طالبان ستتماهى مع إسلام أباد التي دعمت نظام طالبان القديم (1996-2001) ووفرت له الحماية والمأوى طوال 20 عامًا من العمليات التي قادتها الولايات المتحدة ضده. وتوقع القادة الباكستانيون أن القادة الجدد في كابول سيساعدون، على أقل تقدير، في كبح جماح العنف عند حركة طالبان الباكستانية. ولكن طالبان الأفغانية، وبدلًا من رد الجميل لباكستان، دعمت إخوانها الإسلاميين الباكستانيين، مما أتاح لهم الملاذ الآمن داخل أفغانستان، وسمح لهم بالتوغل منها إلى باكستان. ومنذ انهيار الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة في أفغانستان، نفذت حركة طالبان باكستان 82 هجومًا في باكستان، أي أكثر من ضعف عدد الهجمات خلال نفس الفترة من العام السابق، وقتلت 133 شخصًا، وفقًا لمعهد باك لدراسات السلام وهو مركز أبحاث في إسلام أباد. ويشير تزايد وتيرة هجمات حركة طالبان باكستان وشدتها إلى أن الحماية التي تتلقاها الجماعة من حركة طالبان الأفغانية تمكّن الجماعة من استعادة قوتها بعد عقد من العمليات العسكرية الباكستانية ضدها.
وفي النطاق الأوسع، تجذب الاشتباكات الحدودية انتباه الاستراتيجيين الهنود، الذين قدروا في البداية أن سيطرة طالبان على أفغانستان ستمنح باكستان، وهي خصم الهند التاريخي، عمقًا استراتيجيًا يساعدها في مواجهة نيودلهي. نعم، إن تقارب طالبان الأفغانية مع فرعها الباكستاني يعزز مخاوف الهند من أن تصبح أفغانستان مرة أخرى ملاذًا للمسلحين الإسلاميين، ولكنها مع ذلك ترى اليوم أن الخلاف بين طالبان الأفغانية وباكستان يضمن عمليا ألا يشكل الطرفان جبهة موحدة ضدها.
وبخلاف الحدود الشرقية، كانت الاشتباكات الحدودية بين إيران وأفغانستان أمرا متوقعا منذ فترة طويلة وتنسجم مع العداء القديم بين طهران وطالبان. وكانت إيران ونظام طالبان القديم على شفا صراع مسلح في عام 1998 بعد أن قتل مقاتلو طالبان تسعة دبلوماسيين إيرانيين في القنصلية الإيرانية في مدينة مزار الشريف الشمالية. وقد دعمت إيران «التحالف الشمالي» للأقليات الأفغانية، بما في ذلك الشيعة الأفغان، ضد طالبان في السنوات التي سبقت التدخل الأمريكي في عام 2001. بعد هذا، تعاونت إيران بعض الشيء مع طالبان وزودتها بالأسلحة في مواجهة القوات الأمريكية في أفغانستان. وعلى الرغم من حذر إيران الدائم من طالبان، فإن القادة الإيرانيين رحبوا في آب (أغسطس) 2021 بنهاية الصراع الأهلي في أفغانستان وبخروج التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة من البلاد، وخاصةً من الحدود الشرقية لإيران. وتواصل المسؤولون الإيرانيون مع نظام طالبان الجديد في كابول، وسمحوا لمسؤولي طالبان بالعودة إلى سفارة بلادهم في طهران في نيسان (أبريل). ومع ذلك، فإن أفراد طالبان مخولون فقط بأداء المهام القنصلية، لأن إيران، حالها في ذلك حال جميع الحكومات الأخرى، لم تعترف رسميا بعد بحركة طالبان باعتبارها السلطة الحاكمة في أفغانستان.
ومع ذلك، فإن حذر إيران من طالبان بقي قائما على الدوام، وتعزز مع وقوع تفجيرات في عدة مساجد شيعية أفغانية أخفقت قوات أمن طالبان في منعها، فضلًا عن توارد الأخبار عن سوء معاملة طالبان للشيعة. وفي أواخر نيسان (أبريل)، اشتبك حرس الحدود الإيراني مع القوات الأفغانية في منطقة إسلام قلعة غربي هرات بسبب قيام الأفغان ببناء طرق بالقرب من الحدود. وردت السلطات الأفغانية بمصادرة مركبة عسكرية إيرانية، مما دفع إيران إلى نشر وحدات عسكرية برية وطائرات هليكوبتر إضافية – وليس من قوات الحرس الثوري الإسلامي – على الحدود. وأغلقت إيران المعبر الحدودي مؤقتًا، في حين قللت من أهمية الحشد العسكري، وقالت إنه مجرد إجراء روتيني لأمن الحدود. وانتقد مسؤولو وزارة الخارجية الإيرانية في الوقت نفسه الأفغان «لضعف مهاراتهم» وعدم قدرتهم على تمييز النقاط الحدودية بين البلدين. سعى الجانبان لاحقًا إلى نزع فتيل التوترات بالإعلان عن أنه في أوائل أيار (مايو)، سيرأس القائم بأعمال وزير شؤون اللاجئين والعودة بطالبان خليل الرحمن حقاني وفدًا إلى إيران لمناقشة الاشتباكات الحدودية وسوء المعاملة الإيرانية المزعومة للاجئين الأفغان. على أن تأثير التوترات على السكان على جانبي الحدود برز جليا في 6 نيسان (أبريل) عندما طعن مهاجر أفغاني ثلاثة رجال دين إيرانيين في ضريح الإمام الرضا في مشهد، مما أسفر عن مقتل اثنين وإصابة الثالث بجروح خطيرة.
ومن المرجح أن تتعافى علاقات طالبان مع باكستان بسبب تحالفهما الطويل، لكن العلاقات بين إيران وكابول ستخضع على الأرجح لدورات متكررة من التوترات بسبب خلافاتهما العميقة والقديمة. وفي السياق الاستراتيجي لديناميات جنوب آسيا، ستصبح الهند المستفيد الرئيسي من الانقسامات الطويلة الأمد (المتوقعة وغير المتوقعة) بين هذه الجهات الفاعلة الرئيسية في المنطقة.