أوّل الكلام آخره:
- خلا موسم انتخابات 2020 بمعظمه من أي مناقشات معمقة بين المرشحين للرئاسة حول السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
- يتمثل مبدأ ترامب إلى حد كبير بنهج «العمل المنفرد» في الشؤون الدولية، وهو ما نفّر الحلفاء القدامى وشجّع الطغاة على التمادي في طغيانهم.
- إن اتباع ترامب للنهج الانفرادي في مقابل اتباع بايدن نهج الإشراك والتشبيك هو الفارق الأكثر وضوحا بينهما.
- حتى ما روّج له على أنه «مكاسب» لإدارة ترامب في السياسة الخارجية كان مبالغا فيه وكان ناتجا عرضيا لنهج الصفقات الذي انتهجته الولايات المتحدة مؤخرا.
خلا موسم انتخابات 2020 بمعظمه من أي مناقشات معمقة بين المرشحين للرئاسة حول السياسة الخارجية للولايات المتحدة. ولم يكن ذلك مفاجئا، نظرا لسلسلة القضايا الداخلية التي تتعامل معها الولايات المتحدة حاليا، من وباء كورونا إلى تداعيات احتجاجات جورج فلويد والمطالب بالعدالة العرقية، إلى جانب المظالم الاجتماعية والاقتصادية المتزايدة. ومع اقتراب موعد الانتخابات، تبدو الولايات المتحدة أمام مفترق طرق، سواء تعلق الأمر بالشأن المحلي أم تعلق بالدور الأمريكي في العالم، فإدارة بايدن ستنتهج نهجا مختلفا جذريا في الشؤون الدولية عن نهج الرئيس ترامب. ويكشف التحليل الموضوعي للسياسة الخارجية لكلا المرشحين عن بعض الاختلافات الهامة. فقد تعهد بايدن، بصفته صاحب رؤية تقليدية في السياسة الخارجية، بالعمل على استعادة الوضعية المتعددة الأطراف التي سادت بعد الحرب العالمية الثانية، من خلال إعادة التزام واشنطن بدور الدولة المنسقة لجهود الأمم، واستعادة القوة الناعمة الأمريكية. وإذا ما نجح بايدن فإن الجهود الرامية إلى إصلاح العلاقات عبر الأطلسية التي وصلت إلى الحضيض في عهد ترامب ستتصدّر بلا شك قائمة الأولويات.
ويتمثل مبدأ ترامب، إذا ما أمكن صياغته على نحو متماسك، إلى حد كبير بنهج «العمل المنفرد» في الشؤون الدولية. وكان شعار «أمريكا أولا» حجة إدارة ترامب للانسحاب من اتفاقيات مثل الشراكة عبر المحيط الهادئ واتفاق باريس للمناخ، وكان المحرك الظاهر لخلافاتها العلنية مع حلفائها منذ فترة طويلة مثل ألمانيا وكوريا الجنوبية. وفي الوقت نفسه، فإن رفض الرئيس ترامب مواجهة الطغاة مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والزعيم الصيني شي جين بينغ أضعف مركز الولايات المتحدة وأدى إلى تراجع احترام دول العالم لها. وعلاوة على ذلك، كان عجز إدارة ترامب عن التعامل مع وباء كورونا بمثابة إحراج عالمي ومثال صارخ على غياب القيادة العالمية للولايات المتحدة في واحدة من أكثر القضايا إلحاحا في عصرنا. ويمثل سكان الولايات المتحدة أربعة في المئة من سكان العالم، ولكن وقعت فيهم ما يقارب 20 في المائة من حالات الوفاة العالمية المرتبطة بالوباء، إذ بلغت حالات الوفاة بالكورونا المسجّلة حتى اليوم 221,000 حالة في الولايات المتحدة في ظل غياب أي استراتيجية واضحة لكيفية التخفيف من تداعيات وباء كورونا المستجد.
وفي الإطار التوجيهي للعلاقات الدولية، فإن اتباع ترامب للنهج الانفرادي في مقابل اتباع بايدن نهج الإشراك والتشبيك هو الفارق الأكثر وضوحا بينهما. وكذلك، هو المجال الذي يمكن لإدارة بايدن أن تبدأ به تقريبا لإحراز تقدم على الفور في إصلاح التحالفات المتوترة وإعادة التعامل مع المؤسسات الدولية. ووفقا لما ورد ذكره أعلاه، اختارت إدارة ترامب إلى حد كبير نهجا أحاديا، وقامت بتهميش الحلفاء القدامى والانسحاب من عدد من الاتفاقات والمؤسسات الدولية، بما في ذلك منظمة الصحة العالمية ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، مع التهديد بالانسحاب من حلف شمال الأطلسي. وقد ألغى ترامب خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، المعروفة أيضا باسم الاتفاق النووي الإيراني، والتي من المرجح أن تسعى إدارة بايدن إلى إعادة التفاوض عليها. وقد ترك انسحاب الولايات المتحدة من «خطة العمل الشاملة المشتركة» واشنطن أمام خيارات محدودة، مما أدى إلى الاعتماد المفرط على العقوبات ودفع طهران إلى التقرب من كل من موسكو وبكين. وبالتالي، واصلت إيران المضي قدما في برنامجها النووي، مما يشير إلى عدم فعالية حملة «الضغط القصوى». كما يبرز فرق كبير آخر بين المرشحين، وهو مسألة التركيز على قضايا حقوق الإنسان، فقد تعهد نائب الرئيس السابق بايدن بالفعل بإنهاء الدعم الأمريكي للحرب الكارثية التي تقودها السعودية في اليمن، وقد أوضح بايدن ذلك وكذلك رؤيته للسياسة الخارجية في مقال كان قد نشره في مجلة فورين أفيرز (الشؤون الخارجية) في وقت سابق من هذا العام.
وسيكون التحدي الأكبر لكلا المرشحين على مدى السنوات الأربع المقبلة هو تحديد ما ستؤول إليه العلاقة الأمريكية مع الصين. وفي ظل إدارة ترامب، تدهورت العلاقات بين هاتين الدولتين وأدت الخلافات حول التجارة والتكنولوجيا والتعامل مع وباء كورونا إلى وضع واشنطن وبكين على مسار تصادمي. ويتعين على الولايات المتحدة أن تقف في وجه الصين، ولكنها تحتاج أيضا إلى إيجاد مجالات للتعاون، وهو نهج دقيق يتطلب اعتماد بعض مبادئ الترهيب والترغيب. ولقد تمتعت إدارة ترامب بالفعل ببعض النجاحات التكتيكية، بما في ذلك قتل زعيم تنظيم داعش أبي بكر البغدادي. ولكن في معظم الأحيان، كانت «مكاسب» إدارة ترامب في السياسة الخارجية، ومنها ما يسمى بصفقات «التطبيع» بين إسرائيل والعديد من الدول العربية، مبالغا فيها وكانت ناتجا عرضيا لنهج الصفقات الذي باتت الولايات المتحدة تعتمده. وفي ظل الإدارة الحالية، فشلت الولايات المتحدة في القيادة بعد أن وضعت القيم والمبادئ جانبا على مدى السنوات الأربع الماضية وعرضت نفسها في المزاد. ومما لا شك فيه أن السياسة الخارجية الأمريكية تحتاج إلى إعادة ضبط حاسمة. وبحسب ما أظهرته السنوات الأربع الماضية، فإن الانفكاك عن المجتمع الدولي جعل الولايات المتحدة أكثر عزلة وبالتالي أقل قدرة على مواجهة التحديات الطارئة. وبناء على ذلك، فإن واشنطن اليوم أقل قدرة على الاضطلاع بدور هام في تحقيق الاستقرار العالمي، وعلى نسج الشراكات المتعددة الأطراف للتصدي للتحديات العالمية، بدءا من وباء كورونا والهجرة الجماعية إلى الانتشار النووي وتغير المناخ.