أوّل الكلام آخره:
- يشير إطلاق الحرس الثوري الإسلامي الإيراني قمرا صناعيا في 24 نيسان / أبريل 2020 إلى أن إيران قد تعتزم استخدام قدرات الإطلاق الفضائية لأغراض عسكرية.
- شهدت تكنولوجيا الصواريخ والفضاء الإيرانية تقدما كبيرا في السنوات الاخيرة مما يسهم في بروز إيران قوة إقليمية متنامية.
- إن تعزيز القدرات الصاروخية الإيرانية يساعد إيران على إبراز قوتها في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
- تشير الهجمات الصاروخية الإيرانية الأخيرة إلى أن الولايات المتحدة وحلفاءها لم يتمكّنوا من ردع طهران، وأن بإمكان طهران تجنب دفاعاتهم الصاروخية أو حتى اختراقها.
تحقق إيران تقدما لم يكن بالحسبان في مجال الصواريخ المطورة محليّا وتكنولوجيا الإطلاق الفضائية المتعلقة بها. وتعزّز هذه التطورات من حضور إيران في الإقليم أكثر من أي وقت مضى فهي الدولة الوحيدة ذات القدرات التكنولوجية العالية في المنطقة إذا ما استثنينا إسرائيل. والأخطر من ذلك أن قدرات إيران وصلت اليوم إلى نقطة يصعب فيها الحد من نفوذها الاستراتيجي من خلال العقوبات أو العزلة الدبلوماسية. وتشكل قدرات إيران في مجال الصواريخ الطويلة المدى عاملا حاسما في التخطيط الاستراتيجي للبلاد فهي تمنح جيشها القدرة على شن هجمات انتقامية من الأراضي الإيرانية، بدلا من الاعتماد على حلفائها الإقليميين الذين يستخدمون الصواريخ القصيرة المدى التي زودتهم بها إيران. كما تقدر الولايات المتحدة وحلفاؤها الإقليميون، بما في ذلك إسرائيل ودول الخليج، أن قدرات إيران في مجال الصواريخ الدقيقة التوجيه قد تربك أنظمة الدفاع الصاروخي التي كانوا قد اعتمدوا عليها لمواجهة إيران وحلفائها، أو تجعلها بلا جدوى.
وجاء العرض الأخير للبراعة التقنية الإيرانية في 24 نيسان/أبريل 2020 عندما أعلن الحرس الثوري الإسلامي الإيراني أنه استخدم صاروخا من ثلاث مراحل يعمل بالوقود الصلب من طراز «قاصد» في إطلاق القمر الصناعي العسكري «نور» ووضعه في مساره. وعلى الرغم من سعي المسؤولين العسكريين الأمريكيين إلى التقليل من قيمة هذا الإنجاز من خلال الادعاء بأن «نور» ليست إلا كاميرا ويب عادية عاجزة عن تزويد إيران بأي معلومات استخباراتية، إلا أنه شكل مفاجأة جديدة للخبراء الأمريكيين ولخبراء حلفاء الولايات المتحدة الذين يسعون لاستكشاف نوايا إيران وقدراتها. وقد وضعت هذه النوايا اليوم موضع تساؤل لأن تجربة الإطلاق الصاروخي تعود للحرس الثوري الإسلامي الإيراني بدلا من وكالة الفضاء الإيرانية المدنية على غير عادة. وأظهرت هذه التجربة قدرات إيران المتنامية في مجال الصواريخ التي تعمل بالوقود الصلب، والتي يمكن إطلاقها بتحضير أقل من الأنظمة التي تعمل بالوقود السائل، كما أنّ أنظمة الإنذار المبكّر أقلّ فعاليّة معها. وعلى الفور، أثارت مشاركة الحرس الثوري الإسلامي الإيراني، الذي تدير قوة الفضاء التابعة له برنامج الصواريخ الإيراني، إمكانية أن تحاول إيران تطوير صاروخ باليستي عابر للقارات، يبلغ مداه 3400 ميل أو أكثر من خلال تكييف تكنولوجيا الإطلاق الفضائي. ومن شأن ذلك أن ينتهك التعهدات غير الرسمية للحرس الثوري الإسلامي الإيراني بألّا يعمل على تطوير صواريخ يزيد مداها عن 1200 ميل. ووصف المسؤولون الأمريكيون الإطلاق بالعمل «الاستفزازي». ومع ذلك، فقد استهان بعض الخبراء بالخطر، وأكدوا أن تكنولوجيا الإطلاق الفضائي لا يمكن عدّها عملية تطوير صواريخ طويلة المدى.
وجاء الإعلان عن إطلاق الصاروخ بعد عدة أشهر من إطلاق إيران لأكثر من عشرة صواريخ باليستية متوسطة المدى من الأراضي الإيرانية على قاعدة عين الأسد في العراق التي تضم القوات الأمريكية في العراق في 8 كانون الثاني/يناير. وكانت الغارة التي شنتها إيران انتقاما من الضربة الأمريكية في 3 كانون الثاني / يناير 2020 التي أودت بحياة قائد فيلق القدس قاسم سليماني، دقيقة أكثر من المتوقع، نظرا للمسافة الطويلة التي قطعتها الصواريخ. وعلى الرغم من أن الجيش الأمريكي لم يبلغ في البداية عن وقوع إصابات في عديده، إلا أن الغارات ضربت عددا من المباني في القاعدة، ولاحقا، أعلن عن إصابة أكثر من 100 من الأفراد العسكريين الأمريكيين بإصابات دماغية مؤلمة من قوة الانفجارات. وجاءت ضربة عين الأسد في أعقاب الهجوم الإيراني بصواريخ كروز إيرانية على البنية التحتية الحيوية للطاقة في خريص وبقيق في 14 أيلول / سبتمبر 2019، وهو هجوم أدى، بفضل دقته، إلى إعادة تقويم كبرى في الولايات المتحدة وفي الإقليم لقدرات إيران في مجال التكنولوجيا العسكرية. ولم تتمكّن شبكة أنظمة الدفاع الصاروخي التي أنشأتها الولايات المتحدة ودول الخليج وطورتها من اعتراض أيّ من الضربتين.
ويدفع إطلاق إيران الأخير للقمر الصناعي وشن الهجمات الصاروخية المحلّلين لإعادة تقويم استراتيجية إيران الصاروخية. وقد سبق لإيران أن أبرزت قوتها من خلال إمداد صواريخ باليستية وكروز قصيرة المدى لحزب الله اللبناني وحركة أنصار الله (الحوثيين) في اليمن. وكان الافتراض العملي للخبراء هو أن إيران تفضل استخدام حلفائها الإقليميين لشن الهجمات الصاروخية لأن هذه الهجمات تتطلب الدقة ولأنها تستطيع إنحاء اللائمة عن نفسها. ولكن استعداد إيران لشن هجمات صاروخية من أراضيها يشير إلى أن قدراتها الصاروخية قد تقدمت بشكل كبير كاف لردع خصومها عن مهاجمة إيران نفسها. وتشير القدرات الإيرانية إلى أن أنظمة الدفاع الصاروخية التي طورتها الولايات المتحدة وإسرائيل لم تعد كافية للحد من تهديد الصواريخ الإيرانية. ومن الواضح أن سياسة الولايات المتحدة التي تمارس حملة «الضغط القصوى» على إيران لم تمنع إيران من التقدم تكنولوجيا على نحو يؤكد تنامي قوة إيران الإقليمية.