أوّل الكلام آخره:
- التقت الاضطرابات الاقتصادية الطويلة الأمد في لبنان بالتحديات الناجمة عن وباء كورونا، ما ولّد أزمة طالت لبنان برمّته.
- تعثّرت المحادثات مع المانحين الدوليين بسبب الاختلاف حول نطاق الإصلاحات اللازم إنجازها قبل تقديم المساعدات.
- على الرغم من أن لبنان شهد معدّلات منخفضة من الإصابة بوباء كورونا والوفاة بسببه، إلا أن ارتفاعا ملموسا طرأ على عدد الحالات في الآونة الأخيرة، ممّا رفع معدلات البطالة الناجمة عن الإغلاق المتكرّر للبلاد.
- تمكّن حزب الله من الاستفادة من الوضع الهش في البلاد، وتعزيز حضوره في النظام السياسي في البلاد، نظرا للمهارات التنظيمية القوية التي يتمتع بها الحزب وشعبيته المحلية وتماسكه.
تزداد الأزمة في لبنان سوءا في ظل تزامن حالة الطوارئ الاقتصادية في البلاد مع انتشار الوباء، ممّا ضاعف حالة الاستياء العامة في دولة منقسمة يبلغ عدد سكانها 6.8 مليون نسمة، 20 % منهم من اللاجئين. وقد عادت المظاهرات المناوئة للحكومة إلى البروز مجددا في الأسابيع الأخيرة مع تزايد معدلات البطالة بسبب عمليات الإغلاق الناجمة عن وباء كورونا. وكانت المظاهرات التي اندلعت شرارتها في تشرين الأول / أكتوبر الماضي قد أجبرت رئيس الوزراء السابق سعد الحريري على الاستقالة. وقد انخفضت قيمة الليرة اللبنانية بنسبة 80 % منذ بدء المظاهرات، وبنسبة 60 % في الشهر الماضي فقط، ففي نهاية حزيران / يونيو، كان الشعب يتداول الليرة اللبنانية في السوق السوداء بمعدل 6000 ليرة للدولار الواحد، وهو ما يزيد كثيرا عن سعر الصرف الرسمي البالغ نحو 1500 ليرة للدولار الواحد. كما ارتفعت أسعار الخبز، مما جعل برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، والذي يطعم ثلاثة أرباع مليون لاجئ سوري في لبنان، يوزّع المواد الغذائية على المواطنين اللبنانيين للمرة الأولى منذ عام 2006. وكأن كلّ ذلك لم يكن كافيا حتّى تفاقمت أزمة الكهرباء، وباتت أغلبية البلاد محرومة منها ولا تكاد تحصل منها على ما يزيد عن الساعتين يوميا. وشبه بعض المحللين لبنان بفنزويلا البحر الأبيض المتوسط، على الأقل إذا استمر الوضع على حاله في المستقبل المنظور.
ويزيد تعثّر المحادثات مع المانحين الدوليين والتي تهدف إلى تقديم المساعدات التي تحتاجها البلاد من حدة المشاكل. وكان لبنان في آذار / مارس قد تخلف للمرة الأولى عن سداد استحقاقات ديونه السيادية البالغة 90 مليار دولار. وفي نيسان / أبريل، بدأت البلاد مفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قروض بقيمة 10 بلايين دولار، ولكن صندوق النقد الدولي والجهات المانحة الغربية اشترطت على الحكومة اللبنانية تنفيذ إصلاحات واسعة النطاق للقطاع العام في البلاد، وهي إصلاحات لا تبدو النخب اللبنانية حتى اليوم مستعدة للإقدام عليها. وتتردد بعض دول الخليج في تقديم المساعدات في ظل الدور المركزي لحزب الله في السياسة اللبنانية. ومما لا شك فيه أن غياب المساعدات يزيد الوضع سوءا، بسبب ضعف الاقتصاد اللبناني واعتماده منذ فترة طويلة على التحويلات من الخارج. وقد أفرغت المصارف في البلاد من ودائعها إلى حد كبير بعد تقديم قروض للحكومات المتعاقبة التي كانت تستثمرها في مشاريع فاشلة، واليوم تعجز الحكومة عن سداد هذه القروض، فأصبحت البنوك الهدف الأول للمتظاهرين الذين أضرموا النار فعلا في بعض منها.
وقعت هذه الأحداث متزامنة مع انتشار وباء كورونا في لبنان والشرق الأوسط. وحتى اليوم، يسعى لبنان لتجنب وقوع كارثة صحية عامة، ولم تسجل فيه سوى حوالي 3900 إصابة و50 حالة وفاة. ولكن عمليات الإغلاق التي حالت دون انتشار العدوى وأنقذت أرواح الكثيرين جاءت بكلفة اقتصادية باهظة أرهقت البلاد، إذ فقد عشرات الآلاف وظائفهم. ومع تقدير نسبة البطالة بأكثر من 30 %، تفاقم البؤس الاقتصادي في لبنان في ظل مشاكل عملة البلاد، وتراجع الحوالات المالية، وارتفاع أسعار السلع الأساسية. وفي حين نجح لبنان في احتواء الوباء مقارنة بالعديد من البلدان الأخرى، إلا أنه شهد مؤخرا ارتفاعا في حالات الإصابة، ففي 24 تموز / يوليو مثلا، سجل لبنان 175 حالة جديدة، وفقا لوزارة الصحة العامة، وهذا دفع إلى معاودة الإغلاق مرة أخرى.
وفي حين أن حالة الاستياء المتزايدة في البلاد تسببت بخسارة رئيس الوزراء لمنصبه وانتشار حالة من الذعر في الحكومة اللبنانية، تمكّن حزب الله من الخروج سالما حتى اليوم بأقل الخسائر، إن لم نقل إنه تمكن من توظيف ما يجري لصالحه. وقد عمد حزب الله إلى صقل صورته في ظل وباء كورونا مظهرا أن مساعداته ليست حكرا على الطائفة الشيعية في البلاد إنما للبنانيين جميعا. وتحقيقا لهذه الغاية، نشر آلاف العاملين في المجال الطبي في جميع أنحاء البلاد للمساعدة في مكافحة وباء كورونا. وفي الوقت الذي يهدد فيه التقاء الأزمات التي يواجهها لبنان بإضعاف سلطة الحكومة المركزية، فإن حزب الله يعزز قواه بوصفه يقود أكثر طوائف البلاد تنظيما وتسليحا، بعد أن بنى ما يشبه الدويلة الخاصة به لسنوات، وبعد أن أظهر نجاحا جزئيا في قتاله لدعم نظام الأسد في سوريا، الذي يواجه صراعاته الاقتصادية الخاصة. ويركز رئيس الوزراء حسان دياب على إدارة الأزمة الاقتصادية في البلاد أكثر من تركيزه على احتواء نفوذ حزب الله في السياسة الداخلية. ولربما كان حزب الله بالفعل قد اعتمد اتجاها جديدا من الناحية الجيوسياسية، فقد صرح أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله مؤخرا بأن على لبنان أن يلجأ إلى الصين للحصول على المساعدة، بعد تعثّر تحصيلها من الدول الغربية والخليجية. ولا شك أن النفوذ الذي يتمتع به حزب الله لتحديد مصير لبنان سيزداد وضوحا مع تحول ديناميات السلطة في البلاد وتطورها استجابة للأزمة الاقتصادية المتصاعدة.