ملاحظة: أعد هذا التقرير قبل إطلاق حماس للصواريخ على تل أبيب
أوّل الكلام آخره:
- استمر تصاعد القتال بين الإسرائيليين والفلسطينيين، حيث أطلق مسلحو حماس الصواريخ على إسرائيل، وشن الإسرائيليون غارات جوية على غزة.
- وكانت الاحتجاجات قد اندلعت بسبب قرار المستوطنين الإسرائيليين المعلّق بطرد الأسر الفلسطينية من حي الشيخ جراح في القدس الشرقية.
- ويحدث التصعيد في ظل وضع سياسي متأزم، فقد ألغت السلطة الفلسطينية الانتخابات المقبلة أما إسرائيل فهي في صدد تشكيل ائتلاف حاكم.
- سيزيد استمرار التصعيد من إضعاف الموقف الأمريكي في المنطقة، مما يوفر فرصا لخصوم أمريكا لبسط نفوذهم السياسي.
تصاعدت اشتباكات عنيفة بين الإسرائيليين والفلسطينيين هذا الأسبوع في القدس. وفي الأيام القليلة الأخيرة من شهر رمضان المبارك، دخلت الشرطة الإسرائيلية مجمع المسجد الأقصى، ثالث أقدس موقع في الإسلام والواقع على جبل الهيكل، وهو مقدس عند اليهود والمسيحيين والمسلمين. وأفاد ممثل للصليب الأحمر الفلسطيني أن أكثر من 330 فلسطينيا أصيبوا في الاشتباكات، في حين أبلغت إسرائيل عن إصابة ما لا يقل عن 21 ضابطا من ضباط الشرطة. وألقى الفلسطينيون الحجارة وأطلقوا الألعاب النارية بينما أطلقت الشرطة الإسرائيلية الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع والقنابل الصاعقة داخل المسجد. وقد تزايدت الاحتجاجات في الآونة الأخيرة بسبب قرار المستوطنين الإسرائيليين المعلّق طرد الأسر الفلسطينية من منازلها في القدس الشرقية، التي تعدّها إسرائيل جزءا من عاصمتها ويطالب بها الفلسطينيون عاصمة لدولتهم المقبلة. ونُشرت الصور من المسجد على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي وساهم الإخلاء المتوقّع في زيادة التوترات. وتوعدت حركة حماس إسرائيل بـدفع «ثمن باهظ جدا» إذا لم ينعكس مسار الإخلاء ولم تنسحب قوات الأمن الإسرائيلية من المسجد.
أما في الضفة الغربية، فقد حصلت معارك بالأسلحة النارية بين الجنود الإسرائيليين والمسلحين الفلسطينيين. وبعد ظهر الاثنين وحتى المساء، أطلق مسلحو حماس عشرات الصواريخ على الأراضي الإسرائيلية، وهبط واحد مباشرة غرب القدس، وألحق أضرارا بالمنازل دون أي إصابات. كما أطلق صاروخ مضاد للدبابات من غزة على سديروت، مما أدى إلى إصابة مدني في المنطقة، كما أطلقت المزيد من الصواريخ على جنوب إسرائيل. ورد الإسرائيليون بشن غارات جوية على غزة، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 20 فلسطينيا، من بينهم تسعة أطفال على الأقل، وفقا لوزارة الصحة الفلسطينية. وتحدث هذه الاشتباكات على خلفية وباء عالمي، وتقارير عن محدودية الدعم الطبي واللقاحات للفلسطينيين، وانخفاض المساعدة الإنمائية من الأمم المتحدة منذ عهد الإدارة الأمريكية السابقة. إن اندلاع الصراع خلال شهر رمضان يزيد من حدته، مما يؤدي إلى مخاوف بشأن آفاق انتفاضة ثالثة. وعلق مقال نشر في صحيفة هآرتس الإسرائيلية بأن شهر رمضان لم يكن الوقت المناسب لـ«إظهار القوة» من الشرطة الإسرائيلية، مع الإشارة إلىى تزايد احتمال حدوث ارتفاع حاد في العنف.
وأدت المسيرات الاستفزازية التي قام بها إسرائيليون من اليمين المتطرف لإحياء ذكرى انتصار إسرائيل في الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967، والمعروفة أيضا باسم «حرب الأيام الستة»، إلى تأجيج التوترات، خاصة مع اقترانها بالقيود المفروضة على وصول الفلسطينيين إلى أجزاء من المدينة القديمة خلال شهر رمضان. إن الاحتفال بهذا الانتصار معروف في إسرائيل بـ«يوم القدس»، الذي لطالما كان محطة لاشتعال العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وقبل بضعة أيام، ردد إسرائيليون من اليمين المتطرف هتاف «الموت للعرب» خلال مسيرات لهم في القدس. وقد وصلت القضية المتعلقة بالفلسطينيين الذين يواجهون الإخلاء في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية إلى المحكمة العليا في إسرائيل، وأصبحت محور انتقادات في جميع أنحاء العالم العربي. وبسبب العنف المستمر، الذي استمر لأسابيع، أخرت المحكمة العليا الإسرائيلية المداولات بشأن الطرد المحتمل للأسر الفلسطينية من الشيخ جراح لمدة ثلاثين يوما على الأقل. وقد اشتبك المتظاهرون والمستوطنون مرارا وتكرارا، مما أسفر عن العديد من الإصابات والاعتقالات. وقد أشارت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان مؤخرا إلى أن عمليات الإخلاء «تنتهك التزامات إسرائيل بموجب القانون الدولي». ومن المتوقع أن تستمر جولة القتال الحالية، حيث أشار متحدث عسكري إسرائيلي إلى أن إسرائيل تستعد لقتال قد يمتد لعدة أيام.
ومن الواضح أن الحالة السياسية لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين متأزمة. فقد ألغت السلطة الفلسطينية الانتخابات التي كان من المفترض أن تجري في 22 أيار / مايو والتي تعد الانتخابات الأولى منذ 15 عاما، والتي كان من الممكن أن توفر زخما للعملية السياسية المتوقفة منذ فترة طويلة في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وفي المقابل، يغرق الطرف الإسرائيلي في الاضطرابات، حيث يواجه رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو اتهامات بالفساد. ومؤخرا، كلف الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين زعيم حزب الوسط يائير لابيد ببناء ائتلاف لتشكيل حكومة. وتسعى إدارة بايدن جاهدة للتصدي للعنف المتصاعد، على الرغم من أن مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان عبّر لنظيره الإسرائيلي، مائير بن شبات، عن قلقه بشأن تعاظم الموقف وخروجه عن نطاق السيطرة. وتلمّح إسرائيل من جانبها إلى أن الولايات المتحدة تكافئ أعمال الشغب الفلسطينية من خلال التدخل في مساعي التهدئة. ومع ذلك، فيصعب النظر إلى واشنطن على أنها وسيط أمين في الصراع، خاصة بعد تحرك إدارة ترامب من جانب واحد ومباركتها قرار إسرائيل بنقل عاصمتها من تل أبيب إلى القدس.
وقد جهدت الحكومة الإسرائيلية في تصوير القضية على أنها مجرد «نزاع عقاري» بين المستوطنين الإسرائيليين والفلسطينيين. ولكن على الرغم من محاولات تأطير القضية في هذا الإطار، فإن من المتوقع أن تحمل تداعيات جيوسياسية بعيدة المدى. وقد حث المجتمع الدولي جميع الأطراف على التزام الهدوء. ويضع العنف المستمر ضغوطا على البلدان التي وقعت على اتفاقات إبراهيم، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة. وقد أعرب ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد عن قلقه إزاء العنف في القدس الشرقية، وأشار إلى قدسية المسجد الأقصى في دعوته للحد من الهجوم الإسرائيلي. كما عبر بعض قادة العالم عن مواقفهم، بما في ذلك وزير الخارجية الألماني هايكو ماس الذي أعرب عن أسفه إزاء المزيد من التصعيد، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي دعا إلى ضبط النفس.
ويوم الاثنين، عقد مجلس الأمن جلسة طارئة لمناقشة ممارسات العنف في القدس الشرقية. وكانت الصين التي تتسلم الرئاسة لشهر آيار / مايو واحدة من المعدّين الرئيسين لمشروع بيان في مجلس الأمن الدولي، فضلا عن النرويج وتونس، يدعو إسرائيل إلى «وقف الأنشطة الاستيطانية وعمليات الهدم والإخلاء» في القدس الشرقية. ويطالب البيان بضبط النفس وتجنب الأعمال الاستفزازية، و«التمسك بالوضع التاريخي الراهن في الأماكن المقدسة واحترامه». ودعا بيان صادر عن اللجنة الرباعية للشرق الأوسط، التي تضم الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا، السلطات الإسرائيلية إلى «ممارسة ضبط النفس وتجنب التدابير التي من شأنها أن تزيد من التصعيد من حدة الوضع خلال هذه الفترة من الأيام المقدسة الإسلامية». وسيزيد استمرار التصعيد بين الفلسطينيين والإسرائيليين من إضعاف موقف الولايات المتحدة في المنطقة، على نحو سيتيح فرصا أكبر لخصوم أمريكا، بما في ذلك بكين وموسكو، لبسط نفوذها الإقليمي. كما أن هيمنة الصراع على عناوين الأخبار في الشرق الأوسط وخارجه من شأنها أن تخلق تعاطفا واسعا مع الفلسطينيين، وأن تخدم بعض الدول الإقليمية كإيران.