أوّل الكلام آخره:
- صوّت مجلس النواب الأمريكي على إنشاء لجنة مستقلة للتحقيق في تمرد مبنى الكابيتول الأمريكي في 6 يناير / كانون الثاني.
- من غير المرجح أن يحصل مشروع القانون على عشرة أصوات من الجمهوريين في مجلس الشيوخ، وذلك أكبر دليل على الحالة الراهنة من الاستقطاب السياسي.
- تتطلب أحداث مثل التمرد، مثلها مثل أحداث 11/9، لجانا مستقلة على مستوى عال بعيدا عن التحزب السياسي لدراسة الإخفاقات الأمنية الكارثية.
- لن يكون الفشل في إنشاء مثل هذه اللجنة أمرا غير مسبوق فحسب، بل سيكون أمرا متهورا ومشينا للأمن القومي الأمريكي والديمقراطية.
في 19 أيار / مايو 2021، أقر مجلس النواب الأمريكي مشروع القانون H.R 3233 بعنوان «قانون إنشاء اللجنة الوطنية للتحقيق في هجوم 6 كانون الثاني / يناير على مجمع الكابيتول الأمريكي» بتصويت 252 من الأعضاء لصالح تشكيل اللجنة مقابل 175 صوتا ضدها. وقد صوت 35 نائبا من الحزب الجمهوري لصالح تشكيل اللجنة. ويقترح مشروع القانون إنشاء
«اللجنة الوطنية للتحقيق في هجوم 6 كانون الثاني / يناير على مجمع الكابيتول وذلك في إطار السلطة التشريعية. يجب على اللجنة (1) إجراء تحقيق في الحقائق والظروف المتعلقة بالهجوم على مبنى الكابيتول. (2) وتحديد أسباب هذا الهجوم والدروس المستفادة منه ومراجعتها وتقويمها. (3) وتقديم تقارير محددة تحتوي على النتائج والاستنتاجات والتوصيات لتحسين الكشف عن العنف المستهدف والإرهاب الداخلي والوقاية منهما والتأهب لهما والتعامل معهما وتحسين الوضعية الأمنية لمجمع الكابيتول الأمريكي.
ويمنح مشروع القانون اللجنة صلاحيات محددة، بما في ذلك سلطة عقد جلسات الاستماع وتلقي الأدلة وإصدار مذكرات الاستدعاء. كما ينص مشروع القانون على تشكيل اللجنة وتعيين العاملين فيها، ويطلب من اللجنة عقد جلسات استماع وجلسات علنية بالقدر الذي تراه ملائما. ويجب على اللجنة أيضا إصدار نسخ عامة عن تقاريرها».
ستشكل اللجنة المستقلة على غرار لجنة 11/9 التي حققت في هجمات 11 أيلول / سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة وفي فشل الأمن والاستخبارات الذي سمح بهذه الهجمات. وعادة ما يتطلع الكونغرس إلى اللجان المستقلة ليس فقط بهدف التحقيق ولكن لتوثيق الكوارث الأمنية الوطنية الكبيرة مثل هجمات 11/9 والتمرد في مبنى الكابيتول الأمريكي. ومن الممكن الاسترشاد بالدروس المستفادة من هذه الإخفاقات لرسم نهج جديد لمنع تكرار الهفوات نفسها في المستقبل. وفضلا عن التعديلات التكتيكية الهامة، فمن الضروري للولايات المتحدة أن تتعامل على نحو صارم مع تمرد الكابيتول. فتجاهل أحداث 6 كانون الثاني / يناير أو محاولة التقليل من شأن ما حدث قد يؤدي إلى تآكل الثقة في المؤسسات الديمقراطية ومن المحتمل أن يشجع المتطرفين على ارتكاب هجمات مماثلة في المستقبل. باختصار، سيرسل التساهل في القضية رسالة مفادها أن العنف الذي يحمل دوافع سياسية وأيديولوجية قد يكون فعالا.
شهد اقتحام الكابيتول، وهو مقر الديمقراطية والسلطة في أمريكا، وليس فقط رمزا للدولة، تحريضا من مؤيدي الرئيس السابق ترامب ومن قادة آخرين بدعوى سرقة الانتخابات. وقد اقتحم المتمردون المجمع، وبعضهم على ما يبدو كان على استعداد لارتكاب العنف ضد المشرعين والمدنيين، بهدف معلن هو وقف مصادقة الهيئة الانتخابية على الانتخابات الرئاسية لعام 2020. غير أن اللجنة الوطنية المعنية بالهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة (المعروفة أيضا باسم لجنة 11/9) كانت قد تأسست بدعم قوي من الحزبين يتجاوز بكثير ما يأمل به اليوم مؤيدو لجنة 6 كانون الثانون / يناير. وكان التحزب والاستقطاب السياسي في فترة هجمات 11/9 وما بعدها كبيرا، وكان التوتر السياسي عظيما. ومع ذلك فقد اتفق الطرفان آنئذ على حاجة الولايات المتحدة إلى دراسة وقائع ما حدث، والاتفاق على هذه الحقائق الأساسية، والسعي لمنع حدوثها مرة أخرى. وبعبارة أخرى، تفضيل الوطن على الحزبية. ولا يبدو أن الأمر اليوم كذلك.
إن التحزب المفرط، والتضليل المتعمد، والظروف الهيكلية التي فرضت كـ«التلاعب» في رسم حدود المقاطعات الانتخابية دعما لبعض الفرقاء قد تضافرت لجعل السياسة في الولايات المتحدة مختلة لدرجة أن الناس يجدون صعوبة في الاتفاق حتى على أبسط الحقائق. والأسوأ من ذلك، أن السيناتور رون جونسون وصف التمرد بأنه «احتجاج سلمي»، على الرغم من قتل ضابط شرطة واعتقال أكثر من 400 فرد بأكثر من 2,000 تهمة. وفي أعقاب أحداث 6 كانون الثاني / يناير مباشرة، وصف السناتور ميتش ماكونيل الاعتداء بأنه «تمرد فاشل»، مشيرا إلى أن الرئيس ترامب كان «مسؤولا عمليا وأخلاقيا عن إثارة هذا الحدث ». ويوم الأربعاء، أعلن ماكونيل نفسه معارضته لإنشاء لجنة مختصة بالتمرد، عاكسا بذلك الموقف الذي كان قد اتخذه سابقا.
ولعل هذا هو السبب في أن احتمالات إنشاء لجنة مستقلة مشتركة للتحقيق في أحداث 6 كانون الثاني / يناير تبدو ضئيلة، ولكنه السبب أيضا في كون إنشاء هذه اللجنة ضروريا للغاية. لأنه وحتى بعد مرور ستة أشهر على محاولة إبطال الانتخابات الرئاسية من خلال اقتحام مبنى الكابيتول الأمريكي، وهو أمر شجعه حرفيا الرئيس السابق والعديد من المسؤولين المنتخبين الحاليين، تبذل الجهود بكثافة لإنكار ما حدث. والأسوأ من ذلك، تستمر الجهود المبذولة لإعادة تأطير الحدث على أنه احتجاج سلمي يمكن حمايته قانونا، هذا على الرغم من الأدلة الدامغة التي تثبت النقيض. وتعد هذه محاولة متعمدة للكذب حول ما حدث ولماذا حدث. ومن المهم لضمان مجتمع ديمقراطي مستدام وموثوق به في المستقبل، بما في ذلك الحفاظ على مبدأ المساواة في تطبيق القانون، أن تفشل محاولات «إيهام» الجمهور، وأن يسجل فشلها تاريخيا.
وتصعب المغالاة في أهمية إنشاء الكونغرس الأمريكي لجنة مختصة في أحداث 6 كانون الثاني / يناير لدراسة المحاولة الأكثر وضوحا في تاريخ الولايات المتحدة لممارسة العنف لإبطال انتخابات رئاسية مشروعة. وقد أعاد كل تحد قانوني تأكيده للنتيجة، كما أكدها مرارا كبار المسؤولين المكلفين برصد أمن نتائج الانتخابات ومصداقيتها، رغم أن ذلك قد جاء في كثير من الأحيان على حسابهم المهني والشخصي. فالتاريخ بلا تدقيق يشبه الذخائر غير المنفجرة، والولايات المتحدة اليوم تعيش عصرا متفجرا سياسيا واجتماعيا.