أوّل الكلام آخره:
- دفعت التحديات الداخلية التي يفرضها تفشي وباء كورونا والاضطرابات الاجتماعية في الولايات المتحدة إدارة ترامب إلى إجراء بعض التعديلات على السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.
- قد تحدّ الأزمة المزدوجة من جهوزية إدارة ترامب لمعالجة التوترات مع أي خصم إقليمي تواجهه.
- أدى سعي إدارة ترامب للحد من أضرار الوباء الاقتصادية إلى بعض التوتر في العلاقة مع المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول المنتجة للنفط في الخليج الفارسي.
- هزّت الاضطرابات التي أشعلتها وحشية الشرطة ضد الأمريكيين من أصول إفريقية صورة الولايات المتحدة بوصفها المدافع عن الحكم الرشيد وعن حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في الشرق الأوسط.
مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني / نوفمبر، يحاول الرئيس ترامب إدارة أزمة داخلية مزدوجة لها تداعيات على السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط. وتولي إدارة ترامب أهمية بالغة لمنع اندلاع أزمة إقليمية في الشرق الأوسط من شأنها أن تصرف النظر عن شؤونها الداخلية، أو تخلق انطباعا بأن سياسة الإدارة الأمريكية تواجه صعوبات كبيرة في الخارج. وفي الوقت نفسه، لم تغيّر الإدارة الأمريكية بشكل واضح أيّا من أولوياتها وسياساتها الإقليمية، مما يشير إلى أن أيّ تعديلات آنيّة في السياسة الإقليمية الأمريكية ما هي إلّا تعديلات مؤقّتة سيتراجع عنها ما أن تنتهي أزمة الجائحة وتخفّ وتيرة المظاهرات المطالبة بالمساواة العرقية.
وتعتمد الإدارة الأمريكية في تنفيذ هدف سياستها العامّ المتمثل في الحفاظ على الوضع القائم في الشرق الأوسط على ركائز عدة. فتسعى الإدارة إلى ضمان ألّا تنقلب التوترات بين الولايات المتحدة وإيران التي أخذت شكل الأعمال العدائية أوائل عام 2020 إلى صراع مباشر وطويل الأمد. وعلى الرغم من أن واشنطن لم تخفف رسميا من حملة «الضغط القصوى» ضد طهران، إلا أنها قامت، في أيار / مايو، بتقديم المعونات الإنسانية إلى إيران لمساعدتها على مواجهة تفشي وباء كورونا، إلا أن الأخيرة رفضتها. وفي الشهر نفسه، أجرت الولايات المتحدة مفاوضات مع إيران للإفراج عن الجندي المتقاعد في البحرية الأمريكية مايكل وايت، الذي احتُجز في إيران في صيف عام 2018 وأفرج عنه الأسبوع الماضي. وفي وقت لاحق من هذا الشهر، تخطّط الولايات المتحدة لإجراء «حوار استراتيجي» مع العراق، ويبدو أنّ الهدف الأساسي من مثل هذا الحوار هو حثّ الحكومة العراقية على التعاون قدر المستطاع لمنع الميليشيات المدعومة من إيران من شن المزيد من الهجمات على القوات الأمريكية في البلاد، بعد أن أدّت الهجمات التي شنتها هذه الجماعات، في كانون الثاني / يناير، إلى تفاقم حدة الأعمال العدائية بين الولايات المتحدة وإيران على الأراضي العراقية. وفي أيار / مايو، قام وزير الخارجية مايك بومبيو بزيارة إلى إسرائيل لتحذير حكومتها الجديدة من إشعال أزمة جديدة من خلال المضي قدما في ضم مساحات واسعة تسيطر عليها من الضفة الغربية دون مشورتها. ويمكن القول إن هذا الموقف من إسرائيل يغاير ما عهدناه من دعم إدارة ترامب غير المشروط لإسرائيل، والذي تجلّى في الاعتراف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان وفي نقل السفارة الأمريكية إلى القدس. كما أفادت التقارير أن الوزير حذر القادة الإسرائيليين من تصعيد الهجمات على المواقع الإيرانية في سوريا أو على حلفاء الإيرانيين على نحو قد يشعل فتيل حرب إقليمية.
وقد أثرت التكاليف الاقتصادية والمالية التي تكبّدتها الولايات المتحدة لمواجهة وباء كورونا في سياستها الإقليمية. وهدّد انهيار أسعار النفط الذي نتج عن تفشي الوباء قدرة منتجي النفط الصخري المحليين في الولايات المتحدة على الصمود، وفرض على ترامب الضغط على حليفه القوي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، للموافقة على تخفيض الإنتاج الذي ساهم في تعافي الأسعار. كما أن الفجوة السياسية الجديدة الناشئة بين ترامب ومحمد بن سلمان التي ظهرت بعد ثلاث سنوات من التحالف القوي دفعت الولايات المتحدة إلى ممارسة ضغوط جديدة على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لحل خلافهما المستمر منذ ثلاث سنوات مع دولة قطر المجاورة. ومن المتوقّع أيضا أن يؤدّي الإنفاق المحلي المستحدث للولايات المتحدة الذي يقدر بحوالى 3 تريليون دولار لمكافحة تفشي الوباء إلى تخفيض المساعدات الخارجية الأمريكية للمنطقة، وكذلك إلى تخفيض إنفاقها العسكري. وقد يكون تخفيض تكاليف الدفاع وراء سعي ترامب إلى إنهاء الحضور العسكري الأمريكي في أفغانستان قبل الانتخابات الأمريكية، فضلا عن أن ذلك كان جزءا من وعوده الانتخابية، والتي يسعى اليوم إلى إظهار تحقيقه لها.
وقد أسهمت الاضطرابات الداخلية الناجمة عن مقتل فلويد على يد شرطة مينيابوليس، وردّ إدارة ترامب الفاشل، والاحتجاجات التي تبعت الأحداث، في تعرّض الولايات المتحدة لانتقادات حقوقية غالبا ما كانت توجّهها إلى أنظمة أخرى، ولا سيّما إيران. وقد أشار قادة إيران وغيرهم من خصوم الولايات المتحدة الإقليميين إلى أن الاضطرابات الأمريكية تكشف زيف ادّعاءات الولايات المتّحدة بالسيادة الأخلاقية التي تجعلها تنصّب نفسها حكما وقاضيا في مسائل حقوق الإنسان والمساواة والحكم الرشيد. وبقدر ما تستطيع الولايات المتحدة تحقيق تقدم ملموس في مجالات إصلاح الشرطة وأنظمة العدالة الجنائية والإصلاح الاجتماعي، تتحدد قدرتها على التأثير بشكل إيجابي في الأداء الحكومي وحقوق الإنسان في المنطقة، عند حلفائها وخصومها على حدّ سواء.