أوّل الكلام آخره:
- على الرغم من التحذيرات من انتشار موجة ثانية قريبة، تعرض رئيس الوزراء الهندي مودي لانتقادات واسعة بسبب سوء التعامل مع الوباء.
- بدلا من التحضير لمواجهة الموجة الثانية، كرس حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم طاقاته للحملات الانتخابية في انتخابات ولاية البنغال الغربية.
- لأول مرة منذ انتخاب مودي عام 2014، تواجه حكومته انتقادات من جميع الأطياف السياسية.
- يشعر العديد من الخبراء أنه بغض النظر عن السلالة الجديدة القاتلة، فإن الفوضى الحالية في الهند هي نتيجة لسياسات الحكومة القصيرة النظر.
على الرغم من التحذيرات من انتشار موجة ثانية قريبة، تعرض رئيس الوزراء الهندي مودي لانتقادات واسعة بسبب سوء التعامل مع الوباء. وقد وصلت الهند إلى الحالة الكارثية الحالية للوباء على الرغم من تحذيرات العلماء المتكررة، بما في ذلك تحذيرات هيئة الخبراء التابعة للحكومة الهندية. وأسفرت الحالة عن كارثة ذات أبعاد غير مسبوقة، إذ وصل المتوسط اليومي لحالات الإصابة بفيروس كورونا في الهند إلى ما يقارب 400,000 خلال الأسبوع الثاني من أيار / مايو. كما أن عدد الوفيات الحقيقي لا يزال مجهولا، ولكن من المؤكد أنه يتجاوز بكثير الأرقام المرفقة بالتقارير الحكومية الرسمية. وتؤكد تقارير وسائل الإعلام، وحسابات علماء الأوبئة، والأدلة غير الرسمية إلى أن تقديرات الوفيات والإصابات الجديدة تبقى دون المستوى الحقيقي. وقد قدّرت دراسة حديثة أجراها معهد جامعة واشنطن للمقاييس الصحية والتقويم (IHME) الحد الأدنى لعدد الوفيات على أنه أعلى بثلاث مرات من عدد الوفيات المبلغ عنه وهو 279,000 حالة. إن عدم التطابق الإجمالي بين عدد الوفيات المبلغ عنه رسميا والتقارير الصادرة عن محارق الجثث والمقابر يؤكد ضخامة الكارثة ويسهم في تراجع الثقة في الحكومة الهندية.
ومع غياب أي بوادر أمل تلوح في الأفق، قد نشهد الأسابيع المقبلة كارثة أكبر. فاليوم، يدمر الوباء المناطق الريفية الشاسعة للهند، مع تصاعد الوفيات والأمراض في القرى الريفية، حيث يعيش ثلثا سكان البلاد مع الحد الأدنى من البنى التحتية للصحة العامة. وخلال الأسبوع الماضي، غسلت عشرات الجثث التي يزعم أنها ضحايا للكورونا على ضفاف نهر الغانج في بلدة بوكسار في بيهار، مما تسبب في رعب لا يمكن تصوره للسكان مع انتشار الصور في وسائل الإعلام الدولية. ومع نفاذ المساحات في محارق الجثث والحطب المستخدم في حرق الجثث، بدأ الناس في المناطق الريفية من ولاية أوتار براديش، وهي الولاية الأكثر اكتظاظا بالسكان في الهند، في رمس أحبائهم الذين فقدوهم بسبب الفيروس في الأنهار القريبة أو دفنهم في الرمال على طول الضفاف. وقد ساعدت مقاطع الفيديو المروعة للموتى العائمين في نهر الغانج على تقديم لمحة عن الخراب في المناطق الريفية. فضلا عن ذلك، عثر على أكثر من 2000 جثة مدفونة على طول ضفاف نهر الغانج في المناطق الريفية في ولاية أوتار براديش. وقد كشفت الأمطار المفاجئة التي جرفت التربة محاولة الإدارة المحلية التستر على سوء التعامل مع الوباء وعلى نسبة الوفيات من خلال زيادة كميات التربة على الجثث.
وعلى الرغم من مناشدة المنتقدين الامتناع عن تسييس الوباء، يبدو أن هذا بالتحديد ما كان يفعله حزب بهارتيا جاناتا الحاكم قبل بضعة أشهر فقط من بدء الأزمة الحالية. فقد كرس حزب بهاراتيا جاناتا طاقته للحملات الانتخابية وإدارة الانتخابات في ولاية البنغال الغربية بدلا من التجهيز لمحاربة الوباء عن طريق شراء الأوكسجين وأجهزة التهوية وتأمين أسرّة في المستشفيات. وقد كرّست موارد ضخمة لضمان تجمع حشود كبيرة في التجمعات السياسية التي خاطب فيها مودي ووزير الداخلية أميت شاه المؤيدين. وفي شهر نيسان / أبريل وحده، ترأس مودي عشرين مسيرة في ولاية البنغال الغربية وخطب شاه في أكثر من سبعين اجتماعا عاما. وأصبحت هذه المسيرات، التي جاء إليها الحشود من الدول المجاورة، من أوسع الأحداث انتشارا. كما يستحق المنافسون السياسيون لحزب بهاراتيا جاناتا نصيبا من اللوم، بعد إجراء عروضهم الضخمة الخاصة بهم. وعلى كل حال،فإن الموافقة الصريحة من رئيس وزراء الهند على حضور المواطنين مثل هذه الأحداث قد سهلت إقامة مثل هذه التجمعات الجماهيرية.
وكانت انتخابات ولاية البنغال الغربية بمثابة اختبار لشعبية مودي. ولم يقتصر الأمر على فوز رئيسة وزراء الولاية الحالية، السيدة مامتا بانيرجي، في الانتخابات، بل شكّلت هزيمة مودي المدوية ضربة قاسية له بعد أن كانت شعبيته أمرا لا ينازع عليه قبل شهرين فقط. ويبدو أن النتيجة السياسية لخسارته الانتخابات أكبر بكثير مما كان متوقعا. ولأول مرة منذ عام 2014، سنة انتخاب مودي، تواجه حكومته انتقادات من جميع الأطياف السياسية. وحتى وسائل الإعلام الرئيسة، التي غالبا ما تتعرض لضغوط لتتوافق مع وجهات نظر الحكومة، نشرت قصصا وصورا عن سوء تعامل الحكومة مع الوباء. وعلى الرغم من الاستخدام الفعال لحزب بهاراتيا جاناتا لوسائل التواصل الاجتماعي لصالحه بشكل عام، فقد نالت الحكومة ورئيس الوزراء انتقادات قاسية في هذا الفضاء أيضا. ويشارك الآلاف من المواطنين على شبكات الإنترنت قصصا مرعبة عن وفاة أقاربهم، مع تقارير عن وفاة بعضهم على الطرق أو خارج المستشفيات بسبب عدم توفر مرافق طبية كافية. وقد شكلت هذه الانتقادات، إلى حد بعيد، أخطر لائحة اتهام للحكومة وسياساتها منذ تسلمها الحكم. ويتفاقم التحدي المتمثل في الاستجابة للوباء اليوم بسبب إعصار تاوكتاي، الذي ضرب الساحل الغربي للهند.
وقد عزا الخبراء الأزمة الحالية المنتشرة على نطاق واسع إلى سوء الإدارة الحكومية، وليس فقط إلى الطبيعة الفتاكة لسلالة الوباء الجديدة. ففي شباط / فبراير، عندما لم يكن قد تطعم إلا ما يقارب 2 % من سكان الهند الذين يفوق عددهم 1.3 مليار نسمة، دافعت الحكومة عما أسمته بـ«دبلوماسية اللقاحات»، وقامت بتصدير اللقاحات إلى دول أخرى على الرغم من انتظار غالبية سكانها تأمين الجرعات لهم. وعليه، أدى ذلك إلى نقص حاد في توافر اللقاحات محليا، مما دفع العديد من الولايات إلى وقف حملات التطعيم الخاصة بها. وبعيدا عن الهند، سوف يراقب الجيران الإقليميون التطورات وتداعياتها على سكانهم، مما يثير تساؤلات حول التأثير في أمن دول مثل بنغلادش ونيبال واستقرارها. وقد أبرزت الأزمة أوجه التفاوت الصارخة في الهند، على الأصعدة الدينية والاقتصادية والسياسية، والتي من المرجح أن تكون لها تداعياتها حتى بعد الموجة الحالية من الوباء. وكما هو الحال في كل الأنظمة الديمقراطية، فإن الاختبار الحقيقي لشعبية مودي سيكون في الانتخابات البرلمانية لعام 2024، أي بعد ثلاث سنوات. وللتعافي من هذه الأزمة، سيتعين على حكومة حزب بهاراتيا جاناتا الانخراط في عملية السيطرة على الأضرار الكبيرة من خلال التعامل الفعال مع الوباء وتداعياته اللاحقة. ولكن إن كانت انتخابات الجمعية العامة الأخيرة، بما في ذلك الانتخابات في ولاية البنغال الغربية، مؤشرا على شيء، فربما لن يتمكن رئيس الوزراء مودي من إعادة إثبات جدارته في الوقت المناسب لتحقيق انتصار آخر.