أوّل الكلام آخره:
- أدى الانقلاب العسكري الذي أطاح بالقيادة السياسية في مالي إلى تفاقم الاضطراب على نحو قد يتيح للجماعات الجهادية فرصة فريدة للاستغلال.
- حدث الانقلاب العسكري بعد مظاهرات باماكو التي قادها واعظ سلفي، لا يبدو حتى اليوم أنه لعب دورا محوريا في الانقلاب، لكنه حاول التفاوض مع الجماعات الجهادية في الماضي.
- زار قائد الانقلاب العسكري روسيا مؤخرا، مما يثير تساؤلات حول تدريبه وخبرته واتصالاته وما إذا كان الانقلاب سيؤدي إلى إعادة توجيه مالي لسياستها الخارجية وتحالفاتها العسكرية بعيدا عن فرنسا.
- أدى الانقلاب الأخير في مالي في عام 2012 إلى زعزعة الاستقرار في جميع أنحاء البلاد وعبر الحدود، مما أدى إلى تداعيات غير مباشرة في جميع أنحاء غرب أفريقيا.
في 18 آب / أغسطس، قام جنود ماليون من ثكنات كاتي خارج باماكو بانقلاب لعزل الرئيس إبراهيم أبو بكر كيتا، الذي كان واقعا تحت ضغوط متزايدة خلال الأشهر الأخيرة. وازدادت نفوذ الجماعتين الجهاديتين الرئيستين في مالي، وهما جماعة نصرة الإسلام والمسلمين و تنظيم داعش في الصحراء الكبرى، وتسارعت وتيرة عملياتهما الهجومية. وقد بدأت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين شن هجمات في جنوب مدينة يانغاسو في منطقة سيغو في وسط مالي، على بعد 200 ميل تقريبا من باماكو. وفي الوقت نفسه، تسلم الداعية السلفي المالي محمود ديكو، الذي تلقى تعاليمه في السعودية، رئاسة حركة 5 حزيران / يونيو التي نظمت احتجاجات حاشدة معارضة للرئيس ابراهيم أبو بكر كيتا. وتزعم الحركة أن هذا الأخير رئيس فاسد، ويسيء إدارة البلاد، وبقي في السلطة من خلال انتخابات مزورة. وما زالات نوايا ديكو النهائية مجهولة حتى اليوم، على الرغم من أن بعض المحللين يشيرون إلى أن الرجل المعروف باسم «الخميني المالي» سيسعى إلى فرض الشريعة والحد من حقوق النساء ومجتمعات الأقليات. غير أنه من الواضح أن خطابه شعبوي، ويعتقد بعض المحللين أنه إذا تسلمت حركته مقاليد السلطة، فسوف تحترم العلمانية والديمقراطية في مالي. وعلى أية حال، ليس من مؤشرات على أن ديكو كان وراء الانقلاب العسكري أو أنه كان على علم مسبق به.
ومع ذلك، لا يزال ديكو عنصرا مهما في قضايا أخرى. فالعلاقة التي تجمع أمادو كوفا أمير كتائب فولاني ماسينا، وهو نفسه القائد العسكري لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، مع ديكو هي علاقة قديمة. وكان كوفا نفسه واعظا سلفيا قبل اندلاع الحرب الأهلية المالية عام 2012. وكانت عمليات التواصل بين كوفا وديكو تحصل عن طريق وسطاء منذ عام 2012، واستهدفت إنهاء الصراع. وعلى الرغم من فشل المفاوضات، فإن عزل الرئيس كيتا من منصبه من شأنه أن يمكّن ديكو من إشعال محادثات السلام من جديد. وبيد أن الرئيس كيتا قد أعرب عن استعداده للتفاوض مع جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، إلا أن الأمور لم تسر كما خطّط لها. وتسعى جماعة نصرة الإسلام والمسلمين إلى انسحاب القوات الفرنسية والأمم المتحدة من مالي. ومن المؤكد أن فرنسا ستعارض تنفيذ مثل هذه الشروط، وقد أيدت الرئيس كيتا لتسلم سلطة جمهورية مالي، على الأقل بصفته أفضل من سائر البدائل الأخرى حتى الانتخابات المقبلة في مالي. واليوم، أصبحت فرنسا وغيرها من الحكومات الغربية على الحافة بشأن الأزمة السياسية الحالية وتداعياتها. ومن الحقائق المؤكدة القليلة في هذه المرحلة، أن الرئيس كيتا ورئيس وزراء مالي بوبو سيسي قد نُقلا إلى ثكنات كاتي حيث وافق الرئيس كيتا على الاستقالة تحت الضغط.
ويزعم أن قائد الانقلاب هو العقيد مالك دياو البالغ من العمر 25 عاما، الذي لم يبد حتى هذه الساعة أي عداء للحضور الفرنسي في مالي. وتفيد تقارير بأن دياو ينوي ببساطة الإطاحة بالرئيس كيتا، وليس بحكومة مالي بالكامل. كما أوردت تقارير أخرى أن دياو أو ربما عقيد آخر مشارك في الانقلاب، قد عاد مؤخرا إلى مالي من روسيا، الأمر الذي يؤدي حتما إلى تساؤلات حول ما إذا كانت اتصالاته في روسيا قد دفعته للانقلاب. ولم تشهد منطقة الساحل حضورا روسيا كبيرا قط، لكن روسيا عمدت مؤخرا إلى زيادة الاتصالات العسكرية مع مالي وانتقدت نهج فرنسا في مكافحة التمرد في البلاد بوصفه غير فعال. وعلى النقيض من دياو، سُجل حضور زعيم انقلاب مالي السابق في كانون الثاني / يناير 2012 أمادو سانوغو في الولايات المتحدة قبل الانقلاب. وفي نهاية المطاف، تنحى سانوغو عن منصبه، لكن الأزمة السياسية في مالي لم تهدأ منذ عام 2012. فضلا عن ذلك، فشلت الحكومة المالية في استعادة الأمن في جميع أنحاء البلاد، وزادت وتيرة الهجمات الجهادية على أراضيها مع نجاح الجماعات في تجنيد أعضاء جدد. وقد واجهت مكافحة التمرد ضد جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وتنظيم داعش في الصحراء الكبرى باستمرار العديد من النكسات التي لا تزال حاضرة حتى اليوم.
ولن يرحب الضباط العسكريون المشاركون في عملية برخان التي تقودها فرنسا بأي اضطراب سياسي في مالي قد يحد من جهودها الحالية لمحاربة جماعة نصرة الإسلام والمسلمين و تنظيم داعش في الصحراء الكبرى. كما أن للولايات المتحدة مستشارين عسكريين في البلاد، مهمتهم مساعدة الحكومة وقوات الأمن على وقف موجة التمرد المستمرة منذ ثماني سنوات والتي زعزعت استقرار العديد من الدول المجاورة. وفي ظل وتيرة أحداث متسارعة كهذه، تبرز العديد من الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية في مالي، والدول المجاورة، ودول من الخارج التي تراقب التطورات الداخلية، ولكن تبقى فرنسا الجهة الخارجية الأهم في هذا السياق. ومما لا شك فيه أنّ مآل كل هذا سيحمل تداعيات هائلة على الاستقرار الإقليمي والعمليات العسكرية الفرنسية غربي إفريقيا. وفي الوقت نفسه، ستواصل فرنسا والولايات المتحدة جهودهما لتعزيز مبادرات التعاون الأمني في المنطقة من أجل منع الجماعات الجهادية من إنشاء ملاذ آمن يمكنها من خلاله إحراز المزيد من التقدم في مالي وأجزاء أخرى من منطقة الساحل.