أوّل الكلام آخره:
- تتزايد الخلافات الأمريكية مع حلفائها الأوروبيين ومع روسيا والصين في ظل تهديدات إدارة ترامب بتهشيم الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015.
- سيدفع حل الاتفاق إيران إلى تعزيز قدراتها النووية في ظل رقابة دولية ضعيفة.
- حتى لو نجحت واشنطن في إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على طهران، ستمضي موسكو وبكين قدما على الأرجح في إبرام صفقات الأسلحة مع الجمهورية الإسلامية.
- من المستبعد أن يعيد حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا فرض عقوبات الاتحاد الأوروبي على إيران أو الانضمام إلى حملة «الضغط القصوى» الأمريكية.
تتصاعد حدة المعركة الدبلوماسية بين إدارة ترامب والخصوم التقليديين للولايات المتحدة مثل روسيا والصين، وكذا بين واشنطن وحلفاء الولايات المتحدة القدامى في أوروبا. وقد بدأ النزاع عام 2018، عندما خرجت إدارة ترامب من الاتفاق النووي الإيراني المتعدد الأطراف الذي وقّع سنة 2015، والذي وافقت عليه روسيا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا منذ البداية، فضلا عن إيران والولايات المتحدة. وترى الأطراف الأوروبية، ومعها روسيا والصين، أن الاتفاق يشكل تقدما كبيرا على صعيد الأمن الدولي وأن انسحاب إدارة ترامب يعد انتهاكا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 الذي كرّس الاتفاق في القانون الدولي. وقد نص القرار 2231 على حظر الأمم المتحدة لنقل الأسلحة من إيران وإليها حتى 18 تشرين الأول / أكتوبر 2020، وعلى دعوة غير ملزمة لإيران بالامتناع عن تطوير صواريخ باليستية ذات قدرة نووية حتى 18 تشرين الأول / أكتوبر 2023.
وتصر إدارة ترامب اليوم على أنه ما لم يوافق مجلس الأمن على مشروع القرار الأمريكي الجديد بتمديد حظر نقل الأسلحة إلى أجل غير مسمى، فإن الإدارة الأمريكية ستسعى إلى إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة، وهي خطوة تعادل إنهاء الاتفاق النووي بالكامل. وتؤكّد إدارة ترامب أنها من الناحية القانونية ما زالت «مشاركة» في الاتفاق النووي بحسب «القراءة الحرفية» للقرار 2231، وهذا يسمح لها منفردة بإعادة فرض جميع عقوبات الأمم المتحدة. وقد هددت روسيا والصين، الدولتان اللتان تعملان على إبرام صفقات لبيع الأسلحة لإيران، باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد المشروع الأمريكي الذي يمدّد حظر الأسلحة، ليس على قاعدة أن انتهاء حظر الأسلحة يشكل حافزا رئيسا لإيران للبقاء في الاتفاق فحسب، بل بسبب المصالح الاستراتيجية للدولتين. وتتوحد آراء فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة مع روسيا والصين في معارضة التفسير القانوني الأمريكي للقرار 2231، وتنكر جميعا أي حق للولايات المتحدة في فرض عقوبات مفاجئة. وفي 9 حزيران / يونيو، هاجم مفوض السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إصرار الولايات المتحدة على تمتعها بحقوق قانونية بموجب القرار 2231 قائلا «لقد انسحبوا. هذا واضح. لقد انسحبوا».
وإذا مضت إدارة ترامب قدما في إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة من طرفها فقط، فقد يظهر شرخ غير قابل للتسوية بين الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن. ولا يمكن ترجمة مواقف الأطراف الأخرى في الاتفاق النووي إلا بأنها تعني أن إعادة فرض العقوبات حتى لو نجحت على المستوى الرسمي، فإنها ستظل في نظر هذه الدول أمرا غير مشروع، ولن تشكل أي ضغط دولي إضافي على إيران. ومن شبه المؤكد أن موسكو وبكين ستسعيان إلى استكمال صفقات بيع الأسلحة إلى طهران المخطط لها سابقا. فضلا عن أن الدول الأوروبية لن تقوم بإعادة فرض عقوبات الاتحاد الأوروبي التي كانت قد فرضتها قبل الاتفاق النووي الإيراني، وستواصل شركاتها التعامل مع إيران قدر المستطاع بطرق لا تضر بها في تعاملاتها مع الولايات المتحدة.
وتزيد التهديدات الأمريكية الأخيرة من حدة التوترات حول القضية الإيرانية. ففي أواخر أيار / مايو، هاجم بوريل إنهاء الإعفاءات من العقوبات الأمريكية الممنوحة لشركات تعمل في بعض مكونات البرنامج النووي الايراني المتاحة، قائلا إن ذلك يعقّد قدرة المجتمع الدولي على المتابعة لضمان الطبيعة السلمية الحصرية لبرنامج إيران النووي. ويشير بيان بوريل إلى القلق السائد عند عدد من الخبراء في المجال النووي من أن السياسة الأمريكية ستؤدي إلى توسع غير منضبط وغير مراقب في البرنامج النووي الإيراني. وقد توقع بعض المحللين انسحاب إيران بالكامل من معاهدة «الحد من انتشار الأسلحة النووية» وحرمان الوكالة الدولية للطاقة الذرية من حق الوصول إلى منشآتها النووية. ومن الممكن أيضا أن يتمثل الرد الإيراني على حل الاتفاق النووي بتخصيب اليورانيوم إلى مستويات عالية من شأنها أن تثير قلق الولايات المتحدة وخصوم إيران الآخرين، مثل إسرائيل، وذلك قد يثير مخاوف من بروز حافز إيراني لتطوير سلاح نووي. ومن تلك النقطة، تبدو المسافة نحو ضربة أمريكية أو إسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية، وما قد ينتج عنها من انتقام إيراني من خلال العديد من حلفائها في الشرق الأوسط، قصيرة للغاية.