أوّل الكلام آخره:
- تحرز المحادثات النووية بين الولايات المتحدة وإيران في فيينا تقدما، لكنها لا تزال مهددة بالصراع الإسرائيلي الإيراني، والتحديات البحرية الإيرانية في الخليج الفارسي، والنزاع السياسي الداخلي في طهران.
- يؤكد المسؤولون الإسرائيليون أمام إدارة بايدن بأنهم سيواصلون العمل من جانب واحد إذا لزم الأمر ضد المنشآت النووية الإيرانية.
- إن ردود الفعل القوية على تعليقات وزير الخارجية الإيراني المسربة، فضلا عن بروز بعض علامات المصالحة مع الرياض، سوف يشجع المفاوضين الإيرانيين في فيينا على اتباع نهج أكثر صرامة في المحادثات النووية.
- جدّدت مضايقات القوة البحرية للحرس الثوري الإسلامي للقوات البحرية الأمريكية في الخليج الفارسي في نيسان / أبريل إمكانية حدوث اشتباكات مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران.
وصف المفاوضون الأمريكيون والإيرانيون جولات المحادثات غير المباشرة في فيينا بشأن العودة المتبادلة إلى الاتفاق النووي الإيراني المتعدد الأطراف الذي عقد عام 2015 بأنها «بناءة». وبحسب ما ورد، أوضح الجانبان الخطوات التي يجب على كل منهما اتخاذها للعودة إلى الامتثال الكامل. وصرح المفاوضون الإيرانيون في الأول من أيار / مايو عن اتفاق أولي بشأن تخفيف العقوبات الاقتصادية الأساسية الذي ستلتزمه إدارة بايدن، على الرغم من أن مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان قال إن النتيجة النهائية للمفاوضات لا تزال غير مؤكدة. كما أفادت تقارير صحفية إيرانية غير مؤكدة بأن إيران قد توافق على إطلاق سراح بعض المواطنين من الجنسية المزدوجة، الأمريكية والإيرانية، الذين تحتجزهم إيران بتهم مختلفة. على أن جملة من المواقف والأحداث المرتبطة بإيران وبدول إقليمية أخرى مثل إسرائيل قد تعرقل صياغة اتفاق نهائي.
ففي أواخر نيسان / أبريل، قام مسؤولون إسرائيليون في أعقاب الإعلان عن تبني إسرائيل (غير المباشر) لهجوم سري على منشأة إيران النووية الرئيسة في نطنز، بمن فيهم مدير جهاز المخابرات التابع للموساد، بزيارة واشنطن لمناقشة قضية إيران. وبناء على انتقادات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الصريحة للاتفاق النووي، قال رئيس الموساد: «لن تسمح إسرائيل لإيران بالحصول على أسلحة نووية. وليس لإيران أي حصانة في أي مكان. ويمكن لطائراتنا الوصول إلى كل مكان في الشرق الأوسط، وبالتأكيد إلى إيران». وكانت الرسالة الإسرائيلية واضحة: إن دبلوماسية واشنطن لن تمنع إسرائيل من الاستمرار في محاولة تدمير البنى التحتية النووية الإيرانية إذا استمر البرنامج النووي الإيراني بإحراز تقدم. ولم يتسبب هجوم نطنز في انسحاب إيران من المحادثات النووية، ولكن المزيد من هذه الهجمات الإسرائيلية قد تسفر عن هذه النتيجة إذا أصبح القادة الإيرانيون مقتنعين بأن الولايات المتحدة رافضة أو عاجزة عن إجبار إسرائيل على وقف مثل هذه الهجمات.
وتساهم الأحداث داخل إيران نفسها في خلق بيئة من الشكوك المحيطة بالنتيجة النهائية لمحادثات فيينا. فمع اقتراب الانتخابات الرئاسية الإيرانية في حزيران / يونيو، يحاول المتشددون في إيران إقصاء المعتدلين، ولا سيما محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني وأحد أبرز مهندسي الاتفاق النووي. وقد ألقى هذا الأخير اللوم، في حديث مسرب له، على قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإسلامي الراحل قاسم سليماني لمحاولته عرقلة الصفقة في ظل التفاوض عليها، كما أشار إلى أن سليماني قاد السياسة الخارجية الإيرانية بعيدا عن الدبلوماسية، واتجه نحو دعم الحكومات والحركات الموالية لإيران عسكريا. ومن الجدير ذكره أن سليماني، الذي قتل في غارة جوية شنتها إدارة ترامب في كانون الثاني / يناير 2020، يحظى بتقديس المتشددين الإيرانيين، وقد ساهم تسريب الحديث في وضع ظريف والموالين المؤيدين للدبلوماسية في موقف دفاعي. وقد زادت المحادثات الأخيرة مع المملكة العربية السعودية من جرأة المتشددين. وقد توسطت العراق في هذه المحادثات، وتوّجت بمداخلة من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أعرب فيها عن تطلعه إلى علاقة «جيدة وخاصة» مع إيران. ويدل تقبل السعودية لتهدئة التوترات مع إيران على أن الاستراتيجية الإيرانية للضغط على المملكة من خلال الضربات الصاروخية المباشرة وغير المباشرة قد حققت نتائج فعلية. وقد يؤدي الضغط من المتشددين الإيرانيين إلى رفع مفاوضي إيران في فيينا من سقف مطالبهم على طاولة المفاوضات، فيمكنهم على سبيل المثال الإصرار على الحصول على ضمانات بألا تقوم أي إدارة أمريكية في المستقبل بإلغاء الاتفاق كما فعلت إدارة ترامب عام 2018.
وبموازاة النزاعات الداخلية في طهران، سعى المتشددون إلى الضغط على إدارة بايدن من خلال استئناف «الاعتراضات العالية السرعة» التي تقوم بها قوات الحرس الثوري في الخليج الفارسي لقوات البحرية الأمريكية. وفي أواخر نيسان / أبريل، اقتربت عدة زوارق دورية سريعة تابعة للقوة البحرية للحرس الثوري الإيراني من سفينة تابعة لخفر السواحل الأمريكي تقوم بدوريات في الخليج، ولم تبتعد عنها إلا عندما قامت السفينة بإطلاق طلقات تحذيرية عليها وذلك بعد أن صارت على بعد لا يتجاوز 68 ياردة منها. ويبدو أن الحرس الثوري الإيراني، الذي ربما كانت قد ردعته لسنوات تهديدات إدارة ترامب بإطلاق النار عليه إذا اقترب من السفن الأمريكية، يختبر اليوم مدى عزم إدارة بايدن على الحفاظ على الأمن في الخليج، في ضوء التزام الإدارة الظاهر بالدبلوماسية مع إيران. ومع ذلك، فقادة البحرية الأمريكية يتمتعون بدرجة عالية من التقدير بشأن وقت استخدام القوة الفتاكة إذا ما تعرضوا للتهديد، ولذلك فإن أي تحد تظهره القوة البحرية للحرس الثوري الإيراني قد يثير اشتباكا يعيق الدبلوماسية الأمريكية الإيرانية. ومن الواضح أن عددا من الإجراءات المحتملة من مجموعة من الأطراف، بما في ذلك الأطراف غير المشاركة في المفاوضات النووية، قد تعرقل خطط إدارة بايدن لإعادة ضبط السياسة الأمريكية تجاه إيران.