أوّل الكلام آخره:
- أعلنت الصين مؤخرا عن اعتزامها تعميق التعاون الصحي المتعدد الأطراف مع روسيا وكازاخستان وقيرغيزستان ومنغوليا.
- قامت الصين خلال فترة جائحة كورونا بتعزيز «طريق الحرير الصحي» ليكون أداة تساعد بكين على إظهار نفسها في موضع الريادة العالمية.
- تمثّل «طريق الحرير الصحي الصيني» في تقديم المساعدات الطبية الثنائية وكان آلة الصين الدعائية في المحافل المتعددة الأطراف.
- يأتي مع «طريق الحرير الصحي» ومحاولات الصين لعقد اتفاقات متعددة الأطراف تحت ذريعة مكافحة الوباء مجموعة من القضايا الأمنية.
في 17 أيلول / سبتمبر، نشرت وكالة الإعلام الحكومية الصينية الرسمية شينخوا نيوز، إعلانا لوزير الخارجية الصيني وانغ يي بأن الصين وروسيا وكازاخستان ومنغوليا قد وقعت اتفاقيات لتعميق التعاون الصحي المتعدد الأطراف. وهذا ليس سوى مثال واحد على الجهود التي بذلتها بكين خلال جائحة كورونا لتعزيز مفهوم «طريق الحرير الصحي» في إشارة إلى طريق الحرير الذي يشكل ركنا من أركان سياسة شي الخارجية المميزة المتمثلة في مبادرة الحزام والطريق. وقد بدأ هذا المفهوم عام 2017 من خلال مذكرة تفاهم بين الصين ومنظمة الصحة العالمية، قدمت فيها تعهدات طموحة ولكنها غامضة لبناء مجتمع دولي للتعاون الصحي. إلا أن المفهوم ظل خاملا إلى حد كبير حتى انتشر وباء كورونا في جميع أنحاء العالم. عندها أحيت بكين «طريق الحرير الصحي» لتعزيز صورتها على الساحة العالمية، فضلا عن حماية مصالح الحزب الشيوعي الصيني الاقتصادية والسياسية وتعزيزها.
ومن أجل تعزيز مصالح الصين الوطنية، سعت البلاد إلى التحرك على أكثر من جهة تحت شعار «طريق الحرير الصحي»، فقدمت المساعدات الطبية على مستويات ثنائية، وباعت المعدات الطبية، وقدّمت الدعم الاقتصادي. وكان كل ذلك عاملا في تأييد طريقة تعامل بكين مع الوباء في المنتديات المتعددة الأطراف، سواء على المستوى الدبلوماسي أو على مستوى الرأي العام من خلال توظيف وسائل التواصل الاجتماعي. وتعمل هذه الإجراءات على تحسين صورة الصين على الساحة العالمية فلا تعود مصدرا للداء فحسب بل تصبح مصدرا للدواء أيضا. وغالبا ما تسلط الضوء على الاستجابات الأوروبية والأمريكية الفاشلة لمكافحة الوباء مع الإشادة بنجاحات الصين. كما أن «طريق الحرير الصحي» يمثل فرصة اقتصادية لبكين لإعادة صياغة مبادرة الحزام والطريق في خضم التداعيات الاقتصادية الناجمة عن الوباء العالمي. وقد سلط هذا الوباء الضوء على نقاط الضعف في سلاسل العمالة والإمدادات، فضلا عن عدم الاستدامة الاقتصادية للقروض الصينية. وفي عالم ما بعد الجائحة، قد لا تجد العديد من البلدان المستفيدة من مبادرة الحزام والطريق في مشاريع البنية التحتية المكلفة والطموحة خيارات جذابة. ولذلك، فإن «طريق الحرير الصحي» يقدم حلولا تضمن ديمومة مشروع شي، حتى في عالم مدمر اقتصاديا وفي ظل نمو اقتصادي صيني بطيء. كما أن «طريق الحرير الصحي» ينشئ سردية هامة للجمهور المحلي في الصين تفيد أن الحزب الشيوعي الصيني حزب شرعي ومسؤول. وتسعى بكين إلى إظهار التفاوت بين طريقتها في مكافحة الوباء وطرائق الديمقراطيات الليبرالية في الدول الأوروبية والولايات المتحدة التي تعاني أكثر من هذا الوباء.
ويأتي «طريق الحرير الصحي» مصحوبا بالعديد من القضايا والتحديات الأمنية. نذكر منها، أولا، أن الطبيعة الخيرية للطريق تخفي بعض الأعمال الخبيثة، مثل حملات التضليل الإعلامي المتطورة والترهيب ودبلوماسية «الذئب المحارب» والهجمات الإلكترونية. وتثير مثل هذه الإجراءات تساؤلات حول نوايا الصين الحقيقية وطموحاتها الجيوسياسية. فعلى سبيل المثال، عندما ساعدت الصين إيطاليا في بداية انتشار الوباء، سعت أيضا إلى تضخيم المشاعر المعادية للاتحاد الأوروبي في البلاد بهدف إفشال الوحدة الأوروبية وتوتير العلاقات عبر الأطلسية. ثانيا، إن احتمال دمج الصين «طريق الحرير الصحي» مع «طريق الحرير الرقمي» يهدد بزيادة دعم القادة الاستبداديين وقمع حقوق الإنسان في البلدان المستفيدة من مبادرة الحزام والطريق، من خلال تصدير التكنولوجيات الناشئة المستخدمة للمراقبة تحت ستار دعم الصحة العامة والأمن. ثالثا، انتقد السكان المحليون تصرفات الصين، في حين غض القادة النظر لتجنب إلحاق الضرر بالعلاقات الاقتصادية الهامة مع بكين. ففي نفس اليوم الذي زار فيه وزير الخارجية الصيني وانغ يي منغوليا، اندلعت احتجاجات شعبية في أولانباتار منتقدة «سياسات الدمج» التقييدية التي ينتهجها الحزب الشيوعي الصيني، وكذلك الحملة العنيفة التي تستهدف الأقليات، بما في ذلك مغول الصين. وعلى نحو مماثل، شهدت كازاخستان احتجاجات على قمع الصين لأبناء العرق الكازاخستاني والإيغور والأقليات الأخرى في شينجيانغ. وهكذا، وعلى الرغم من وصف «طريق الحرير الصحي» بأنه برنامج شامل، إلا أنه قد يكون سببا في زعزعة استقرار المناطق، وترسيخ النزعات الاستبدادية، والتعدي على سيادة عدد من البلدان واستقلالها.
وفي حين تراجعت الولايات المتحدة عن موقعها القيادي في خضم هذه الأزمة العالمية، فإن الصين استغلت الفراغ لتعزيز مصالحها الخاصة والمطالبة بشغل هذا المنصب القيادي العالمي. إن استخدام «طريق الحرير الصحي» لتشبيك العلاقات المتعددة الأطراف وتعميقها مع أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون يشير إلى أن الصين تسعى إلى تسخير سياسات مثل مبادرة الحزام والطريق، ومنتديات مثل منظمة شنغهاي للتعاون، لتعزيز موقفها على الساحة العالمية. وفضلا عن ذلك، تشير المشاركة الدبلوماسية مع دول منظمة شنغهاي للتعاون إلى أن المنظمة تشكل اليوم نقطة انطلاق لبكين للتوصل إلى توافق مع الأعضاء وتعاون معهم خارج القضايا الأمنية التقليدية التي أنشئت المنظمة أصلا لمعالجتها، وهو أمر يمكن أن يؤدي إلى تداعيات جيوسياسية متلاحقة في المنطقة وخارجها.