أوّل الكلام آخره:
- بدا الانقلاب العسكري الأخير في مالي وكأنه لعبة صراع على السلطة بين ضباط رفيعي المستوى يسعون إلى الإطاحة بالحكومة الانتقالية المالية التي جاء بها انقلاب هي الأخرى.
- يسلط الانقلاب الثاني في باماكو، في أقل من عام، الضوء على هشاشة الديمقراطية في مالي ويهدد الصراع المتواصل ضد مجموعة من الجماعات الجهادية العاملة في الساحل.
- في حين يتنازع كبار الضباط العسكريين في مالي على السلطة، تتتهاوى مساحات كبيرة من شمال البلاد، بما في ذلك غاو، في أيدي الجهاديين.
- ندد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالانقلاب وهدد بفرض عقوبات على قادته.
خلال هذا الأسبوع، قام ضباط عسكريون ماليون رفيعو المستوى بالانقلاب الثاني في غضون التسعة الأشهر الماضية، وأطاحوا بالقيادة المدنية المؤقتة في مالي واحتجزوها. وقد أشار زعيم الانقلاب أسيمي غويتا، الذي شغل منصب نائب الرئيس الانتقالي لمالي في أعقاب انقلاب آب / أغسطس 2020، إلى أن مالي لن تلغي الانتخابات المخطط لها في آذار / مارس 2022. وكان الجنود في آب / أغسطس الماضي قد احتجزوا الرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا في انقلاب ونقلوه إلى ثكنات كاتي العسكرية خارج باماكو عاصمة مالي. وبحلول ليل ذلك اليوم، كان كيتا قد استقال من الرئاسة وغادر مالي في غضون أسابيع إلى الإمارات العربية المتحدة، ظاهريا لأسباب طبية. وفي أعقاب استقالة كيتا، تولت اللجنة الوطنية لإنقاذ الشعب قيادة مالي لفترة مؤقتة مدتها 18 شهرا، وتسلم وزير الدفاع السابق، باه نداو، زعامة اللجنة. ولكن خلال هذا الأسبوع، قاد غويتا انقلابا عسكريا لاحتجاز الرئيس نداو ورئيس الوزراء مختار عوان بحجة انتهاكات اتفاق انتقال السلطة.
ولا يعد هذا التحدي الأول للجنة الوطنية لإنقاذ الشعب. ففي وقت سابق من هذا العام، أصدر نداو مرسوما في 18 كانون الثاني / يناير بحل اللجنة، مشيرا إلى التحديات التي تواجه شرعية حكومة انتقالية تدير البلاد بشكل فعال، إلا أن ذلك لم يؤثر في مكانة اللجنة. فضلا عن ذلك، تلقت اللجنة انتقادات بسبب هيمنة الجيش عليها وبقاء الممارسات الفاسدة التي طبعت حكومة كيتا بطابعها. وقبيل الانقلاب الذي وقع هذا الأسبوع مباشرة، حاول التحالف التصدي للمخاوف المتعلقة بالحكومة الانتقالية عن طريق إقالة بعض أعضائها، بمن فيهم وزير دفاع سابق آخر، ساديو كامارا، ووزير الأمن السابق، موديبو كوني. وكان لكليهما دور فعال في انقلاب آب / أغسطس 2020. وفي سياق هذه التطورات، اعتقل الجنود نداو ورئيس الوزراء مختار عوان هذا الأسبوع وأرسلوهما إلى ثكنات كاتي العسكرية. وتبين المؤشرات أن كامارا وكوني وأنصارهما هم وراء الانقلاب ضد رئاسة نداو. وقد بدأت الضغوط الدولية تتصاعد ضد احتجاز القياديين، بما في ذلك الضغوط من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ودول مثل فرنسا، التي تحتفظ بحضور عسكري كبير في مالي. ويوم الاثنين، ندد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في حديثه في قمة الاتحاد الأوروبي، بالانقلاب وهدد بفرض عقوبات على قادته. وكان ماكرون بحاجة ماسة إلى شريك موثوق به في باماكو لتعزيز آفاق عملية برخان. وقد أعلنت الدنمارك مؤخرا عن نشر أكثر من 100 جندي في مالي، كما تستعد إيطاليا لإرسال 200 جندي بحلول هذا الصيف. ولكن من دون حكومة مالية مستقرة، فليس بإمكان القوات الأجنبية إنجاز الكثير.
ويسلط هذا الانقلاب الأخير الضوء على أحد العيوب الرئيسة للحكومة الانتقالية في مالي بعد آب / أغسطس 2020. فمن خلال الإبقاء على القادة العسكريين للانقلاب في الحكومة الانتقالية، ظلت السلطة بشكل غير مباشر تحت رحمة متآمري الانقلاب. وتعكس قلة اهتمامهم بإعادة مالي إلى الحكم الديمقراطي، وتركيزهم على الحفاظ على سلطتهم، الطبيعة المثيرة للجدل لانقلاب آب / أغسطس 2020. وبدلا من السماح للرئيس كيتا بالانسحاب والسماح للشعب المالي بالتصويت لزعيم جديد، أوقف المتآمرون الانقلابيون العملية الديمقراطية في مالي مما أعجز البلاد عن التعافي. وفي حين يشتبه في بعض الأوساط في أن انقلاب مالي في آب / أغسطس 2020 قد تأثر بالأجندة الإسلامية للداعية السلفي محمود ديكو، ما من شائعات مماثلة هذه المرة. ومن جانبه، لم يحاول ديكو البدء في مشروع إسلامي في مالي منذ وقوع الانقلاب الأول، ولم يعلق بعد على هذا الانقلاب الثاني. والظاهر أن هذا الانقلاب الأخير هو مجرد لعبة صراع على السلطة بين كبار المسؤولين في الجيش الذين حاول نداو استبعادهم عن السلطة.
وتعد التطورات الأخيرة تشتيتا غير مرحب به لمالي، لا لأنه يعوق عودتها إلى الحياة الديمقراطية فحسب، بل لأنه أيضا يحرف انتباهها عن حربها ضد تنظيم داعش في الصحراء الكبرى ومجموعة أنصار الإسلام والمسلمين المرتبطة بالقاعدة. وعلى الرغم من أن مجموعة أنصار الإسلام والمسلمين تحتفظ باليد العليا في تنافسها مع داعش وهي الأقوى حاليا، إلا أن تنظيم داعش في الصحراء الكبرى قد حقق مكاسب في غاو، شمال مالي وبدأ في تأسيس حكومة ظل. فعلى سبيل المثال، تكشف الصور الأخيرة التي أصدرها تنظيم داعش في الصحراء الكبرى عن عقوبات يزعم أن مصدرها الشريعة فرضت على المدنيين في غاو. وأدت أنشطة المسلحين في المناطق غير الحكومية إلى أعمال عنف واسعة النطاق أودت بحياة أكثر من 2800 شخص عام 2020 وحده في مالي. وفي حين أن القادة العسكريين في مالي يناورون من أجل السلطة في باماكو، فإنهم يهملون تفويضهم الحكومي، الذي بالكاد يمتد إلى أجزاء من غاو ومناطق نائية أخرى في شمال مالي. وفي الوقت نفسه، يحاول تنظيما داعش في الصحراء الكبرى وأنصار الإسلام والمسلمين الظهور أمام المدنيين الذين يخضعون لسيطرتهم على نحو يجعل حكمهم يبدو أكثر فعالية من حكم الضباط العسكريين في باماكو. وما لم يتمكن الضباط العسكريون من حل نزاعاتهم السياسية بسرعة، فإنهم سيفقدون مصداقيتهم بشأن محاولة إعادة بسط النفوذ في أماكن أخرى من البلاد، وخاصة في الشمال، وسيواصل المدنيون وحدهم دفع ثمن العنف المسلح.