أوّل الكلام آخره:
- بينما تقوم إدارة بايدن وهاريس بتقويم التحديات الأمنية المقبلة، تلوح العديد من التحديات الجيوسياسية الهامة في الأفق.
- تشمل تحديات 2021 قضايا نمو الإرهاب العنصري والعرقي، والتطرف العنيف المناهض للدولة، ومنافسة القوى العظمى، وجائحة كورونا.
- قد يشعر الخصوم داخل البلاد وخارجها بالجرأة بسبب التشتت والانقسامات في الولايات المتحدة الناتجة عن صعوبة التعامل مع التطرف والوباء.
- إن التحديات التي تواجه الولايات المتحدة هي الأكبر خلال العقدين الماضيين، مما يحتم على الحلفاء أن يكونوا شركاء أساسيين في مواجهتها.
نمو التطرف اليميني
في حين أن العالم لم يشهد عام 2020 أي هجوم إرهابي كبير من المجموعات اليمينية المتطرفة كهجوم كنيس «شجرة الحياة» في بيتسبرغ في بنسلفانيا الذي شهدناه عام 2018 أو الهجوم الذي حصل عام 2019 في إل باسو في تكساس، اكتسبت الجماعات المتطرفة العنيفة اليمينية، ومنها مجموعات تحركها الدوافع العرقية وميليشيات مناهضة للدولة وأصحاب نظريات المؤامرة، زخما كبيرا بلغت ذروته في تمرد الكابيتول في أوائل كانون الثاني / يناير 2021. ومن خلال تقويم إمكانية وقوع المزيد من الهجمات المتطرفة اليمينية العنيفة عام 2021، تكثر الأسباب التي تدعو إلى القلق. أولا، مع الانتشار الكبير للقاح كورونا بحلول أواخر الربيع وأوائل الصيف، ستزيد قدرة الناس على التجمع فرصا جديدة للجماعات المتطرفة لم تكن قائمة أغلبية عام 2020. ثانيا، قد يؤدي انتخاب جو بايدن وكامالا هاريس، مثل انتخاب الرئيس أوباما قبلهما، إلى زيادة في أعمال العنف التي ترتكبها جماعات العنصريين البيض والميليشيات اليمينية المتطرفة. وقد يتفاقم هذا الوضع بسبب التغييرات المحتملة في السياسات التي ينظر إليها على أنها تهديدات فعلية من هذه الجماعات، بما في ذلك قوانين الإرهاب المحلية، وتخفيف القيود المفروضة على الهجرة، وفرض قيود أكثر صرامة على حيازة الأسلحة. ثالثا، في ظل رئاسة بايدن، ستعود واشنطن إلى المشاركة في المحافل المتعددة الأطراف، مثل الأمم المتحدة. وقد يؤدي هذا التشبيك إلى إشعال نظريات مؤامرة مفادها أن الولايات المتحدة تخضع مصالحها الخاصة لمصالح نخبة عالمية سرية مصممة على تآكل السلطة الأمريكية ودعوة قوة احتلال إلى الأراضي الأمريكية لمصادرة الأسلحة النارية للمواطنين وذخيرتهم. وفي الوقت الذي تحاول فيه إدارة بايدن التركيز على التطرف اليميني العنيف المحلي، فإن أحد تحدياتها الرئيسة ستكمن في التأكد من أنها لن تغفل التحديات المستمرة التي يطرحها الإرهاب السلفي الجهادي وجماعات مثل القاعدة وداعش والفروع التابعة لها في جميع أنحاء العالم.
استمرار انهيار الدول الضعيفة والفاشلة
من المرجح أن تزيد إدارة بايدن هاريس من تركيزها على منافسة القوى العظمى كروسيا والصين، بدلا من مكافحة الإرهاب، كما ستركز على التهديد الذي تشكله الدول الضعيفة والفاشلة. وعلى وجه الخصوص، لا تزال دول أفغانستان والصومال واليمن الهشة موطنا للجماعات السلفية الجهادية، وكذلك لفروع القاعدة وداعش. ويعمل جيش الولايات المتحدة في بعض المناطق الأكثر خطورة في العالم بصورة محدودة، وفي ظل إعادة تخصيص الميزانيات الأمنية للتعامل مع أزمات الصحة العامة، ستقل الموارد المتاحة للتعامل مع عودة ظهور الجماعات المتطرفة العنيفة.
ويحدث هذا التحول في الاستثمار الحكومي مع حصول الإرهابيين والمتمردين وغيرهم من الجهات العنيفة غير الحكومية على التكنولوجيات الناشئة والأسلحة المتطورة للغاية، بما في ذلك الطائرات المسيّرة والصواريخ. ومن المرجح أن تتحرك بعض المنظمات الإرهابية لتمويل عملياتها من خلال استخدام العملات المشفرة مثل البيتكوين. ويمكن لجماعات مثل حركة الشباب والقاعدة في شبه الجزيرة العربية وتنظيم ولاية خراسان التابع لداعش أن تظهر مجددا على الساحة، وهي تواصل تجنيد أعضاء جدد مع الاحتفاظ بقدرتها على شن هجمات مدمرة. وفي الوقت نفسه، من المرجح أن يؤدي التدخل الخارجي من دول المنطقة إلى زيادة اضطراب دول جنوب آسيا والقرن الإفريقي وشبه الجزيرة العربية. وفي حين أن القضايا المتعلقة بالتطرف المحلي العنيف ووباء كورونا تستنفذ طاقة الولايات المتحدة داخليا، وأنها على الصعيد العالمي ستركّز على خصومها ومنافسيها من الدول، فإن الكثيرين يشعرون بالقلق من أن أنشطة التعاون الأمني والجهود المبذولة لبناء قدرات الشركاء سوف تتدهور، مما قد يؤدي إلى فراغ في السلطة لن يملأه إلا الجهات العنيفة غير الحكومية.
الحرب الإلكترونية
سيشهد عام 2021 زيادة في الحروب الإلكترونية بين القوى العظمى. وقد ربط مجتمع الاستخبارات الأمريكي الهجوم الإلكتروني الذي استهدف شركة SolarWinds بموسكو، مؤكدا أن الكرملين قد نجح في اختراق أنظمة تكنولوجيا المعلومات الحكومية الأمريكية. وقد أثر الاختراق الروسي تأثيرا مباشر في العديد من الوكالات الأمنية الأمريكية الرئيسة، مما يعرض أسرار الدفاع والدبلوماسية والتجارية للخطر. وسيتطلب هذا الاختراق، إلى جانب حملات التضليل المستمرة من الجهات الخارجية الحكومية وغير الحكومية، استجابة أكثر صرامة من الإدارة الجديدة. وعلى النقيض من الإدارات السابقة، من المرجح أن يتخذ فريق الأمن القومي في إدارة بايدن وهاريس مجموعة من الإجراءات العلنية والسرية ردا على هجوم روسيا. وعلى سبيل المثال، من المحتمل جدا أن يعاقب فريق بايدن الأفراد والمؤسسات الروسية المشاركة بشكل مباشر وغير مباشر في الاختراق علنا. وستكون الإدارة الجديدة أقل ترددا في مواجهة جهود التضليل الإعلامي الروسي من خلال استخدام مركز المشاركة العالمي لتسليط الضوء علنا على المبادرات الروسية غير القانونية أو أي مبادرات أخرى قد تنشأ. علاوة على ذلك، من المرجح أن تزيد الولايات المتحدة من استخدام الأسلحة السيبرانية الهجومية لإلحاق مستوى متناسب من الضرر ضد المؤسسات الحكومية التابعة لخصومها. ومما لا شك فيه أن القيام بذلك قد يولد رغبة بالانتقام قد تتحول إلى هجمات أكثر ضررا، وبعضها قد يتسرب إلى القطاع الخاص ويؤثر في مصالح تجارية كبيرة. ويعد التأخر في تعامل إدارة بايدن مع الموضوع من أخطر الأمور إذ سيسمح ذلك لروسيا بمواصلة العمليات السيبرانية الهجومية في ظل الإفلات من العقاب، مما يمهد الطريق للآخرين ليحذوا حذوها.
الصين الحازمة
ابتداء من أوائل عام 2020 حتى نهايته، اعتمدت الصين أسلوبا أكثر عدوانية في دبلوماسيتها العامة، مما أدى إلى تسمية هذه الظاهرة بدبلوماسية «الذئب المحارب». وقد شنت بكين حملات تضليل لتحويل اللوم عنها في نشأة جائحة الوباء إلى دول أخرى واستغلت بمهارة ضعف الاستجابة الأمريكية من خلال الانخراط في «دبلوماسية الأقنعة»، وتوزيع معدات الحماية الشخصية (PPE) إلى دول أخرى من أجل تحسين صورتها وزيادة نفوذها. ومع تراجع اقتصادات الدول الأخرى بسبب تداعيات وباء كورونا، تسعى بكين إلى المضي قدما وتعزيز مكانتها الاقتصادية. وستمضي الصين قدما في مبادرة الحزام والطريق (BRI)، مستفيدة من الفرص الجديدة المتاحة. علاوة على ذلك، ومع تحول السلطة من الجمهوريين إلى الديمقراطيين في الولايات المتحدة، قد يميل الحزب الشيوعي الصيني إلى وضع إدارة بايدن تحت الاختبار في أقرب وقت من أجل معرفة «الخطوط الحمراء». وقد يعني ذلك شن حملة قمع أخرى في هونغ كونغ، أو خوض مغامرة في بحر الصين الجنوبي، أو تنفيذ تحركات عسكرية في مواجهة تايوان. ومن المرجح أن تتبنى إدارة بايدن الموقف القائل إن معاملة الصين لمسلمي الأويغور تشكل إبادة جماعية، وهذا سيؤدي حتما إلى حدوث احتكاك. ومن الممكن أن تشتعل التوترات بين الصين والهند أيضا، كما حصل على طول الحدود في نقاط مختلفة العام الماضي على نحو قد يعقّد العلاقات الدولية نظرا إلى أن الهند تشغل مقعدا في مجلس الأمن الدولي لفترة 2021-2022. وبينما يتطلع فريق بايدن وهاريس إلى زيادة تعزيز المشاركة المتعددة الأطراف، فإن التوترات بين أعضاء المجلس، ولا سيما الخمسة الدائمين، قد تحدّ من هذه الطموحات. وهذا أمر أساسي لأن الدول الخمس الدائمة هي التي ستقود عملية تحديد الأمين العام المقبل للأمم المتحدة في عام 2021.
تحديات جائحة كورونا
بعد التوصل إلى تطوير لقاح كورونا والموافقة عليه وتوزيعه، سيكون عام 2021 أفضل من العام السابق بالنسبة لقطاع الصحة العامة العالمي. ومع ذلك، فمع استمرار انتشار الفيروس وظهور أشكال وسلالات جديدة منه، كما حدث مؤخرا في المملكة المتحدة، فإن عمليات الإغلاق المتكررة وموجات التفشي القاتلة أمر لا مفر منه. وعلى هذا النحو، فإن الاقتصاد العالمي سيبقى متعثرا، ولكن بعض الدول سيحارب للاستفادة من الظروف القائمة. ويبرز تحد رئيس آخر يتمثل في ضمان العدل بين الدول في توزيع اللقاحات. وسوف تواجه الدول النامية ذات البنى التحتية الطبية الأقل تقدما والتي تضعف إمكانية وصول رعاياها إلى الرعاية الصحية تحديات غير مسبوقة، مما قد يحول مناطق بأكملها إلى نقاط ساخنة للوباء. كما يبرز احتمال أن تشارك المنظمات الإجرامية بشكل أكبر في الاستفادة من اللقاحات المزيفة، في حين أن الدول القومية، ومنها الصين وروسيا، قد تواصل جهودها لاختراق المختبرات ومعامل الأبحاث في الولايات المتحدة في محاولة لتأمين البيانات المتعلقة بلقاح كورونا. ومع عزل شرائح كبيرة من الناس عالميا نتيجة الإغلاقات والحجر، فقد تستغل الجماعات المتطرفة العنيفة احتمال تزايد الاستقطاب وانتشار المعلومات المضللة عبر مجموعة واسعة من الأطياف الأيديولوجية. وفي حين عرقل وباء كورونا الجماعات الإرهابية عن إجراء عمليات نقل الأفراد والمواد، أو الوصول إلى الأهداف، إلا أن الفرص قد أتيحت بشكل أكبر لنشر التطرف وحشد الدعم. وعليه، لا تزال تداعيات وباء كورونا على التهديدات الإرهابية الأوسع نطاقا مبهمة ولا ينبغي الاستهتار في تزايد النشاط المرتبط بالقاعدة وداعش.