أوّل الكلام آخره:
- لعلّ النتيجة الجيوسياسية الأبرز حتى الآن لغزو بوتين لأوكرانيا هي توحيد دول الناتو، وما استتبعه ذلك من محاولات لصياغة تفكير جديد داخل أروقة البنية الأمنية الأوروبية.
- دفع غزو أوكرانيا البنتاغون أيضًا إلى التكيف، وتخصيص المزيد من الوقت والجهد والموارد للتخطيط للدفاع عن الجناح الشرقي لحلف الناتو.
- تحتاج أوكرانيا، فضلا عن حاجتها للتقنيات التي تستحوذ على العناوين الرئيسية والتي توفرها لها الدول الغربية، إلى إمدادات عسكرية يومية ثابتة، ويشمل ذلك البنادق وقاذفات القنابل والذخيرة.
- مع تركيز الغرب على صعود الصين، كانت سياسة الانتقام الروسية الأخيرة بمثابة تذكير صارخ بأنه في ظل قيادة بوتين، ستظل موسكو عدوانية وغير مأمونة الجانب.
لعلّ النتيجة الجيوسياسية الأبرز حتى الآن لغزو بوتين لأوكرانيا هي توحيد دول الناتو، وما استتبعه ذلك من محاولات لصياغة تفكير جديد داخل أروقة البنية الأمنية الأوروبية. ويغمر الغرب اليوم أوكرانيا بأسلحة متطورة، تشمل صواريخ مضادة للسفن، وطائرات بدون طيار، وأنظمة مدفعية هاوتزر، فضلا عن الذخائر والمركبات وسائر أنواع الأسلحة. وبعيدًا عن الجوانب التكتيكية للصراع، دفعت عدوانية موسكو على المستوى الاستراتيجي السويد وفنلندا لمباشرة تقديم طلبات العضوية إلى الناتو. وردًا على الإعلان الأخير، هدد الكرملين بضربات «السيوف النووية» في محاولة لترهيب ستوكهولم وهلسنكي. ولا شك أن انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو سيعزز قوته، إذ سيوفر قدرات استخباراتية عالية المستوى، وقوة بشرية، وقوة نيران كبيرة للحلف. كما أن انضمام فنلندا تحديدا من شأنه أن يوسع الجناح الشمالي لحلف الناتو ويوفر حضورا بحريًا أكثر قوة في بحر البلطيق.
كما دفع غزو أوكرانيا وزارة الدفاع الأمريكية إلى التكيف، وتخصيص المزيد من الوقت والجهد والموارد للتخطيط للدفاع عن الجناح الشرقي لحلف الناتو. سيؤدي هذا حتمًا إلى إقامة شراكات أوثق بين البنتاغون ودول البلطيق. وقد أدى بالفعل إلى نشر المزيد من القوات الأمريكية في رومانيا وبولندا وألمانيا واليونان. ومن المرجح أن تزيد أزمة أوكرانيا من الشعور داخل دول الناتو بضرورة تكثيف التدريب على العمليات السيبرانية الهجومية والدفاعية، فضلًا عن مواصلة تدريب الجنود الأوكرانيين في المجال السيبراني. وعلى نطاق أوسع، يؤيد كل من رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك إيه ميلي والجنرال بالقوات الجوية تود دي وولترز، الرئيس الحالي للقيادة الأمريكية في أوروبا، وجود قوات أمريكية أكثر ديمومة في المنطقة الشرقية من أوروبا. ومن الواضح الآن أيضًا أن غزو بوتين دفع العديد من القادة الغربيين إلى إعادة التفكير في نهجهم تجاه روسيا. وبهذا المعنى، فإن الغزو الروسي لأوكرانيا كان له نتائج عكسية تمامًا وكان كارثيًا من الناحية الاستراتيجية لموسكو.
كما تتحرك دول الناتو الأخرى بسرعة للتفكير بشكل خلاق في مساعدة الجيش الأوكراني. فقدمت سلوفاكيا أنظمة دفاع جوي طويلة المدى من طراز S-300 للقوات الأوكرانية. وتعهدت جمهورية التشيك بإرسال دبابات سوفياتية الصنع وعربات قتال مشاة. وفي غضون ذلك، ناشد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي دول الناتو مساعدته في الحصول على طائرات، بما في ذلك طائرات ميغ-29 المقاتلة، لكن دون جدوى. وبالنسبة للمرحلة التالية من الصراع، ولا سيما في ظل خوض أوكرانيا حربًا تقليدية دموية في منطقة دونباس، فإن قواتها ستحتاج إلى مركبات مدرعة وصواريخ أرض جو بعيدة المدى ومدفعية. وتواصل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تقديم المساعدة العسكرية الحاسمة لأوكرانيا، بما في ذلك تزويدها بطائرات بدون طيار من طراز Switchblade والجيل الأخير من الأسلحة الخفيفة المضادة للدبابات. ووعدت ألمانيا بتخصيص المزيد من التمويل للأمن والدفاع، على الرغم من أن الكثيرين يعتقدون أن برلين يمكنها وينبغي عليها فعل المزيد لتخفيف اعتمادها على الطاقة الروسية. ولكن تحتاج أوكرانيا، فضلا عن حاجتها للتقنيات التي تستحوذ على العناوين الرئيسية والتي توفرها لها الدول الغربية، إلى إمدادات عسكرية يومية ثابتة، ويشمل ذلك البنادق وقاذفات القنابل والذخيرة.
مع تركيز الغرب على صعود الصين، كانت سياسة الانتقام الروسية الأخيرة بمثابة تذكير صارخ بأنه في ظل قيادة بوتين، ستظل موسكو عدوانية وغير مأمونة الجانب. وتعكس تصرفات روسيا السابقة في جورجيا وشبه جزيرة القرم وسوريا على مدار العقد ونصف العقد الماضيين إحساسها بأنها فوق أي محاسبة. على أن حلف الناتو إذا أراد أن يظل قادرًا على مواجهة تحديات العدوان الروسي فعليه أن يعزز قدراته الأمنية. وستظل الاستعدادات العسكرية والتدريبات المشتركة والتركيز على التنسيق مجالات تركيز مهمة لحلف الناتو. وعلى مدى عقدين من الزمن، كانت القيادة المركزية الأمريكية هي نواة الاهتمام حيث شن الجيش الأمريكي عمليات مكافحة التمرد لدعم حكومات الدول المضيفة في العراق وأفغانستان. كما أن تحديث الصين لقوتها العسكري عنى أن تصبح قيادة المحيطين الهندي والهادئ نقطة محورية في السياسة الخارجية وفي آليات صناعة القرار في الولايات المتحدة، ولا سيما مع الإعلانات البارزة المتعلقة بالمجموعة الرباعية واتفاق AUKUS. ولكن الآن، فإن القيادة الأمريكية في أوروبا هي التي باتت تحتل موقع الصدارة، وهذا يعني أن العدوان الروسي سيظل تهديدًا من الدرجة الأولى في المستقبل المنظور، الأمر الذي يتطلب المزيد من الموارد والقدرات لمواجهته.